زعيم يساري فوق العادة، خرج من بين ركام
حزب العمال البريطاني، ولمع بريقه الماركسي فجأة وسط حزب امتلأ في فترته الأخيرة التي ترأسها توني بلير ومن خلفه بأصحاب التوجه اليميني.
يسعى إلى التخلص من أسلحة
بريطانيا النووية، يصفه البعض بنصير العرب والمسلمين، رفض الحرب على
العراق، ويراه آخرون داعما للقضايا العادلة في العالم. أشار في العام 2012 إلى أنه "إذا لم نعترف بالحقوق
الفلسطينية فإننا سنكون أمام عواقب وخيمة وبريطانيا تتحمل مسؤولية خاصة".
قال عنه الصحفي البريطاني الشهير بيتر أوربون: "لو كتب له النجاح في اقتراع الثاني عشر من أيلول/ سبتمبر المقبل، فإنه سيكون أول رئيس حزب بريطاني يأتي تماما من خارج المؤسسة السياسية البريطانية السائدة منذ مارغريت ثاتشر في عام 1975"، وأشارت الصحفية ليندسي جيرمان إلى أن الدعم الشعبي العارم الذي حظي به كوربين هذا، "فاجأ معظم السياسيين العماليين ودهمهم من حيث لم يحتسبوا".
يرى العديد أن سياسته أشبه بطريقة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، فيما يرى آخرون أنه أقرب إلى حزب سيريزا اليوناني اليساري.
جيرمي كوربين، المولود في العام (1949) سياسي بريطاني من حزب العمال وعضو برلمان عن دائرة إزلينغتون الشمالية من العام 1983، عضو في المجموعة الاشتراكية داخل حزبه، وعضو في حملة التضامن مع فلسطين، فضلا عن منظمة العفو الدولية، كما أنه ينتسب للحملة "من أجل نزع السلاح النووي" وتحالف "أوقفوا الحرب".
ولد في شبنهام، من مقاطعة ويلتشير، والتحق بكلية العلوم التطبيقية شمال لندن. عمل بعدها في الاتحاد الوطني لموظفي القطاع العام والاتحاد الوطني للخياطة وعمال الملابس، وبدأ حياته السياسية في عام 1974 عندما انتخب لمجلس هارينغي. وتابع في هذا الدور حتى انتخابه النائب عن إزلينغتون الشمالية في عام 1983، وتم مؤخرا إعادة انتخابه في عام 2015 لخمسة أعوام جديدة.
أعلن كوربين حملته الانتخابية للترشح على رأس حزب العمال يوم 6 حزيران/ يونيو عام 2015. وعلى الرغم من أنه نظر إليه في البداية كمرشح هامشي، فقد ظهر بعدها كوربين على رأس السباق، ليصبح الزعيم الساحق في العديد من استطلاعات الرأي والحصول أيضا على دعم الأغلبية في النقابات العمالية التابعة لحزب العمال فضلا عن دعم ثلاث من النقابات غير المنتسبة.
كوربين وهجوم بلير والسياسة الخارجية
قاد رئيس الحكومة البريطانية الأسبق ورئيس حزب العمال بين العامين 1994 و2007، توني بلير، حملة شرسة ضده، وحذر حزب العمال من أنه سيباد عن بكرة أبيه لو أصبح كوربين زعيما له، وكتب بلير في الغارديان يقول: "أرى الحزب يسير وعيناه مغمضتان وذراعاه ممدودتان، يوشك أن يصل إلى حافة الهاوية ويسقط ليتحطم على الصخور المدببة في قعر الوادي. ليس هذا وقت الامتناع عن تعكير صفو مثل هذه المشية بحجة أن ذلك قد يثير "شقاقا"، وإنما هو وقت التدخل بحركة استنقاذ أشبه بتلك التي يمارسها لاعبو الرغبي، كلما كان ذلك ممكنا".
أما زميل بلير في قرع طبول الحرب ورفيق دربه وزير الخارجية السابق جاك سترو، فقال في مقابلة مع نشرة أخبار القناة الرابعة يوم 13 آب/ أغسطس، إن الانتخابات لا يجوز أن يحكم فيها بناء على الحرب على العراق.
