قال الداعية الإسلامي السعودي الشهير، "سلمان العودة"، إن "
تركيا نموذج ديمقراطي لا مثيل له في المنطقة، لذلك كانت عملية
الانقلاب (الفاشلة) أسوأ ما يكون، وكانت بمثابة انقضاض على إنجازات ومشاريع كثيرة، ولو نجح الانقلاب، لا قدر الله، لرجعت البلاد عشرات السنين إلى الوراء".
وأضاف العودة في مقابلة مع وكالة "الأناضول" في مدينة إسطنبول، أن ليلة محاولة الانقلاب الفاشلة، منتصف الشهر الماضي "كانت تاريخية بامتياز، وكانت الحد الفاصل بين حالة الإحباط والأمل، لأن تركيا لم تعد دولة للأتراك (فقط)، لأنها آوت الملايين من اللاجئين المسلمين".
وتابع: "تركيا نموذج ملهم، لأننا نواجه التوغل الإيراني والاستحواذ الصهيوني في المنطقة العربية، كما أن تركيا تشكل مرحلة التفاؤل والأمل، وهي تحتفظ بعلاقات مميزة مع الدول العربية بشكل عام والسعودية بشكل خاص، وتسعى لتجميل هذه العلاقات".
وأشار العودة، إلى أن "الناس الذين رحبوا بالانقلاب، هم أنفسهم الذين نسمع منهم كلمات رومانسية في ما يتعلق بالأمن الصهيوني، لكننا في الوقت ذاته نسمع منهم كلمات القوة والانفعال إذا كان الأمر يتعلق بدولة عربية أو إسلامية، والعالم عبّر عن دعمه للشرعية بصوت خفيض".
وأكمل: "هذا يوحي أن ساسة الغرب ما زالوا يتصرفون وفق أحقاد الحملات الصليبية، وثبت بوضوح أن أوروبا وأمريكا عندهم الخوف الحقيقي من الإسلام، وأنه تبعا لذلك فليس لديهم مشكلة أن تنزلق تركيا مثل مصر أو سوريا أو العراق، وحتى لو أدى ذلك إلى أن تتضاعف العمليات الإرهابية في الغرب، لكنهم يرون أنهم يدفعون شرا أعظم عن أنفسهم، وهو القوة الإسلامية المتصاعدة والنامية في تركيا بحسب رأيهم".
وضرب العودة مثلا، بأن "أمريكا أبدت أكثر من مرة قلقها من قانون إعلان الطوارئ والتوقيفات التي تجري (بتركيا)، وأنا أتذكر أحداث سبتمبر (أيلول 2001) في أمريكا، ولم يكن وقتها حدث يختطف الدولة، بل إنما عملا إرهابيا في منطقة معينة، وهو عمل بكل حال مدان".
وتابع بأن "أمريكا بعد هذه الحالات غيّرت كل سياساتها، وحتى في حقوق الإنسان لسنوات طويلة، واعتقلت الكثيرين، وأنشأت سجونا بعيدة عن الرقابة، وشنّت حربا على أفغانستان واحتلت دولا عربية، ثم دمرت العمل الخيري في العالم كله، ولاحقت الملايين من الناس حول العالم، ومعيب أن ينتقد الإنسان دولا على شيء وهو قد عمل عشرات أضعافه بمناسبات أقل أهمية"، في إشارة إلى الموقف الأمريكي تجاه تركيا.
وخلال الأسبوع الماضي، أعرب كل من مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية (سي آي إيه) جيمس كلابر، وقائد عمليات المنطقة الأمريكية الوسطى الجنرال جوزيف فوتيل، في ندوة بمنتدى آسبن الأمني، بولاية كولورادو، عن قلقهما من "إبعاد وإقالة عدد كبير من المسؤولين العسكريين الأتراك"، ممن تورطوا في محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز/ يوليو الماضي، بدعوى أن ذلك "قد يعرقل التعاون التركي-الأمريكي في مكافحة تنظيم داعش الإرهابي".
الداعية الإسلامي السعودي، مضى موضحا، قائلا إن "المحاولة التي قامت بها جماعة فتح الله
غولن، هي افتئات على الشعب التركي كله، وحتى على الحكومة وأحزاب المعارضة، والحقيقة نجد أن سمعة الإسلام اليوم في خطر، من خلال الأعمال الإرهابية والقتل وأشياء كثيرة جدا، وكانت هذه الجماعة تقدم نفسها في العالم على أساس الحب والتعايش والسلام، ثم نجدها الآن تقتل المئات وتصيب الآلاف من أبناء الشعب التركي".
