بورتريه

المعلم أخونزاده "أمير المؤمنين الجديد" (بورتريه)

أخونزاده- عربي21
بسخرية تامة، وبنكتة بدت ملتبسة، علق الرئيس الأمريكي باراك أوباما على تعيين الزعيم الجديد لحركة "طالبان" قائلا: "لم أتوقع تعيين ليبرالي ديمقراطي".

ينظر إليه في "طالبان" بالكثير من التقدير، كونه رجل دين، ووصفه بيان الحركة بـ"شيخ الحديث".

ووصفه أيضا بـ"أمير المؤمنين الجديد"، وهو يحمل أيضا لقب المولوي، وهي درجة دينية أعلى من الملا.

كان من المقربين من زعيم الحركة الملا محمد عمر، ويتفق معه في الكثير من المواقف والسياسات، وخلال فترة حكم "طالبان" لأفغانستان عينه الملا عمر رئيسا للمحكمة الشرعية.

زعيم ديني بالأساس، ولم يعرف له أي دور عسكر بارز، عكس الملا محمد عمر والملا أختر منصور، اللذين عرفا بقتالهما ضد السوفييت.

تنسب له العديد من الأحكام القاسية التي أصدرتها الحركة في الكثير من القضايا التي طرحت عليها.

ليس ثمة معلومات موثقة عنه، وكسابقيه زعيمي الحركة لا يعرف تاريخ ميلاد هبة الله أخونزاده بشكل دقيق، ويتوقع أنه ولد بين عامي 1966 و1971، في منطقة بانغواي، في إقليم قندهار، وينتمي إلى قبيلة نورزاي.

وأخونزاده كلمة أصلها فارسي، وتعني الأستاذ أو المعلم، وتطلق على الأستاذ في العلوم الشرعية، لذا ينظر إليه الكثير من قادة "طالبان" وعناصرها بأنه أستاذهم ومعلمهم.

وتقول روايات إنه حارب ضد الروس في حملتهم لتوسيع الاتحاد السوفييتي في أفغانستان خلال الثمانينيات، ثم هاجر فيما بعد إلى باكستان. كما أنه بادر بإطلاق "الحرب المقدسة"، بحسب اعتقاده الشخصي، ضد السوفييت والشيوعيين الأفغان.

وانضم إلى "طالبان" في منتصف التسعينيات؛ للقتال من أجل نشر أيديولوجية الحركة في كامل أفغانستان. وأصبح خلال حكم الحركة نائبا لرئيس العدل، وبعد الغزو الأمريكي في 2001 أصبح رئيسا للعدل، ورئيسا لمجلس العلماء في الحركة.

كما يعرف عنه أنه أدار مدرسة دينية في مدينة كويتا في باكستان.

ويقول خبراء إنه يحتفظ بعلاقات وطيدة مع مجلس شورى مدينة كويتا، الذي يجمع عددا من زعماء "طالبان"، وترجع له أغلب قرارات الحركة، ومنها تعيين القادة.

ويرى البعض أن تعيين أخونزاده خلفا لزعيم الحركة أختر محمد منصور، الذي كان نائبا له والذي قتل في أيار/ مايو الماضي في غارة أمريكية بطائرة بدون طيار في باكستان، تم بسرعة لتجنب المزيد من الخلافات داخل "طالبان"، على أن تكون مهمته الأولى لم شمل الحركة والقضاء على الخلافات التي نشبت بعد مقتل الملا محمد عمر.

وأثار اختيار أخونزاده انتقادات حادة من فصائل متناحرة داخل "طالبان" كانت معارضة لمنصور أيضا.

وقال الملا عبد المنان نيازي، نائب والمتحدث باسم الملا محمد رسول، وهو قائد أهم فصيل مناهض في طالبان: "إنه شخص متحفظ جدا، وضيق الأفق، وغير كفؤ، لن يتمكن أبدا من توحيد طالبان أو حشد التأييد.. فتواه كانت دائما الإعدام لكل من يرفض زعامة الملا منصور".

أخونزاده اختار كلا من سراج الدين حقاني، زعيم "شبكة حقاني"، والملا يعقوب، نجل الزعيم السابق للحركة الملا محمد عمر، نائبين له.

النائب الأول هو سراج الدين حقاني، وهو نجل الزعيم الأفغاني المعروف جلال الدين حقاني. ويقود سراج الدين "شبكة حقاني" المصنفة أمريكيا كأخطر شبكة مسلحة تهدد الولايات المتحدة في أفغانستان.

وسراج الدين مطلوب أمريكيا، ورصدت الولايات المتحدة مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لمن يدلي بأي معلومة تقود لقتله أو اعتقاله.

وهو في بداية عقده الرابع من عمره وشخصية عسكرية بامتياز، ومتهم بالمسؤولية عن الكثير من العمليات التي استهدفت القوات الدولية في أفغانستان، خاصة الهجمات التي تتعرض لها كابل، له ثقله العسكري في مناطق شرق وجنوب شرقي أفغانستان، خاصة في ولايتي خوست وغرديز.

ويحظى سراج باحترام وولاء الكثير من القادة الميدانيين في الحركة، واعتمد عليه الملا أختر منصور بشكل كبير لتوحيد صف الحركة عقب حالة الفوضى التي شهدتها "طالبان" حين أعلن عن وفاة زعيم الحركة السابق الملا عمر.

