قضايا وآراء

لا مرحبا بقاتل الصحفيين في بيتهم وفي عيدهم

1300x600
يكتسب الحديث عن نقابة الصحفيين المصريين أهميته من أهمية النقابة نفسها، والتي أثبتت عبر تاريخ ممتد أنها ليست مجرد نقابة مهنية تعنى فقط ببعض المطالب الفئوية لأعضائها بل تجاوزت ذلك لرفع لواء الحريات للصحفيين وللمجتمع عموما، وأصبحت سلالمها الشهيرة منبرا لكل مظلوم من كل فئات الشعب، وانتزعت تلك السلالم لعموم المصريين حق التظاهر بدون ترخيص منذ إعادة بناء النقابة في 2005.

تستعد النقابة هذه الأيام للاحتفال بعيدها الماسي(75 عاما) حيث تأسست في 31 مارس 1941 بعد كفاح طويل لتصبح أول نقابة عربية للصحفيين، وقد طلبت النقابة من عبد الفتاح السيسي رعاية إحتفالها الماسي، وقامت بتعديل أجندة الإحتفالات لتحصل على هذه الرعاية، فغيرت يوم الاحتفال الرئيسي الذي يوافق يوم 31 مارس وهو موعد تأسيس النقابة إلى يوم 10 إبريل، وحتى لانغرق في التفاصيل فإن مجرد دعوة السيسي للمشاركة في هذا الاحتفال أو حتى مجرد رعايته هو خيانة لدماء عشرة صحفيين وصحفيات سقطوا على يد نظام السيسي، وخيانة لآلام وعذابات 90 صحفيا يقبعون خلف أسوار سجون السيسي، وخيانة لعشرات أو مئات الصحفيين والإعلاميين الذين أغلق السيسي قنواتهم وصحفهم ومكاتبهم، وخيانة للمهنة ذاتها التي تعيش في ظل حكم السيسي أسوأ أيامها، خنقا وحصارا، ومصادرة، وهي الأجواء التي دفعت العديد من الصحف والقنوات لتقليص نشاطها بقرار منفرد، والاستغناء عن العشرات من العاملين فيها لينضموا إلى طابور طويل من العاطلين الذين يطلبون من نقابة الصحفيين رعايتهم ماليا واجتماعيا.

ما الذي يدعو نقيب الصحفيين ومجلس النقابة لدعوة قاتل زملائهم وساجن العشرات منهم ومغلق صحفهم وقنواتهم لرعاية حفلهم؟ وهل نسو تلك الدماء؟ وتلك الآهات؟ هل تحولت دماء أولئك الشهداء إلى مياه بنظرهم؟ وهل تحول أولئك السجناء إلى مجرد أرقام في حساباتهم؟ وهل أصبحت حرية الصحافة نسيا منسيا، وكما مهملا، وسبة نتوارى خجلا منها؟

للاجابة عن تلك الأسئلة يجدر بنا أن نبحث عن الخلفيات السياسية لمن يقومون على أمر النقابة بعد انقلاب الثالث من يوليو حتى الآن، ولا نصدق أنهم خلعوا أرديتهم السياسية خارج النقابة، فأرديتهم السياسية أصبحت لصيقة بأجسادهم لايستطيعون منها فكاكا، والحقيقة أن غالبية مجلس نقابة الصحفيين كانت معارضة لحكم الرئيس محمد مرسي بناء على هذه الخلفية السياسية (حيث سيطر ناصريون ويساريون وفلول على قيادة النقابة)، وحولوا النقابة إلى حزب سياسي، وجعلوها أحد المقرات الرئيسية لجبهة الإنقاذ التي ناصبت مرسي العداء، ونجح مجلس نقابة الصحفيين في فرض قضية الشهيد الحسيني أبو ضيف الذي قتل ضمن عشرة قتلى آخرين في أحداث الاتحادية كقضية رأي عام، ووجهت النقابة الاتهام مباشرة للإخوان المسلمين بقتله رغم أن بقية القتلى معه ينتمون للإخوان، واتخذت النقابة من قميص الحسيني راية لمعارضتها لمرسي وحزبه، بينما تجاهلت شهيدا آخر للصحفيين وهو أحمد محمود الذي قتل يوم 28 يناير 2011 برصاص ضابط شرطة في شرفة منزله وهو يصور الأحداث، ولم تعبأ النقابة بالبحث عن قاتله وتقديمه للمحاكمة كما فعلت مع الحسيني، لأن الحسابات السياسية مختلفة، وحين وقع الإنقلاب العسكري في الثالث من يوليو 2013 تماهت النقابة معه في ظل نقيبها السابق ضياء رشوان، الذي يعتبر أحد عرابي الانقلاب، وتغاضت النقابة عن إغلاق القنوات والصحف الذي تم في الأيام الأولى للانقلاب، بل إن رشوان كان يتبنى الرواية الرسمية دون مناقشة، وحين تم إغلاق مقر جريدة الحرية والعدالة خرج إلى وسائل الإعلام ليكذب الخبر فما كان مني سوى أنني اصطحبته شخصيا إلى مقر الجريدة وقمت بتصويرة أمام الباب المغلق بالشمع الأحمر، ومع ذلك لم يحرك ساكنا تجاه هذا الإغلاق، وحين وقعت مجزرة رابعة وقتل فيها 4 صحفيين لم يكلف خاطره بإصدار بيان تنديد بما حدث، بل بارك عملية الفض رغم تلك الدماء، وحين تكررت عمليات القتل لتطال صحفيين آخرين بعد ذلك لم تتحرك النقابة لمقاضاة القتلة، وظلت منبرا للدفاع عن جرائم الانقلاب، وحين جرت انتخابات جديدة في نقابة الصحفيين نافس فيها ضياء شوان زميله في تياره السياسي يحيي قلاش نجح هذا الأخير بفارق كبير، وكان الفضل في ذلك لتبنيه في برنامجه الانتخابي قضية الصحفيين المعتقلين وحرية الصحافة، وكان الصحفيون يأملون الكثير منه بالنظر إلى تاريخه النقابي وبرنامجه المكتوب ووعوده الانتخابية، ولكنه أخلف ظنهم بعد أن ظل يطلب منهم إمهاله بعض الوقت لترتيب أوراقه، ولم يستطع مجرد تجميع الصحفيين المعتقلين في مكان واحد، كما لم يستطع مجرد القيام بزيارتهم في محبسهم، وهو الأمر الذي كان روتينيا في نقابة الصحفيين على مدى تاريخها كله، وقد كنت شاهدا على زيارات لنقباء سابقين لمعتقلين صحفيين ومساعيهم للإفراج عنهم أيام حكم مبارك رغم ارتباط أولئك النقباء بحزب مبارك.

