يرى مختصون أن
المؤسسة الدينية إذا لم تستطع أن تتواءم مع التحولات الطارئة على الفكر والثقافة والسياسة؛ فإنها صائرة إلى التفكك والضعف وربما الاختفاء، بينما ينظّر آخرون لفكرة أن "الإسلام ليس مؤسسة أصلاً"، رافضين مصطلح "المؤسسة الدينية".
الصفة المؤسسية مجازفة
يقول الكاتب والمفكر
فهمي هويدي، إن مفهوم "المؤسسة الدينية"، من حيث الدلالة والممارسة، يحتاج إلى إعادة نظر.
وأضاف لـ"
عربي21" أن الإسلام ليس فيه مؤسسية دينية، كما هو الحال في المفهوم الكنسي والسلطة البابوية، ذاهبا إلى اعتبار "الأزهر" منذ تأسيسه "مجرد جامعة أُسقطت عليها صفة ليست لها".
وتابع: "هناك علماء مسلمون، يشكلون رأيا، لكنهم حتما لا يشكلون مؤسسة، وإن أي مجازفة في إسقاط صفة المؤسسية على أي كيان؛ يحتاج لإعادة نظر".
وأكد أن الإشكال الخطير في تداول مثل هذه المفاهيم؛ يتمثل في أنها بالأساس منسوخة عن التجربة الغربية، ونُحمل على تمثّلها في الإسلام.
وحول الخطاب الديني واحتياجه لمؤسسية اعتبارية ذات رأي ونظر وحجة؛ تساءل هويدي: "لماذا التركيز دائما على الخطاب الديني واحتياجه لمؤسسية ترعى خطابه وتُرشده، بينما المشكلة الأساس في الخطاب السياسي".
وقال: "أحيانا؛ الصياغات التي تفرضها الحالة السياسية؛ يراد بها إخضاع الفكر الديني للسياسة".
وأضاف أن "المشكلة تكمن في محاولة فرض صيغة (تدخل الدين بالسياسة) على مستوى الفكر والممارسة، بينما علينا أن نطرح تساؤلاً من جانب آخر متعلق بصيغة (تدخل السياسة بالدين)".
ظواهر دينية تملأ الفراغ المؤسسي
في المقابل؛ يقدم الباحث محمد أبو رمان، رؤية مغايرة نسبيا، في تناوله للمؤسسة الدينية من جانب النقد المنهجي، معتبرا أن المؤسسة الدينية عميقة في التاريخ الإسلامي، وأنها لم تضعف الآن فقط، لافتا إلى أن الإمام أبا حامد الغزالي تناول هذا الأمر في مصنفاته.
وقال أبو رمان لـ"
عربي21" إن "المعاناة من خطاب التطرف، ناتجة عن غياب الخطاب الإسلامي البديل، في ظل ضعف المؤسسة الدينية، وعدم قدرتها على ملء الفراغ الخطابي".
وألمح إلى أن "هنالك نظريات على المستوى الفكري يتم طرحها من قبل مفكرين عرب، مثل الدكتور رضوان السيد، والدكتور السيد ولد أباه، وغيرهما، حول أهمية استعادة المؤسسة الدينية لدورها واعتبارها، وقدرتها على ترشيد وتوجيه خطابها".
وأشار إلى أن المؤسسة الدينية التحقت بركب المؤسسة السياسية، معتبرا أن الأزهر والزيتونة، وكل مؤسسات الأوقاف العربية؛ لم تستطع أن تحدث فرقا على المستوى النظري والعملي.
ولفت إلى خفوت صوت هيئة كبار العلماء في السعودية "التي كان لها دور مهم في مسألة توزيع الأدوار مع مؤسسة الحكم، إلا أنها تراجعت بفعل ظهور التيار المعتدل والصحوة، إلى جانب رموز مثل سلمان العودة والقرني وسلفيي مصر"، معتبرا أن هذه الرموز "تمثل ظواهر لا مؤسسات".
وأكد أبو رمان أن "الدول العربية لم تهتم بالمؤسسة الدينية أصلاً، وأهملتها من حيث الاستراتيجية والفاعلية والقدرة المالية، وأمعنت في إضعافها، حيث أعطت الوصاية عليها للأجهزة الأمنية".
وحول اعتبار الأحزاب والجماعات الإسلامية مؤسسة دينية؛ أوضح أنها "لا تعتبر من ضمن المؤسسة الدينية، إلا أن تداخل خطابها مع الخطاب الديني؛ جعلها جزءا من الفضاء الديني".
التدين الفطري
وفي مجتمعاتنا العربية التي يتمظهر فيها التدين بطابعه الفطري عموما؛ تبدو الحاجة لمؤسسية دينية مهمة، وضرورية أيضا، بحسب مختصين.
ويرى أستاذ علم الاجتماع حسين محادين، أن الجذور الثقافية لنا هي قانون المغالبة، مضيفا أنه "عمليا؛ تحرجنا المؤسسية بسبب البدوي الصغير القابع بدواخلنا.. نحن محكومون في وافد الآخر العولمي، وأدواته الأممية".
وأشار إلى ضرورة "إيجاد أدوات تستطيع أن ترتقي بالدين، ليس كظاهرة، وإنما كعقيدة وخطاب، في وقت يساء فيه عرض الدين، ويساء تقديم الخطاب، بصورة تضمن نتائج متطرفة حتما، بما أنه ليس هنالك مؤسسية ترعى هذه المساحة الواسعة في المجتمعات التي يأخذ فيها التدين الطابع الفطري".
وأضاف لـ"
عربي21" أن ضرورة وجود مؤسسية راشدة وعاقلة، يفرضه حجم المنجز المأخوذ عن الآخر (الغرب)، معتبرا أنه "من المنطقي أن نُصاب بدوار الحداثة والتكنولوجيا، التي لا تصلح الخطابة أو الرياضات اللغوية للإجابة عن تحدياتها العميقة بهذه الطريقة المتطرفة"، على حد وصفه.
وذهب محادين إلى أن "المأزق الحضاري الذي نتفاعل فيه كمجتمعات بلا حدود معقولة من الوعي؛ يلجئنا إلى إعادة إنتاج مؤسساتنا، وخاصة الدينية، التي تستطيع أن تفرض إيقاعها، بفعل قدرتها على تحريك سواكن وجدان المجتمع المتدين بطبعه".