شرارات الغضب والتمرد تناثرت في الفضاء
المغربي منذ بداية الأسبوع، حين روِّع المغاربة بحادث طحن بائع للسمك في عربة للنفايات، بعدما صودرت حصته منها وألقيت في العربة، فسارع من جانبه بإلقاء نفسه لاستعادتها، ولكن تم تشغيل آلة الشفط الضاغطة التي فرمته ضمن النفايات وأجهزت عليه. حدث ذلك يوم الجمعة الماضي في بلدة الحسيمة الواقعة في منطقة الريف الأمازيغية شمال البلاد. صدم المغاربة حين ذاع الخبر، وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي صورة الشاب (محسن فكري 31 سنة) وهو يصارع الموت بين فكي آلة الشفط. حيث ظهر وجهه وذراعه قبل أن يختفي تماما. وانتشر هاشتاج على المواقع يحمل عنوان (طحن ــ مو) وتعنى اقتل أمة، للدلالة على ما يصفه المغاربة بـ«الحكرة»، أى هدر بعض رجال السلطة كرامة الباعة من الفقراء ومتوسطي الحال. وتناقلت الصحافة المحلية تصريحات لشهود أفادوا بأن شرطيا أمر سائق شاحنة النفايات بتشغيل آلة الشفط بعدما ألقى الشاب بنفسه وسطها لاستعادة أسماكه ونقل عنه قوله «طحن ــ مو». وهو ما نفته الشرطة فى وقت لاحق. الشاهد أن الحادث الذي صدم الجميع أطلق احتجاجات عارمة خرجت فى بلدة الحسيمة ثم عمت مختلف المدن المغربية. ذلك أن مواقع التواصل تناقلت دعوات للتظاهر إعرابا عن الغضب والاحتجاج على سلوك الشرطة والمطالبة بمعاقبة المسؤولين عن الجريمة، من ثم انتقلت المظاهرات من الحسيمة إلى طنجة ومراكش أكادير ووجنة والرباط والدار البيضاء.
احتلت القصة عناوين الصحف المغربية، فكتبت صحيفة «أخبار اليوم» على صفحتها الأولى أن «المغرب في صدمة ــ موت بائع السمك المروع يبكي الريف ويغضب المغاربة»، وتساءلت صحيفة «الأحداث» المستقلة «من طحن بائع السمك».. إلخ. في الوقت ذاته كان للحادث صداه في أوساط الطبقة السياسية، التي أدانت الحادث ودعت منتسبيها إلى المشاركة في مظاهرات الغضب والاحتجاج. ورغم أن رئيس الوزراء عبدالإله بن كيران أعرب عن أسفه لوقوع الحادث المأساوي، إلا أنه طالب أعضاء حزبه (العدالة والتنمية) بعدم الاستجابة لدعوات التظاهر، غير أن آخرين من قادة الحزب طالبوا بفتح تحقيق جدي في ملابسات الحادث لمحاسبة المسؤولين عنه.
أعاد حادث طحن بائع السمك في عربة النفايات إلى الأذهان قصة التونسي محمد البوعزيزى الذي أشعل النار في نفسه في شهر ديسمبر عام 2010. وكانت تلك هي الشرارة الأولى للربيع العربي في عام 2011. فالحادثان وقعا في يوم الجمعة، وكانت وراءهما مصادرة الشرطة لبضاعة الرجلين، كما أن الرئيس التونسى زار البوعزيزى قبل وفاته لامتصاص الغضب الجماهيري، أما ملك المغرب الذي كان فىي زيارة خارج البلاد فقد أوفد مبعوثا إلى أسرة الشاب محسن فكري نقل إليها تعازيه ومساندته لأسرته ماديا وحقوقيا.
شاءت المقادير أن تقع جريمة طحن محسن فكري يوم الجمعة 30/10، بعد يومين من إلقاء القبض على المطرب المغربي الشهير سعد لمجرد في باريس إثر اتهامه باغتصاب واحتجاز فتاة فرنسية. وهو الحادث الذي ترددت أصداؤه في الوسطين الفني والثقافي. وكان من أبرز تلك الأصداء أن ملك المغرب كلف محاميه الفرنسي بالدفاع عنه لتبرئة ساحته أمام القضاء. إلا أن ذلك أثار موجة من التعليقات التى أعربت عن الاستياء فى أجواء التوتر السائد. من ذلك ما نشره موقع «بديل» المغربى في 31/10 للكاتب حميد مهدوي تحت عنوان «كلنا مغاربة يا ملك البلاد». إذ تساءل الكاتب مستنكرا، أي مصلحة للمؤسسة الملكية في تعمد تعميم نشر ذلك الخبر والبلد في حالة غليان واحتقان وغضب شعبي عارم وحداد غير مسبوق بسبب طحن مواطن مغربي داخل عربة نفايات؟ ثم هل سعد لمجرد مخصوص حتى يتكفل الملك بمصاريف دفاعه؟ وهل هذه المصاريف من المال الخاص للملك أم من المال العام؟ وهل سيتكلف الملك بمصاريف دفاع عائلة بائع السمك في الحسيمة مثلما فعل مع سعد لمجرد؟ هل يمكن للملك أن يتكفل بمصاريف دفاع المتهمين المغاربة متى تورطوا فى جرائم خارج الوطن؟ وهل يمكن للملك أن يتكفل بمصاريف دفاع المغربيات المحتجزات فى السعودية.
مات محمد البوعزيزي بعد 18 يوما من إحراق نفسه، فانفجر الغضب في تونس وأفضى إلى ما نعرف، أما محسن فكري فقد طحن على الفور، وليس بوسعنا أن نعرف مصير الغضب الذي ستحدثه الفاجعة في المغرب.
(عن صحيفة الشرق القطرية)