تقر نقابة الصحفيين حاليا بوجود عشرات الصحفيين في سجون السيسي، وتصنف المنظمات الدولية الكبرى المعنية بحرية الصحافة مثل اللجنة الدولية لحماية الصحفيين ومراسلون بلا حدود مصر في المرتبة الثانية عالميا في حبس الصحفيين، والحقيقة أنها في المرتبة الأولى بحكم العدد الفعلي للسجناء الذي لم تذكره تلك المنظمات في تقاريرها لأسباب لا مجال لذكرها هنا، وهذا التصنيف لم يحرك لنقابة الصحفيين ساكنا، بل إن نقيبها وغالبية مجلس نقابتها يبدو أنهم استعذبوا هذا القمع، وكأن لسان حالهم يقول للسيسي "هل من مزيد"، ولذا فقد دعوه لرعاية إحتفالهم باليوبيل الماسي رغم تلك المآسي، وهم بهذه الدعوة يكافئونه على قتل زملائهم وحبسهم وعلى إغلاق الصحف والقنوات، ويمنحونه شرف وضع اسمه على جدران نقابتهم التي لم يأل الرجل جهدا في قتل المهنة التي تدافع عنها، وفي المقام يجدر توجيه التحية لمن قاموا بفرض الكفاية من الصحفيين الأحرار الذي وقعوا عريضة ترفض رعاية السيسي لحفلهم، أو دخوله لنقابتهم، وهددوا بالاعتصام إن حدث ذلك.

لا يليق بنقابة الصحفيين ذات التاريخ العريق في مواجهة الديكتاتوريات التي حكمت مصر أن تنحني أمام قاتل، وأن تكرمه على قتله للصحفيين ولحرية الصحافة، هل يحتاج القائمون على النقابة الآن لتذكيرهم بوقوف النقابة ضد السادات وتحديها له، بل وإسقاطها لرغبته في تحويلها إلى مجرد نادى اجتماعي، وهل نذكرهم بتحديها لمبارك وإسقاطها لقانونه القمعي رقم 93 لسنة 1995 بعد تصديقه رسميا عليه، وقد كان النقيب الحالي وعدد كبير من الأعضاء شريكا في تلك اللحظات المجيدة.

لا يليق بنقابة الصحفيين أن تقايض بدماء أبنائها رضا سلطويا يقبل زيادة البدلات المالية لأعضائها، مقابل الصمت على جرائم النظام بحق الوطن والمهنة، فالصحفيون يمكنهم أن يحصلوا على أضعاف هذه البدلات بشكل كريم حين تتوفر حرية الصحافة، وحين تعم الديمقراطية، لأن ذلك سيفتح الباب واسعا لمنافسة مهنية شريفة تمنح الصحف والقنوات انتشارا واسعا وحصيلة وافرة من الأموال تفيض ببعضها على صحفييها.

أما قاتل الصحفيين عبد الفتاح السيسي فأنا أستغرب بجاحته في تحدي مشاعر الصحفيين، وقبوله لمشاركتهم إحتفالهم أو حتى مجرد رعايته له، كمن يقتل القتيل ثم يمشي في جنازته، وليعلم هذا القاتل أنه سيواجه غضبا مخزونا في نفوس الصحفيين الأحرار ينفجر في وجهه حال مشاركته، ولن يقتصر شرره عليه بل سيطال كل معه أو دعمه.