سياسة دولية

تباطؤ معركة الموصل بعد دخولها الشهرين.. ما وضع الأهالي؟

المدنيون المصابون بأمراض مزمنة يواجهون خطر الموت لتعذر توفير أدويتهم- أ ف ب
مع انطلاق معركة استعادة الموصل من تنظيم الدولة، قبل شهرين، تعهدت الحكومة العراقية بتحرير المدينة الأكبر، التي يسيطر عليها التنظيم في العراق، قبل نهاية العام الجاري. لكن يبدو أن تعهد حكومة حيدر العبادي صعب التحقيق، خاصة مع تباطؤ العملية العسكرية داخل الموصل خلال الأيام الأخيرة، بينما تتفاقم الأزمة الإنسانية بشكل كبير، خاصة مع حلول فصل الشتاء.

بعد أقل من أسبوعين على انطلاق المعركة، يوم 17 تشرين الأول/ أكتوبر، استطاعت القوات العراقية دخول الموصل، ذات الأغلبية العربية السنية، من الجهة الشرقية، بعدما سيطرت على معظم القرى والبلدات المحيطة بالمدينة، الواقعة على بعد 405 كيلومترات شمالي العاصمة بغداد.

وفور دخولها الموصل، سيطرت هذه القوات، خلال أيام قليلة، على عدد من أحيائها، ليصل إجمالي ما سيطرت عليه نحو نصف الجهة الشرقية من المدينة، أي ربع مساحة الموصل، لكنه سرعان ما تباطأ تقدم تلك القوات.

تباطؤ العملية العسكرية، وبالأخص خلال الأيام الأخيرة، له أسباب عديدة، بحسب قادة عسكريين، منها: اعتماد تنظيم الدولة على هجمات ليلية مضادة، واستغلاله التقلبات الجوية الشتوية التي يصعب معها تغطية طيران التحالف الدولي للقوات العراقية، فضلا عن استخدام مدنيين دروعا بشرية، وشن هجمات بسيارات مفخخة، والاعتماد على قناصة يتنقلون عبر شبكة أنفاق سرية.

حرب بين السكان


مع هذه التطورات، وضعت العملية العسكرية نحو 1.5 مليون مدني في الموصل أمام مصير مجهول، وسط تحذيرات لمنظمات الدولية، بينها الأمم المتحدة، من تفاقم الأزمة الإنسانية بشكل غير مسبوق..

فالسكان يعانون أوضاعا متردية للغاية؛ مع اشتداد معارك حرب الشوارع، والكر والفر داخل الأحياء المكتظة بالسكان، وقلة إمدادات الغذاء والدواء؛ ما يعرض حياة الأكثر فقرا لخطر مميت.

وحتى الآن، نزح نحو 53 ألف مدني من الموصل، مركز محافظة نينوى، من بين أكثر من 107 آلاف مدني نزحوا من المدينة ومحيطها منذ بدء العملية العسكرية، وفقا لوزارة الهجرة والمهجرين العراقية.

هجمات ليلية مضادة

لتجنب مشقة النزوح، مع تردي أوضاع المخيمات، آثر معظم المدنيين البقاء في منازلهم في المناطق التي استعادتها القوات العراقية من تنظيم الدولة، غير أن الهجمات المضادة اليومية للتنظيم ظلت تهدد حياتهم.

محمد الناصر، وهو عامل طبي في مستشفى ميداني بمنطقة كوكجلي شرقي الموصل، قال لوكالة الأناضول، إن "المستشفى يستقبل يوميا قتلى وجرحى من المدنيين يسقطون في خطوط التماس بين تنظيم الدولة والقوات العراقية بسبب المعارك الدائرة".

لكن أكثر ما يشكل خطرا على حياة المدنيين، وفق الناصر، هو "الهجمات المضادة التي يشنها تنظيم الدولة في المناطق التي استعادتها القوات العراقية"، وغالبا ما يكون ذلك عبر خلايا نائمة للتنظيم داخل أحياء خسرها.

فالتنظيم، كما أوضح العامل الطبي، "يشن هجمات انتحارية وسط مناطق السكان، ويقصفها على نحو مستمر، وفي مرات كثيرة تسقط الدور السكنية على أهلها، وهو ما يودي بحياة كل من بداخلها.. هذه حرب مأساوية بالنسبة للمدنيين".

الناصر ختم بأن "القوات العراقية تنقل من المدينة القتلى والجرحى إلى مستشفيات ميدانية، ويتم نقل الحالات الحرجة من الجرحى إلى مستشفيات في إقليم الإدارة الكردية في الشمال، أو إلى ناحية القيارة"، على بعد نحو ستين كيلومترا جنوبي الموصل.

