مدونات

الإرهاب السيكوباتي

أنس أبو شعالة -كاتب ليبي
لا شك أن حوادث مخيفة، كالتفجيرات والاغتيالات والدهس بالشاحنات وحرص الجناة على القتل الجزافي وإحداث أكبر قدر ممكن من الفجيعة، يسترعي النظر بشكل موضوعي ومعمق عن أسباب هذه الحوادث المريعة وطرح سؤال محوري: هل هذه الوقائع أفعال ابتدائية أم ردود فعل هستيرية جراء أفعال مسبقة لا بد أنها شديدة القسوة حتى تتولد عنها هذه الردود الموازية لها في القوة؟

الملاحظ أن هذه الحوادث تكشف ميلاد نوع جديد من الإرهاب يختلف عن النوع المعروف وأستطيع أن أسميه "الإرهاب السيكوباتي" (السيكوباتية حالة نفسية معروفة في علم الإجرام، تولد حالة من الكراهية ضد المحيط والمجتمع، وابتغاء العدوان والعنف نتيجة اضطراب نفسي قد يكون بسبب اضطهاد أو حرمان "Psychopathy").

فهذا الإصدار الجديد لا يرتبط بأيديولوجيا أو فكر أو دين، ومحاولات إثبات ارتباط هذا الإرهاب بالإسلام أحد الأخطاء الفادحة التي أضلّت الباحثين وصناع القرار في العالم، جهلا أو مكابرة عن البحث الموضوعي والمتجرد عن أسباب هذا العنف الدموي.

إن الإمعان في قهر الشعوب وتقتيلهم وإبادتهم بشكل وحشي، دون أدنى درجات التعاطف والنصرة، وفي المقابل التباكي والنحيب على حوادث عارضة، يخلق حالة من الغبن، ويشعل نيران الرغبة الحيوانية الكامنة في كل إنسان في الانتقام والانتحار الجماعي، حتى يجبر العالم المتعامي عن ذاك المكلوم والمهجر والمشرد والمغتصبة أرضة ومنتزعه كرامته من ذاته الإنسانية والمحروم، حتى من راحة الموت، وقهره برؤية أهله وأولاده ووطنه أشلاء محترقة ومتناثرة، يجبرهم جميعا على الاشتراك في معاناته وآهاته وحسراته على فقدان أهله ووطنه وذاته.

ومما تجدر الإشارة إليه أن هذا "الإرهاب السيكوباتي" من الاستحالة على جميع الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في العالم كشفه، أو القبض الاحترازي على كل من يشرع في إتيان أفعاله، فهذا النوع لا يرتبط بتنظيم أو تمويل أو تخطيط، ومن ثم لا يمكن اختراقه ولا إحباط أفعاله بالمطلق، ذلك أن هذا النوع من الإرهاب ينطلق ذاتيا من أنفس المظلومين والمقهورين في العالم أجمع، ولا يعد، والحال كذلك، أعمالا منطلقة من نظرية المؤامرة أو لتحقيق مآرب معينة، وإنما غرض هذه الأعمال إيصال صوت أرواح الضحايا التي وارتها أنقاض وركام فصرخت في وجوه من خذلوها بالقتل والانتقام.

لست أبرر أفعالا بل وصفتها بالإرهاب، إنما أسلط الضوء على سؤال يتغافل عنه المكابرون: ما أسباب نشوء وحصول هذا الإرهاب؟ وهل يجترح هذه السيئات من كان آمنا في وطنه مصانا في كرامته مكفولا في آدميته كسائر العالم والبشر؟ هذا هو السؤال الذي قد يكون فيه البيان.

*  محام ليبي