الثاني، الملا يعقوب، نجل الملا محمد عمر، يعتقد أنه في منتصف العشرينيات من عمره، ويعتبر صغيرا في السن مقارنة بقادة الحركة، وليس له تاريخ معروف داخل "طالبان"، لأنه قضى معظم وقته في المدارس الدينية في باكستان.

وبدد اختيار أخونزاده زعيما جديدا للحركة تقريبا آمال أوباما في إجراء محادثات سلام قبل أن يترك منصبه بعد أن كان هذا أحد أهم أهداف سياسته الخارجية.

وتنظر الحكومة الأفغانية بقلق لزعيم "طالبان" الجديد، وتعتبره متزمتا ورجل دين محافظا ومؤيدا للتشدد؛ ومن غير المرجح أنه سيفضل المشاركة في محادثات السلام.

وقال الجنرال عبد الرازق، قائد الشرطة في مدينة قندهار مسقط رأس أخونزاده، إنه أصدر حين كان كبير قضاة "طالبان" سلسلة من أحكام الإعدام ضد معارضين لمنصور.

ويقول مسؤولون إنه يفضل على ما يبدو العودة للحكم الإسلامي "المتشدد" لأفغانستان قبل أن تطيح الولايات المتحدة بـ"طالبان" في 2001، لكن المسؤولين يؤكدون أن هذا أمر لن تقبل به الحكومة الأفغانية أو حلفاؤها الغربيون.

ويقول الحاج أغا لالاي، مستشار الرئيس الأفغاني أشرف عبدالغني: "إنه مجرد رجل دين بسيط"، مضيفا أنه سيعتمد بشكل كبير على نائبه سراج الدين حقاني الذي يتزعم "شبكة حقاني" في اتخاذ القرارات التي تتعلق بالمعارك.

وقال المتحدث باسم مهمة الدعم الحازم التابعة لحلف شمال الأطلسي الجنرال تشارلز كليفلاند: "كل ما لدينا حتى الآن تكهنات عن السياسات التي سيتبعها.. لكننا على المدى القصير لا نتوقع رؤية أي تغييرات جذرية في أرض المعركة".

فيما يرى الكاتب والمحلل السياسي الأفغاني نذر محمد مطمئن، أنه "منذ حوالي 15 عاما، يَعدّ مجلس قيادة طالبان، القائد الجديد أخونزاده، عالما روحيا ودينيا يحظى باحترام فائق".

ونشرت صحيفة "الإسبانيول" الإسبانية، تقريرا قالت فيه إن أحد قادة "طالبان" أكد للصحفي الأفغاني سامي يوسفزاي، "أن أخونزاده لم يحظ باهتمام كبير عندما كان الملا عمر قائدا لحركة طالبان، كما أن توليه دفة القيادة كان فقط خلال العام الماضي، عندما ترأس الملا منصور الحركة بعد وفاة الملا عمر".

وذكرت "الإسبانيول" أنه حسب مقربين من القائد الجديد، فإن أخونزاده يعرف بأنه كان "متشددا حتى مع أعضاء الحركة، حيث كان يصدر أحكاما قاسية خلال توليه منصب رئيس المحاكم في قندهار، وصولا إلى إصدار حكم بالإعدام في حق أي شخص يشكك في قيادة الملا أختر منصور. ونتيجة لذلك؛ قتل العديد من قادة القبائل. كما أن هناك شائعات تقول بأنه كان يعارض نشر الصور ومقاطع الفيديو الخاصة بحركة طالبان في وسائل الإعلام"، على حد قول الصحيفة.

ويقول نائب وزير الخارجية السابق لـ"طالبان"، عبد الرحمن زاهد، إن "الملا منصور كان أكثر مرونة وخبرة، وأكثر انفتاحا لاستئناف عملية السلام"، مضيفا أن "الملا أخونزاده لا يقبل الحوار، كما أنه ما زال يحافظ على المواقف القبلية التقليدية، حيث إنه يستغرق وقتا طويلا لمباشرة أية عملية سياسية".

ويعتبر محللون أن استئناف محادثات السلام مع "طالبان" في ظل قيادة الملا هبة الله أخونزاده ستكون أكبر مفاجأة.

وقد علق السفير الأمريكي السابق في أفغانستان، زلماي خليل زاد، على "تويتر" بقوله إن "قيادة هبة الله لحركة طالبان؛ لا تبشّر بمصالحة وسلام في أفغانستان في المستقبل القريب".

الولايات المتحدة عمدت إلى القضاء على القائد الأقل تطرفا لإحداث انقسامات داخلية، لكن لا يزال الوقت مبكرا لظهور انقسامات كبيرة وخطيرة.

لكن واشنطن بدلا من ذلك، ودون أن تقصد، سمحت لرجل يصنف "متشددا" بتولي زعامة الحركة، ويعتقد محللون أنه سيرجع في جميع قراراته إلى مجلس الشورى، أكثر مما كان يفعل الملا عمر، وسيحكم برأي الأغلبية.

لذلك فإن الانتظار الأمريكي سيطول قليلا، وسينقل ملف "السلام الأفغاني" إلى حضن الإدارة الأمريكية الجديدة، فيما ستأخذ قرارات أخونزاده وقتا طويلا في طريقها إلى العلن.