ورأى العودة، أنه "لو نجح الانقلاب، لكان من الطبيعي حينها أن نجد مصادمات داخل الشعب التركي، وقد تتحول إلى حرب أهلية، وستفتح تركيا إلى المجهول، فأين العقلانية ومبادئ التعايش التي يتبنونها؟".
وتساءل الداعية السعودي: "ما هو المسوّغ من توريط الآلاف من العسكر في المواجهة مع شعبهم، وهذا الشيء سيصنع إشكالات كبيرة جدا، وهنالك مسألة التغرير بالناس التي تقوم بها الجماعة، حتى أن هنالك الكثير من الجنود الذين خرجوا ولم يكونوا يعرفون أنهم يقومون بانقلاب". وتابع بأن "العرب كانوا ينظرون إلى تجربة جماعة غولن على أنها تجربة اجتماعية واقتصادية وتعليمية، لذلك فإن تحول هذه الجماعة إلى كيان موازٍ أعطى دروسا من الصعب أن تنسى باسم الإسلام والسلام".
وحول التقارب السعودي التركي، لفت العودة إلى أن "هناك مصلحة للعرب والمسلمين من وراء تقارب البلدين، لأن السعودية بلد الحرمين وهي بلد محوري إسلامي، وتركيا أيضا بلد تاريخي وإسلامي عريق، وكلاهما يحتاج إلى الآخر، ومتانة هذه العلاقة ورسوخها هو مصدر أمل للعرب والمسلمين".
وشهدت العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول، منتصف تموز/ يوليو الماضي، محاولة انقلابية فاشلة نفذها عناصر محدودو العدد من الجيش يتبعون لمنظمة "فتح الله غولن" التي تصفنها الحكومة إرهابية؛ وقد حاول هؤلاء العناصر السيطرة على مفاصل الدولة، إلا أن خروج مظاهرات حاشدة في المدينتين ومختلف الولايات التركية أحبط المحاولة الانقلابية.
وقوبلت المحاولة الانقلابية الفاشلة باحتجاجات شعبية عارمة في معظم المدن والولايات التركية؛ إذ توجه المواطنون بحشود غفيرة تجاه البرلمان ورئاسة الأركان بالعاصمة، ومطار أتاتورك بمدينة إسطنبول، ومديريات الأمن في عدد من المدن؛ ما أجبر آليات عسكرية كانت تنتشر حولها على الانسحاب، وساهم بشكل كبير في إفشال المخطط الانقلابي.
جدير بالذكر أن عناصر منظمة "فتح الله غولن" قاموا منذ أعوام طويلة بالتغلغل في أجهزة الدولة، لا سيما في الشرطة والقضاء والجيش والمؤسسات التعليمية، بهدف السيطرة على مفاصل الدولة؛ الأمر الذي برز بشكل واضح من خلال المحاولة الانقلابية الفاشلة.
وبخصوص زيارة وفد سعودي للأراضي الإسرائيلية، قبل أيام، أشار العودة إلى أن "الموقف الشعبي في السعودية ضد التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، كان ممتازا، وهذا الشيء الذي حدث كان بمثابة بالون اختبار، عبر عن وعي الناس ونضجها، وأنهم ما زالوا يستحضرون عمق العداوة والخطر من الكيان الصهيوني، ولذلك فإن هاشتاغ (سعوديون ضد التطبيع) كان بمشاركة عالية، والتطبيع سيبقى شيئا مستبعدا على صعيد الشعب والحكومة".
وأعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية، مؤخرا، عن زيارة وفد سعودي لأراضيها، برئاسة رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية اللواء المتقاعد أنور عشقي، فيما نقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية، عن مسؤول لم تسمه في وزارة الخارجية السعودية، قوله إن المشاركين في الوفد "لا يمثلونها ولا علاقة لهم بأي جهة حكومية ولا يعكسون نظر حكومة السعودية".
وآنذاك، شارك سعوديون منهم مفكرون وكتاب ودعاة في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، عبر هاشتاغ "سعوديون ضد التطبيع"، ليعبّروا من خلاله عن غضبهم تجاه زيارة الوفد السعودي إلى إسرائيل.