قضايا وآراء

الوعي السياسي ركيزة الإصلاح

1300x600
يترقب الجميع في تونس نتائج الحوار حول قانون المالية الذي سيكون له انعكاسات مباشرة على الوسط الشعبي والمشهد السياسي. قلق وخوف من المستقبل يسيطران على الشارع التونسي بسبب الوضع وتصريحات المسؤولين الموغلة في السلبية والتشاؤم.

البعض يشبّه حالنا بالأزمة الاقتصادية لسنة 1984، إذ جعلت الدولة تقوم بسلسلة من الإجراءات
التقشفية، انتهت بانتفاضة عارمة وأزمة سياسية. مما يطرح التساؤل اليوم حول مستقبل هذه الأزمة، والأطراف التي ستكتوي بنارها (كبش الفداء) في ظل غياب بوادر الحل!

وعلى قدر أهمية المشكل الاقتصادي، إلا أن المشكل الأكبر يكمن في كيفية تفاعل الدولة والطبقة السياسية عموما مع هذا الأمر.

يمكن ملاحظة ارتباك الدولة وفقدانها للحلول الذكية عبر الاستفادة من تجارب مقارنة على الصعيد الآسيوي، أو ببعض دول أمريكا الجنوبية، كما لا يخفى اهتراء الطبقة السياسية عموما.

تُعرّف الطبقة السياسية أو النخبة بأنها أقوى وأذكى مجموعة من الناس في المجتمع، وهي الأقدر على التحكم بموقع اتخاذ القرار وإنتاج الحلول، في حين أن واقع نخبتنا يقول عكس ذلك.

إن الأزمة الحقيقية التي تعيشها تونس هي تضارب الأولويات بين النخبة والشعب. ففي الوقت الذي ينتظر المواطنون بعض الحلول والأفكار، تطمئنهم على القليل الذي يحافظون به على بقائهم البيولوجي، تناضل مجموعة واسعة من هذه النخبة على الحفاظ على مجرد بقائها السياسي، رامية عرض الحائط مصلحة الدولة والشعب.

ما معنى أن يحذر أحد أهم رموز هذه النخبة من إجراء الانتخابات البلدية في موعدها خوفا من فوز أحد الأحزاب (حركة النهضة)، رغم أهمية التعجيل بهذه المحطة ودورها في تفعيل الحكم المحلي والحوكمة اللامركزية، التي ستُسهّل تنفيذ عديد المشاريع المعطلة بأموال مرصودة لها من سنوات!

شتاء ساخن في الأفق يسبق سنة عصيبة خاصة على المستوى الاقتصادي، في مقابل جلسات مغلقة ومكثفة، ليس لإيجاد حلول، وإنما لبحث سبل تكوين جبهة سياسية تواجه حركة النهضة انتخابيا وتمنعها من الفوز.

من شب على شيء شاب عليه. نخبة سياسية شبّت على التطاحن الإيديولوجي والفرز الهوياتي، كيف لها أن تؤمن أن المرحلة تقتضي قواعد لعبة جديدة، وتحتاج تنافسا برامجيا وليس صراعات جوفاء تحقق مشاهد "فرجة" حماسية على أنقاض شؤون الناس.

الجميع يعلم أن هناك قرارا دوليا في ضبط دور الإسلاميين في الشأن السياسي. ورغم أن حركة النهضة أثبتت ممارسة أنها أفلتت بأقدار كبيرة من عقال الإسلام السياسي، إلا أن جهودا حثيثة تسعى لتحجيم دورها عبر تصنيع جسم سياسي مضاد لها. ولكن على أي أساس ووفق أي رؤية؟
هل ستكتفي هذه المضادات بخلق التوازن الانتخابي مع حركة النهضة مثل ما كان عليه حزب نداء تونس، حيث كان الأخير حزبا انتخابيا التقى على مصالح ضيقة انتهت به إلى التفكك والتحلل، أم سيكون لها مشروع سياسي واضح من أجل خدمة المواطن والحفاظ على الدولة!

على هذه النخبة أن تتعلم من دروس الماضي وخاصة إذا كنا حديثي عهد به، وأن تقدم المصلحة الوطنية على مصالحها الضيقة ونزعاتها الزعامتية.

من الضروري أن يكون هناك توازن حزبي وانتخابي في دولة تكافح لتجاوز مخلفات نظام أحادي استبدادي، بغض النظر عن خلفيات هذه الأحزاب، وذلك لضمان التوزان السياسي ومنع تغول أي طرف، ولكن يجب أن تكون المعادلة على أرضية استقرار الدولة ورعاية شؤون الناس. 

تحتاج تونس إلى وعي جديد تتجاوز به منطق الغلبة إلى ثقافة التكامل والتعاون في جميع المجالات، بين الأفراد، وبين الأحزاب، وبين المجتمع السياسي والمجتمع المدني، من أجل إصلاحات عميقة وشاملة تنقذ هذه التجربة الديمقراطية الناشئة.