في الحلقة الثانية من مراجعاته على قناة الحوار اللندنية؛ يبدأ الشيخ يوسف
القرضاوي بالحديث عن اكتشافه لموهبته الشعرية، وعن أول مسرحية شعرية ألفها وهو طالب في المرحلة الابتدائية في المعهد الأزهري، عن نبي الله يوسف عليه السلام، وصولا إلى حصوله على لقب شاعر المعهد في المرحلتين الإعدادية والثانوية.
وأشار القرضاوي في حديثه إلى طبيعة الحياة في ذلك الوقت، قبل ظهور آثار الحرب على المجتمع، من رخص الأسعار، وتكافل الطبقة المترفة مع طلاب الأزهر، ومنهم المنشاوي باشا، وهو من أغنياء الغربية الذي أسس مسجدا ومعهدا للطلاب، مع وقف مالي لهم قيمته 18 قرشا شهريا، وثلاثة جنيهات سنويا للأوائل، وقد كان حينها مبلغا كبيرا.
تأثره بأساتذته.. البهي الخولي والشعراوي
كما تحدث عن أساتذته الذين درسوه في تلك المرحلة وتأثره بهم، ومن بينهم البهي الخولي الذي درسه منذ الصف الثاني الابتدائي، حيث ربط الطلاب بكتابات الأدباء أمثال المنفلوطي وحافظ إبراهيم، وخاصة قصيدته العمرية.
وتحدث الشيخ القرضاوي عن أستاذه في المرحلة الثانوية الشيخ محمد متولي الشعراوي، الذي كان شاعرا مبهرا مستشهدا بقصيدته الرائية، حيث كان الشيخ الشعراوي يدرسه مادة البلاغة. وقال إنه كان من المعجبين بحزب الوفد، مستعرضا من خلال ذلك اضطراب العلاقات بين الأزهر والوفديين، وبينهم وبين جماعة
الإخوان المسلمين، وثورة طلاب الأزهر على أنظمة التعيين بعد تخرجهم.
واستعرض الشيخ القرضاوي أحد المواقف التي حدثت بينه وبين الشيخ الشعراوي، بسبب اختلاف الخلفيات الفكرية بينهما، مستدركا بأنهما تصافيا بعد ذلك، وقال له الشعراوي: "لقد قالوا لي إن القرضاوي وطلبة الإخوان هؤلاء سوف يتحدوك".
البنا والقرضاوي
وفي تلك المرحلة كان يحرص على حضور النشاطات التي يتكلم فيها حسن البنا، الذي كان يعتبر خطبه دررا، وتحدث عن أسلوب البنا في التدريس وفي الدعوة، وفي إقباله على العامة لينقل إليهم الفكرة بأسلوب مبسط ومقنع.
وتناول بداية تعيين البنا مدرسا في مدرسة الصناعات الزخرفية ببولاق؛ التي وصفها القرضاوي بأنها "بلد الهيصة"، متناولا مشاغبات الطلاب مع البنا وكيف تعامل معهم وجذبهم إليه بأسلوب حديثه الشيق.
وتحدث الشيخ القرضاوي عن بداية تكوين البنا مجموعة من ستة أفراد، كأول نواة لجماعة الإخوان المسلمين في الإسماعيلية، حينما كان يذهب إلى المقاهي ليعظ وينصح روادها.
وتحدث عن زيارة البنا لمعهدهم وهو في السنة الثالثة ثانوي أزهري، وحدثهم يومها عن أولويات الطالب الإخواني. وبهذه المناسبة ألف القرضاوي حينها قصيدة امتدح فيها البنا وألقاها أمامه. وكانت تلك فترة نشط فيها شباب الإخوان في تنظيم المسيرات الاحتجاجية ضد رئيس الحكومة صدقي باشا أولا ثم ضد فهمي النقراشي، لاتهامهما بالولاء للإنجليز.
النشاط المجتمعي والصدام مع الحكومة
وفي مرحلة الدراسة الثانوية نشط الشيخ القرضاوي في قسم الطلاب داخل جماعة الإخوان المسلمين، كما نشط في قسم نشر الدعوة، حيث كان يذهب إلى مناطق
مصر المختلفة، ما أدى إلى عدم حصوله على الثانوية بسبب اعتقاله وقتها.
وتطرق القرضاوي إلى فترة تولي النقراشي للحكم، والذي كان بداية الحملة ضد الإخوان المسلمين، حيث عُقد اجتماع بين النقراشي والسفير الأمريكي والبريطاني والفرنسي، واتُخذ فيه قرار بتقديم طلب لحل جماعة الإخوان المسلمين.
وتناول القرضاوي مشاركته في الاحتفال الذي نظمته الجماعة بمناسبة مرور 20 عاما على تأسيسها. وكانت تلك سنة نكبة فلسطين. كان شباب الإخوان يذهبون للتدريب على السلاح، إلا أن البنا حظر التدريب على طلاب الثانوي حتى لا ينشغلوا عن دراستهم.
في تلك الفترة كان يُدعى إلى لقاءات في الفجر كل أسبوع ينظمها البهي الخولي، لتدريب شباب الإخوان على الجندية، ويبدو أنها كانت لإعدادهم للانضمام إلى جهاز الإخوان السري المعروف بالنظام الخاص، والذي تم إلغاؤه بعد اغتيال القاضي الخزندار على أيدي عناصر من النظام الخاص، حيث تبرأ البنا من الفعل والفاعلين.
حل الجماعة وملاحقات الأمن
في 8 كانون الأول/ ديسمبر 1948، وبينما كان الشيخ في السنة الخامسة ثانوي أزهري، صدر أمر بحل جماعة الإخوان المسلمين، بعدما شارك الإخوان بالقتال في فلسطين. وعلى إثر ذلك اعتقل الإخوان من كل الفئات، وكان الشيخ القرضاوي من المعتقلين مع مجموعة من زملائه الطلاب. وطالت الاعتقالات الطلاب الأصغر سنا في المرحلة الابتدائية وقابلهم في معتقل الهايكستب.
وروى الشيخ القرضاوي في نهاية الحلقة ظروف اعتقاله مع زميله محمد الدمرداش مراد، وهروبهما من قوات الأمن إلى بلدة محمد، ثم ملاحقة الأمن لهما، حيث تم القبض على والدة محمد الدمرداش رهينة كي يسلما نفسيهما للأمن.
جدير بالذكر أن برنامج "مراجعات" يعد واحدا من أشهر البرامج الحوارية العربية، حيث استضاف على مدار السنوات الماضية عددا من قادة الفكر والرأي والسياسة، فضلا عن أن أغلب ضيوفه هم من رموز التيار الإسلامي في العالم العربي، فيما يُعده ويُقدمه الإعلامي والأكاديمي المختص في الفكر السياسي الإسلامي عزام التميمي الذي يُعتبر أحد المفكرين الإسلاميين في العالم والمتخصصين في القضايا المتعلقة بالحركات الإسلامية.