مخيمات غير مجهزة

حال من غادروا الموصل ومحيطها إلى مخيمات النزوح ليس أفضل ممن فضلوا البقاء في منازلهم، فالنازحون يواجهون مشقة كبيرة للوصول إلى تلك المخيمات، التي أقامتها الحكومة العراقية، بمساعدة منظمات دولية، في جنوبي الموصل وشرقيها..

لكن، لا تقي الخيم النازحين من برد الشتاء القاسي ولا مياه أمطاره الغزيرة، فضلا عن قلة الخدمات الأخرى، مثل علاج المرضى؛ وهو ما أودى بحياة نازحين، لا سيما بين كبار السن والأطفال، بحسب مصادر داخل تلك المخيمات.

نزهان الجبوري، وهو قائد فريق إغاثي في وزارة الصحة العراقية، قال إن "فرق الإغاثة تبذل كل مساعيها لإغاثة النازحين وتقديم الخدمات الصحية لهم، لكن الوضع صعب للغاية؛ نظرا لقلة الإمكانات وعدم تجهيز المخيمات بالصورة الصحيحة".

الجبوري، أوضح أن "النازحين عرضة للأمراض؛ بسبب قلة تجهيز المخيمات.. كبار السن وحديثو الولادة لا يتحملون برودة الشتاء.. العواصف تقتلع الخيم ومياه الأمطار تغرق بعضها".

الأولوية لجرحى تنظيم الدولة

في الجانب الآخر من الموصل، أي الضفة الغربية للمدينة، حيث المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة، تبدو الصورة قاتمة أكثر بالنسبة للمدنيين..

فلا يسمح التنظيم للمدنيين بمغادرة تلك المناطق؛ ما يعرض حياة الكثيرين للخطر بسبب نقص الغذاء وشح كبير في الأدوية.

مصدر طبي في مستشفى يقع ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم، قال إن "عددا من المدنيين توفوا خلال الأيام القليلة الماضية بسبب عدم توفر الأدوية".

المصدر، الذي طلب عدم نشر اسمه حتى لا تتعرض حياته للخطر، أضاف أن "الأيام العشرة الماضية شهدت وفاة أربعة رجال مسنين وامرأتين تعانيان من مرض اللوكيميا وستة أطفال حديثي الولادة؛ لعدم توافر ما يحتاجونه من أدوية ومستلزمات طبية".

وعبر هاتف جوال يلتقط شبكة إرسال من الإقليم الكردي، تابع المصدر بأن "مستشفيات الموصل باتت تكتظ بجرحى التنظيم، الذين يسقطون جراء المواجهات المسلحة ضد القوات العراقية في محاور الموصل كافة.. والكوادر الصحية مجبرة على التفرغ للعناية بهم دون غيرهم".

وتكتمل المعاناة، وفق المصدر، بأن "تنظيم الدولة يحتكر الأدوية، لا سيما تلك المسعفة للحياة ومحاليل التعقيم والمواد المخدرة، ولا يسمح باستخدامها لعلاج المرضى المدنيين مهما كانت حالتهم؛ حيث يخشى نفادها في ظل اشتداد المعارك على تخوم الضفة الغربية للموصل".

وبنبرة صوت يعلوها الحزن، أضاف أن "أغلب الأدوية المتوفرة لعلاج المدنيين في المراكز الصحية التجارية هي من مناشئ رديئة وباهظة الثمن، فلا يستطيع المريض شراءها حتى وإن وجدت"، مشددا على أن "المدنيين المصابين بأمراض مزمنة يواجهون خطر الموت؛ لتعذر توفير أدويتهم". 

الموت جوعا وبردا

خلال الأسابيع القليلة الماضية، وضمن معركة الموصل، سيطر مقاتلو "الحشد الشعبي" (مليشيا شيعية موالية للحكومة العراقية) على مناطق غرب المدينة؛ فباتت طرق الإمدادات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم داخل الموصل شبه منعدمة، وهو ما ينعكس على المدنيين.

وقبل ذلك، كانت القوات العراقية وقوات البيشمركة الكردية الموالية لها تحكم حصار المدينة من الشمال والشرق والجنوب.

في ظل تلك الأوضاع، تضاعفت أسعار المواد الغذائية ووقود التدفئة مرات عدة؛ ما وضع الشرائح الفقيرة من المدنيين أمام خطر الموت.

أحد المدنيين، طلب عدم نشر اسمه، قال للأناضول عبر الهاتف إن "سعر برميل النفط الأبيض (يستخدم لغرض التدفئة) ارتفع إلى مليون دينار عراقي (نحو 850 دولارا أمريكيا) بعد أن كان بـ150 ألفا (نحو 120 دولارا)".

وبصوت يملؤه الحزن والقلق، ختم بحديثه بما يشبه المناشدة: "سنموت بردا وجوعا إذا استمر الوضع هكذا".