مقالات مختارة

"البي بي سي" سمحت لماري لوبان بالإفلات من المساءلة حول موقفها المعادي للمسلمين

1300x600
ينبغي أن ينجم عن مقابلة أندرو مار يوم الأحد مع المرشحة للرئاسة الفرنسية إعادة تقييم شاملة حول كيفية تعامل الإعلام البريطاني مع المتطرفين
 
دعونا نقوم باختبار ذهني. فلنتصور أن ماري لوبان كانت تعلن على الملأ أن "التهويد" يشكل تهديداً للحضارة الفرنسية. 
 
ولنتصور أنها أخبرت أنصارها من منتسبي اليمين المتطرف أن المظاهر العلنية المعبرة عن العقيدة اليهودية في الشوارع الفرنسية ترقى إلى ما كان عليه الاحتلال النازي أيام الحرب. مثل هذا التصريح كان سيعتبر في بريطانيا أمراً في غاية الشيطانية. 
 
لحسن حظها، لم يحدث من قبل أن هاجمت زعيمة الجبهة القومية الفرنسية "التهويد" من قبل. بل خصت لوبان المسلمين بسمومها، حتى بلغ بها الأمر في إحدى المراحل أن شبهت المسلمين الذين يصلون في الشوارع بالاحتلال النازي، كما حذرت من أن ما أسمته "الأسلمة" يهدد الحضارة الفرنسية. 
 
ولكن مع كل ذلك، حصلت لوبان صباح الأحد الماضي في مقر حزبها في نانتير على منصة رفيعة المستوى لمخاطبة الرأي العام البريطاني من خلال المقابلة التي أجراها معها أهم وأرقى الصحفيين السياسيين في البي بي سي. 
 
سؤال واحد غير مؤذي
 
كثيرون انتقدوا أندرو مار لأنه استضاف زعيمة الجبهة القومية في برنامجه التلفزيوني، بينما رأى آخرون أنه يستحق الثناء والتهنئة على تمكنه من إجراء مقابلة حصرية مع سيدة يحتمل أن تصبح الرئيس الفرنسي القادم إذا ما فازت في الانتخابات التي من المقرر أن تجري خلال الشهور القليلة القادمة. 
 
ليس بإمكاني التفكير بضيف أكثر ملاءمة منها خلال الأسبوع الذي انطلق فيه دونالد ترامب ليحقق انتصارا غير متوقع ومرعباً جداً في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. 
 
ولكني أعتقد أن مار فتح على نفسه باباً من النقد الشديد بسبب إخفاقه في توجيه الأسئلة الصحيحة للسيدة لوبان. 
 
دعونا لا ننسى أن زعيمة الجبهة القومية طالبت بمنع غطاء الرأس للنساء وكذلك بحظر المأكولات التي لا تحتوي على لحم الخنزير في المدارس الفرنسية، كما دعت إلى مراقبة المساجد الفرنسية. 
 
ولكن من باب الإنصاف لها، نذكر بأنها تدعي بأنها تتكلم دفاعاً عن التقليد العلماني الفرنسي كما هو معبر عنه في الدستور الوطني، وتقول إنها تريد تطبيق نفس المعايير على جميع الأديان. 
 
ومع ذلك، لا يتبادر لدى معظم المراقبين أدنى شك بأن ما قالته إنما هو موجه نحو المسلمين دون غيرهم، ولم تقصد به لا النصارى ولا اليهود. 
 
وقد أصبح ذلك جلياً عندما قارنت صلاة المسلمين في شوارع البلدات الفرنسية بالاحتلال النازي أثناء الحرب. وكانت حينها توجه خطاباً إلى أنصارها في ليون ضمن حملتها الانتخابية في عام 2010. 
 
ومما نقل عنها في ذلك اليوم قولها ما يلي: "أنا آسفة، ولكن لأولئك الذين يحبون في الحقيقة التحدث عن الحرب العالمية الثانية أقول إن بإمكاننا أن نتحدث عن الصلاة في الشوارع، لأن ذلك بكل وضوح هو نوع من الاحتلال للأرض."
 
"إنه احتلال لقطاعات من الأرض، احتلال لأحياء يجري فيها تطبيق القانون الديني، إنه فعلاً احتلال. لا توجد فيه دبابات، ولا يوجد فيه جنود، ولكنه على أية حال احتلال، وهو يثقل كاهل الناس."
 
