سياسة دولية

ظاهرة المشردين على قارعة الطريق في غوطة دمشق تكبر

الغوطة
يفترش العديد من الأطفال السوريين الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و16 عاما شوارع غوطة دمشق الغربية، بعدما أجبروا على النزوح من بيوتهم الآمنة وسط سوريا والأرياف الدمشقية، حيث ينام بعضهم تحت وسائل النقل العامة "السرفيس"، وبعضهم يفترش عتبات المحال التجارية، وسط مغريات "حمل السلاح" في صفوف النظام لكسب المال.

وبحسب ناشطين، فإن مئات العوائل نزحت من وسط سوريا والأرياف الدمشقية إلى غوطة دمشق الغربية، طلبا للأمن والأمان، ومنهم من قصدها كمحطة أولية لدخول المملكة الأردنية.

 ولكن بعد إغلاق الحدود من الجانب الأردني أجبرت تلك العوائل على البقاء في هذه المناطق، ومع الفوضى والقصف المستمر تنامت ظاهرة تشرد الفتيان ما بين أعمار 14 حتى 16 في الشوارع،
يفترشون الأرصفة ويرفضون التحدث مع أحد، وتمضي بهم الأيام دون دراسة أو حتى أعمال.

يشرح الناشط الميداني "محمد الغوطاني" ظاهرة انتشار تشرد الفتيان قائلا: "بات من الطبيعي جدا أن تجد فتى دون سن البلوغ ينام على قارعة الطريق، يرفض التحدث إلى أحد وكأنه مصاب بصدمة كبيرة، لا يجيب على من يسأله عن اسمه أو من أي منطقة ينحدر، ويرفض حتى الدخول لأي منزل، لتقتصر مهام الأهالي على تقديم الطعام لهم وبعض المياه".

ويقول "الغوطاني" في حديثه مع "عربي 21": "كانت هذه الظاهرة قليلة خلال الأعوام الماضية، ولكن منذ مطلع العام الحالي ازدادت، حتى بتنا نرى في الشارع الواحد ما لا يقل عن خمسة  فتيان، بعضهم ينام تحت وسائل النقل "السرفيس"، وبعضهم يفترش عتبات المحال التجارية، وفي ساعات الصباح
يغادرون إلى الأماكن العامة دون أن نسمع منهم كلمة واحدة، وعندما يقترب أحد منهم يهربون من الإجابة على أي سؤال".

ونوه المصدر إلى أن غالبية هذه الحالات تقع ضمن مناطق سيطرة النظام السوري، مؤكدا أن الأخير لم يبادر بأي إجراء لمكافحة هذه الظاهرة التي تتنتشر في الغوطة الغربية وصولا إلى العاصمة دمشق، فيما يخشى الأهالي من عقاب النظام السوري في حال قام بعضهم برعاية هؤلاء الفتيان بشكل دوري.

بدورها قالت الناشطة السورية "فدوى عبد القادر": نجحتُ بعد جهود متواصلة استغرقت قرابة الأسبوع من كسب ود أحد هؤلاء الفتيان المشردين في قلب دمشق يدعى "عبد الرحمن"، حيث سرد لي قصته الكاملة.

يقول "عبد الرحمن" وعمره 15 عاما: "سافرت عائلتي قبل عام ونصف من إحدى مدن ريف دمشق إلى أوروبا عبر البحر "تهريب"، وأنا رفضت السفر معهم بهدف الاستمرار في الدراسة، وبقيت مدة أربعة أشهر عند عمتي، ولكنها انزعجت من وجودي، فقررت الخروج من منزلها إلى أي مكان وتركت مدرستي".

وأضاف: "بعد ذلك سحبني بعض رفاقي للتطوع في الدفاع الوطني، والتدريب على السلاح في السيدة زينب، ولكنني لم أستطع الصبر أكثر على ذلك العمل، فهربت منهم، ومن ثم عملت في مشفى التوليد بدمشق مدة شهرين، ولكنني كنت أخاف من أن يقبض الدفاع الوطني علي، فقررت ترك العمل، ومنذ ذاك الحين ما زالت على هذه الحالة، كما أرفض التحدث إلى عائلتي في أوروبا، ولا أعلم عنهم أي شيء".

وتعتبر ظاهرة التشرد بحسب العديد من المراقبين للشأن السوري، ناتجة عن تفكك المجتمع السوري بسبب الحرب، وتشرد العائلات بين الدول وبين النزوح الداخلي والخارجي، فيما يدفع هؤلاء الفتيان فاتورة حرب مستعرة لا تبدو ملامح خمودها قريبة، في ظل توافد المزيد من الدول الكبرى إلى حلبة الصراع السورية.

وأفرزت الثورة السورية العديد من النتائج التي يعتبرها البعض مفرزات طبيعية لأي حرب طال أمدها، فيما يعتبر البعض ظاهرة تشرد الفتيان التي تتكاثر باطراد في داخل سوريا، ناتجة عن فشل منظمات المجتمع المدني المحلية والإقليمية في إدارة ملف الأزمات، فيما راح البعض إلى اعتبار ما تشهده
سوريا من حرب دموية، لا يمكن لأي منظمة أو دولة بعينها حمل أعبائها منفردة بما في ذلك الفتيان المشردين في الشوارع، معللين ذلك باستمرار الحرب وتدخل المزيد من الدول في تأجيجها لا في إخمادها.