كتاب عربي 21

تداعيات الانتصار الحاسم في تعز

1300x600
الحادي عشر من مارس، محطة تاريخية حاسمة في مسار الحرب الدائرة في اليمن، في هذا اليوم حقق الجيش الموالي للشرعية في اليمن وبإسناد من المقاومة الشعبية وطيران التحالف انتصارا مباغتا في المحيط الشمالي الغربي لمدينة تعز، أدى إلى كسر جزئي للحصار المفروض على المدينة منذ نحو عام تقريبا، ومن المتوقع أن يفضي إلى تداعيات خطيرة بشأن مصير الانقلابيين.

العملية العسكرية التي صنعت النصر استندت إلى أداء عسكري فائق للجيش والمقاومة، لم تستطع معه قوات المخلوع صالح والحوثي الصمود، فقد تساقطت المواقع الواحد تلو الآخر، وبعد 12 ساعة تقريبا، احتفل أبناء تعز بالنصر الكبير.

الإنجاز العسكري للجيش والمقاومة، نجم عنه فتح الطريق الرابط بين مدينة تعز وأكبر كتلة سكانية في المحافظة، التي تقطن المديريات الواقعة إلى الغرب من المدينة في مديريات الشمايتين والمعافر والمواسط والمقاطرة، وأصبح الطريق سالكا الآن بين عدن وتعز مرورا بهذه المديريات.

كل الإمدادات ستصل إلى المدينة بسهولة، وكما قال المتحدث باسم التحالف العربي ستكون الأولوية لإدخال المواد الإغاثية، وإعادة تأهيل المستشفيات والمرافق، وهي واحدة من أولويات ما بعد التحرير.

لا تزال قوات المخلوع صالح والحوثي ترابط في الجهة الشرقية من المدينة، في "الحوبان" في منطقة الجند التاريخية حيث يقع جامع الصحابي الجليل معاذ بن جبل.

الأبناء التي ترد من تلك المنطقة، تشير إلى أن تلك القوات تعيش وضعا سيئا على الرغم من استمرار سيطرتها على المدخل الرئيس الذي يربط بين تعز والعاصمة صنعاء وبين تعز ومدينة عدن أيضا، وهو أحد الطرق الشريانية التي تربط تعز ببقية أنحاء البلاد، لكن هذه السيطرة أصبحت شكلية ولا معنى لها.

أيام فقط وسيتمكن الجيش والمقاومة من طرد الحوثيين وقوات المخلوع صالح التي تعاني من انهيارات كبيرة، بحسب اعترافات مصادر إعلامية قريبة من قيادة مليشيا الحوثي.

سارع إعلام الانقلابيين إلى تصوير الأمر على أنه انتصار لتنظيم القاعدة، وحاول أن يسوق هذا الوهم بإظهار أن المناطق التي حررها الجيش والمقاومة هي الآن في عهدة القاعدة، وقد نشرت صحفهم صورا مفبركة لإثبات أن ادعاءاتهم صحيحة، كما أنهم نشروا صورا قديمة لمجموعة غاضبة من المقاتلين وهي تسحب جثة لأحد القناصة كان قد قتل أكثر من عشرة مدنيين، قبل أن يلقى مصرعه على يد المقاومة منذ أشهر عدة.

هو ادعاء من بين ادعاءات كثيرة تريد أن تفسد على أبناء محافظة تعز فرحتهم، فقد قيل إن ترتيبات أدت إلى انسحاب الوحدات العسكرية التابعة لصالح من المعارك، ما أبقى مليشيا الحوثي في مواجهة الجيش والمقاومة بمفردها.

هذا الادعاء يكشف دون أن يعي أنصار المخلوع، حقيقة مهمة، وهي أن المخلوع هو من يقف وراء كل هذا الدمار بمدينة تعز، عبر تسخيره إمكانيات الأولوية العسكرية المرابطة في المحافظة لصالح مشروع السيطرة الجهوية والمذهبية الذي تبنته المليشيا.

لم يفقد الجيش ولا المقاومة في تعز ثقتهما بنفسيهما، ولكن كانت هناك اعتبارات سياسية وتكتيكية، مرتبطة بالتحالف العربي أكثر من ارتباطه بشروط صناعة النصر في هذه المحافظة، لهذا عندما توفرت الإرادة لدى التحالف بدعم المعركة، فقد خاض الجيش والمقاومة المواجهات بكفاءة عالية.

ما حدث في تعز يمثل نصرا عسكريا حقيقيا يمكن أن نلمس أثره في فرحة أبناء تعز التي لا توصف، وهذا دليل على أن القبضة العسكرية للانقلابيين كانت قوية، ويمكن تقييم حجم المعركة ومدى شراستها من خلال العدد الكبير من جثث الانقلابيين التي خلفوها على قارعة الطريق وفي ثنايا كليات جامعة تعز ومقر اللواء 35 مدرع في المطار القديم وفي مقر نادي الصقر، ويمكن أيضا إدراكها من خلال الأسلحة التي سيطر عليها الجيش والمقاومة.

كانت الحكومة والتحالف قد عملا خلال الفترة الماضية على تأهيل ثلاثة ألوية تقريبا في قاعدة العند، وهذه الأولوية لم توفر الخبرة العسكرية القتالية فقط، وإنما أيضا ساهمت في توحيد جهود المقاومة التي كانت تعمل تحت عناوين مختلفة، إلى حد أن خلافاتها أعاقت أي تقدم حقيقي على جبهة المواجهات خلال الفترة الماضية.

احتفل أبناء تعز بتوحيد جهود المقاومة بالقدر ذاته من الفرحة بالانتصار على الانقلابيين، ولهذا دلالة قوية على وعي أبناء هذه المحافظة الذين لا يريدون أن يتكرر نموذج عدن، فالجيش والمقاومة هما اللذان دحرا العدوان وهما اللذان سيعملان على حفظ الأمن في المدينة وجني ثمار الانتصار عبر تحقيق الاستقرار والأمن والسلام في المدينة، التي تمثل ملاذا مناسبا لكل المكونات الجهوية والمذهبية اليمنية.

أعرف الكثير من الساسة البارزين الذين ينتظرون بفارغ الصبر تحرير تعز للعودة إليها والعمل من داخلها، وهؤلاء الساسة ليسوا من أبناء محافظة تعز، بل من محافظات مختلفة، ولكنهم يدركون أن تعز هي مدينة بنكهة يمنية خالصة.

فقد الانقلابيون السيطرة العسكرية على تعز، ومعها فقدوا ورقة مهمة، كانت تمنحهم ثقلا معتبرا في المشاورات التي تجري مع الحكومة، إذ لم تخرج مشاورات بييال الأخيرة سوى بوعود من جانب المتمردين بالسماح بدخول مساعدات إغاثية إلى مدينة تعز.

سيتعين عليهم بعد النصر الذي تحقق في تعز أن يتفاوضوا على ملاذ آمن لقادتهم، وليس على البقاء جزءا من المشهد السياسي، لم يعد هذا ممكنا رغم تسارع الخطى باتجاه تمكين هذا الفريق الانقلابي، الذي فقد تأثيره العسكري، ولا يمكن أن يحتفظ بتأثيره السياسي في مجرى الأحداث في اليمن.