كان ذلك تشبيها سمجا وقبيحا في نفس الوقت. علينا أن نأخذ بالاعتبار حقيقة أن كثير من المسلمين يضطرون للصلاة في الشوارع الفرنسية لأنه بكل بساطة لا توجد مساجد أو مصليات كافية. 
 
ومع ذلك، وجه مار إلى لوبان سؤالاً واحداً غير مؤذ حول الموضوع في مقابلة الأحد، حيث استفسر منها بكل لطف عما إذا كان المسلمون مرحباً بهم في فرنسا أم لا.
 
ولما حصل منها على الجواب لم يكلف مار نفسه مشقة متابعة النقاش معها حو الموضوع، حيث أنها أجابته بما يلي: "لن نرحب بقدوم المزيد من الناس، نقطة. لم تعد لدينا شواغر."
 
ازدواجية معايير خطيرة
 
دعونا لا ننسى أن مار هو واحد من كبار ممثلي النخبة الليبرالية البريطانية، وهو من أكثرهم حظوة بالاحترام والتقدير. 
 
أنا متأكد تماماً من أنه كان سيوجه المزيد من الأسئلة لو أن لوبان ردت بنفس الإجابة فيما لو كان نفس السؤال متعلقاً بأي أقلية أخرى – اللواطيون، السود، اليهود، الهندوس. 
 
ولكن مار ترك إجابة لوبان تمضي دون أن يعلق عليها كما لو أنها نطقت بما هو طبيعي وعادي جداً. 
 
هذا أمر مقلق
 
من باب الإنصاف لمار نذكر بأنه سأل لوبان عن السجل التاريخي المناهض للسامية للجبهة القومية. ولكن السؤال كان يسيراً على مرشحة الرئاسة عن اليمين الفرنسي المتطرف، ولم تجد صعوبة في الإجابة عليه. 
 
لقد حرصت ماري لوبان بشدة على توثيق النأي بنفسها عن ماضي حزبها، كما أنها وثقت جيداً تنديدها بآراء والدها المناهضة للسامية. إلا أن السؤال الملح جداً بشأن الجبهة القومية اليوم لم يعد يتعلق بمناهضة السامية وإنا بالتعصب ضد الإسلام والمسلمين. 
 
التعصب ضد الإسلام والمسلمين
 
من المهم ملاحظة أن نشأة الجبهة القومية في فرنسا إنما هي جزء من نمط يتكرر على نطاق واسع في كافة أرجاء القارة الأوروبية. لقد توقفت قطاعات كبيرة من اليمين المتطرف عن مهاجمة اليهود وذهبت بدلاً من ذلك تلاحق المسلمين وتتصيدهم.
 
من الأمثلة المهمة على هذه الظاهرة الأوروبية العامة غيرت وايلدرز وحزبه (الحزب من أجل الحرية). في المملكة المتحدة، هناك ما يشير إلى أن حزب الاستقلال البريطاني المناهض للاتحاد الأوروبي والذي يتزعمه نايجيل فاراج، بما بات يظهره من علامات شريرة، يسير على نفس النهج ويكاد يصبح نموذجاً آخر. 
 
ومع ذلك، من المهم أن نأخذ بالاعتبار أن حزب الاستقلال البريطاني يعتبر أن ماري لوبان تقع خارج دائرة السياسيين المحترمين، ولذلك فقد رفض أن يكون له أي علاقة بها أو بحزبها. 
 
أعتقد بوجود أسباب قوية تبرر تصنيف لوبان كمتطرفة بموجب التعريف الذي يتبناه برنامج بريفينت (إمنع)، والذي ينص على ما يلي: "التطرف هو المعارضة الصوتية أو الفعلية للقيم البريطانية الأساسية، بما في ذلك الديمقراطية، وسيادة القانون، والحرية الشخصية، والاحترام المتبادل والتسامح بين مختلف الأديان والمعتقدات."
 
لقد طورنا في بريطانيا مجموعة من الممارسات فيما يتعلق بالخطباء الذين يصنفون على أنهم متطرفون. بالمجمل، لا يسمح لهم بالظهور عبر وسائل الإعلام والمحافل العامة، وفي الحالات النادرة التي يتسنى لهم الظهور من خلالها فإنهم لا يسلمون من المساءلة والتحدي. 
 
من السوابق المهمة في هذا المجال تلك التي تتعلق بزعيم الحزب القومي البريطاني السابق نيك غريفين، الذي سمح له بالمشاركة في برنامج البي بي سي "وقت الأسئلة"، ولكنه اضطر لتحمل سيل من الأسئلة الصعبة والمحرجة بشأن معتقداته. 
 