وقال ألاستير كامبيل، المستشار الإعلامي الأسبق لبلير والذي زعم قبل الحرب على العراق إن البلد العربي لديه أسلحة الدمار الشامل، وأنه قادر على إيصال صواريخ حاملة لتلك الأسلحة لتدمير أراض بريطانية في ظرف 45 دقيقة!، فقال إن انتصار كوربين سيكون بمثابة "حادث تصادم مروري مروع" بالنسبة لحزب العمال.
وتعهد كوربين سابقا بالاعتذار عن حرب العراق التي شاركت فيها بريطانيا عام 2003، إبان حكم رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، في حالة فوزه برئاسة حزبه.
ونقلت صحيفة الـ"غارديان" البريطانية عن كوربين قوله، إنه إذا أصبح زعيما للحزب فإنه سيعتذر عن "حرب العراق التي شاركت فيها بريطانيا في العام 2003 والتي تسبب بمعاناة الشعب العراقي"، متهما بلير بـ"جر بريطانيا إلى الصراع على أساس الخديعة".
وفي السياسة الخارجية أيضا، قال كوربين: "في النهاية غابت الشمس عن الإمبراطورية البريطانية منذ فترة طويلة وحصلت المستعمرات على استقلالها".
وأضاف أن بريطانيا كان تنفق كثيرا على المجال الدفاعي، وبعد الحرب العالمية الثانية اتضح أننا لا نملك الموارد المالية والبشرية اللازمة لذلك، وأصبحت لذلك جزءا من حلف شمال الأطلسي (الناتو) ووقعت عددا من الترتيبات الدفاعية المشتركة.
وشدد السياسي اليساري البريطاني على ضرورة قيام عملية للسلام في الشرق الأوسط، وقال إنه يميل إلى عالم خال من السلاح النووي، وسيعمل من أجل أن تكون بريطانيا خالية منه.
ويفاخر كوربين بمواقفه المناصرة لقضايا الشعب الفلسطيني وزياراته للضفة وغزة ومعاداته للسياسات الإسرائيلية، وتصدى كثيرا لجرائم الحرب الإسرائيلية، وشارك في العديد من المسيرات المؤيدة لفلسطين.
ويدعو كوربين إلى اشراك حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحزب الله اللبناني في تسوية في الشرق الأوسط.
وعن ما يحدث في مصر، قال إنه يشعر بقلق بالغ حول الأوضاع هناك، "فالرئيس المنتخب محمد مرسي قابع في السجن، والسيسي يمارس عمله بطريقة معادية لحقوق الشعب المصري وحقوق الإنسان".
وأكد أنه يجب أن تكون لبريطانيا مواقف أكثر حزما ووضوحا وصرامة تجاه الانتهاكات تجاه الشعب والمعارضين والصحفيين في مصر، مشددا على أنه سيغتنم فرصة زيارة السيسي لبريطانيا لإثارة قضايا حقوق الإنسان في مصر وأحكام الإعدام واستمرار سجن الرئيس المنتخب.
رؤيته الاقتصادية
يبدي المرشح لقيادة حزب العمال البريطاني، الطامح إلى رئاسة الوزراء، إعجابه بسياسة كارل ماركس قائلا إنه "يمكن أن نتعلم الكثير منه". وتعهد بزيادة الضرائب على الشركات الكبرى في حال فوزه.
وقال كوربين إنه يريد تأميم السكك الحديدية وشركات الطاقة لإعطاء الناخبين "بديلا حقيقيا" عن "تقشف" المحافظين.
وقال كوربين في مقابلة مع "بي بي سي" إن ماركس "راصد كبير للحياة والمجتمع". وأضاف أنه "كان شخصية ساحرة ويمكن أن نتعلم الكثير منه". وقال كوربين البالغ من العمر 66 عاما إن ماركس حلل ما يجري في العالم بطريقة فذة وإن الفلسفة التي ظهرت بوحي منه فلسفة "فاتنة تماما".
وبشأن الفقراء في بريطانيا، يرى مرشح حزب العمال أنه يتوجب على الأغنياء دفع المزيد من الضرائب مقابل تحسين وضعية الطبقة المتوسطة.
ويرغب كوربين في تأسيس بنك استثمارات وطني عوضا عن "رسملة" المصارف التي فقدت الكثير من رؤوس أموالها كمصرف "رويال بنك أوف سكوتلاند" الذي باعت الحكومة البريطانية حصتها فيه.
قطاع الصناعات سيكون من ضمن خطط كوربين المستقبلية، إذ إنه يهدف إلى تعزيز قدرات إنتاج القطاع الذي يعتمد على التقنية العالية.