ولعل من الأمثلة الأكبر دلالة على ذلك ما تعرض له غريفين من سلق ومساءلة شديدة حول آرائه تجاه الإسلام والآسيويين عندما استضافه جيريمي باكسمان في برنامج نيوزنايت في قناة البي بي سي. بالإمكان مشاهدة تلك المقابلة في هذا الرابط: 

 

مثل هذه السوابق تؤكد أنه كان يتوجب على مار تحدي ماري لوبان ومساءلتها أكثر بكثير مما فعل. 
 
هناك مشكلة خطيرة هنا تتعلق بازدواجية المعايير. لقد حظرت الحكومة هنا على عدد كبير من الخطباء الإسلاميين الدخول إلى بريطانيا لأن ما يتلفظون به يصطدم بالقيم البريطانية المتعارف عليها. 
 
ومع ذلك سُمح للسيدة لوبان بالظهور في واحد من أهم البرامج السياسية التي تعرضها قناة البي بي سي، ولم يتم تحديها ولا مساءلتها بشأن آرائها حول الإسلام. أنا متأكد تماماً أنه فيما لو عبرت ماري لوبان عن آراء مشابهة بشأن السود أو المثليين أو الهندوس أو اليهود لسارع مار إلى توجيه أسئلة ثاقبة لها ولربما كانت أسئلته إليها من النوع الهجومي. 
 
ما يتوقعه المسلمون البريطانيون
 
هناك ما يقرب من ثلاثة ملايين مسلم في بريطانيا، معظمهم تقريباً يدفعون رسوم اقتناء ترخيص لمشاهدة التلفزيون. يمكن أن يفهم من أسلوب معاملة ماري لوبان يوم الأحد أن البي بي سي لا ترى أن المسلمين يتمتعون بنفس الحقوق التي تتمتع به أصناف أخرى من الناس في المجتمع البريطاني. أستخدم هنا كلمة "حقوق" لأنني أفترض أن من حق المسلمين أن يتوقعوا أن يطرح محاورو قناة البي بي سي أسئلة صعبة على ضيوفهم الذين يعبرون عن مثل هذه الآراء شديدة العداء أو الكراهية للمسلمين. 
 
ومع ذلك، لن يكون من الإنصاف التركيز فقط على أندرو مار، والذي أعتبره محاوراً ممتازاً، حينما يتعلق الأمر بازدواجية المعايير. لا يكاد يُستثنى أحد من وسائل الإعلام البريطانية، المقروءة والمرئية والمسموعة على حد سواء، من انتهاج نفس السلوك الذي انتهجه أندرو مار وقناة البي بي سي صباح الأحد الماضي. 
 
وإليكم هنا نموذجا آخر من عدد يوم الإثنين الماضي من صحيفة ذي تايمز

في هذه المقالة، تبرر إحدى الكاتبات في الصحفية، وهي ميلاني فيليبس، التعصب الذي تفوح رائحته من موقع بريتبارت بالحجة التالية: "موقع بريتبارت يفضح العنف والترويع الإسلامي، ولذلك فإنه يوصم بالعنصرية والكراهية والإسلاموفوبيا".
 
من المذهل حقا أن تسعى واحدة من الصحف البريطانية الرائدة إلى جعل الإسلاموفوبيا أمراً طبيعياً ومقبولاً بهذا الشكل. 
 
هذه مشكلة. أظن أننا جميعا بحاجة إلى إعادة تقييم الطريقة التي نتعامل من خلالها مع متطرفي التيار اليميني من أمثال ماري لوبان (وكذلك أيضاً من أمثال دونالد ترامب، الذي صدرت عنه سلسلة من التصريحات حول المسلمين في أمريكا، والتي تصنفه بلا أدنى ريب ضمن قائمة المتطرفين فيما لو حاول الدخول إلى بريطانيا.)

إعادة التقييم هذه ملحة جداً. فلعلنا نوشك أن نلج عصرا مظلما آخر في تاريخ أوروبا يجري خلاله التسلط على المسلمين دون وجه حق وتساء معاملتهم بلا مبرر، تماماً كما بات جلياً من تصريحات ومسالك كل من لوبان في فرنسا وغيرت وايلدرز في هولندا. 
 
في هذه الأثناء نحن بحاجة إلى مجموعة من القواعد التي يمكن للجميع أن يتوقعها، قواعد منصفة ونزيهة وشفافة، قواعد لا تستهدف بعض الجاليات على حساب جاليات أخرى.