كتاب عربي 21

وأخيرا.. نفد الصبر الأمريكي!

1300x600
من جديد تعاود واشنطن استخدام أساليب التهديد والوعيد للأسد ونظامه، جاءت هذه المرة عبر لسان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي صرح للصحافة أن "صبر الجميع بدأ ينفد من نظام الأسد؛ فأغلبية الهجمات الكيماوية في سوريا نفذها نظام بشار الأسد".

وأوضح كيري أيضا أن سيرغي لافروف وزير خارجية حكومة بوتين بحث معه موضوع استخدام سوريا الأسلحة الكيماوي ويبدو أن صبر روسيا باشر على النفاد أيضا. 

على الرغم من أن التصريحات الأمريكية علت لهجتها واشتدت حدتها في الآونة الأخيرة، إلا أن وقعها بات باهتا وباردا على الشعب السوري والمقاومة الشعبية المسلحة، التي نفضت يديها من أي أمل في مآزرة أو دعم حقيقي لها من واشنطن، التي مازالت تراوغ في دائرة تصريحات سياسية فارغة لم تؤت يوما ثمارا طيبة للشعب السوري ومقاومته. 

ومع تفهمنا الكامل للأرضية والأوضاع التي قللت من ثقة السوريين بأي دعم أو حلول عربية أو إقليمية أو دولية، إلا أننا نرى أنه من المفيد الوقوف عند البعض منها، لا لتغير في المواقف وإنما لتغير حقيقي فرضته المعطيات الجديدة التي فرضتها المقاومة الشعبية على الأطراف التي تقود أي عمل سياسي أو عسكري على الأراضي السورية.  

في خبايا البيت الأبيض اليوم تدور قصص تُسرب عبر بعض الدبلوماسيين، ربما قصدا لنشرها كمادة شيقة تجذب متابعي الشأن السوري، وبعدها تدرس على أساس ردات الفعل التي أثارتها. 

ما جاءنا في اليومين الماضيين يؤكد تفاهما أمريكيا - روسيا على إيجاد حل  للصراع في سوريا وإنهاء أزمة رحيل الأسد. وكنا قد أشرنا مسبقا إلى إمكانية أن تسند المهمة إلى روسيا وهناك حديث عن فرض شخصية مقبولة دوليا وعربيا لإدارة المرحلة الانتقالية، مع تدخل دولي لحماية الأمن في سوريا.  
من الواضح أن الرؤية الحالية للمجتمع الدولي تشوبها مخاوف معلنة وصعوبات في تقبل رؤية السوريين لمستقبل بلادهم. بكل وضوح واشنطن لا يمكنها الاعتماد على الجيش الحر أو الجبهات الإسلامية المقاتلة إلى جانبه- ما نطلق عليه المقاومة الشعبية المسلحة- خصوصا مع رفض أغلب قياداتها للحل السياسي، ورحيل الأسد دون عقاب يتناسب مع مستوى الجرائم التي ارتكبها، إضافة إلى أن قوى المقاومة الشعبية السورية المسلحة إلى اليوم، لم تستطع أن تكوَن قيادة موحدة يمكن التفاهم معها أو عقد أي اتفاقيات دولية رسمية ملزمة.

وهذا تحديدا ينهي أي فرصة لفهم طبيعة السياسة التي ستلتزم بها أو تتبناها في حال دعمها أو استلامها دفة القيادة في سوريا للمرحلة القادمة، ناهيك عن أن التمثيل السياسي لهذه القوى- سواء الموجود في الائتلاف السوري لقوى المعارضة، أو حتى المنضوي تحت أسماء وتكتلات أخرى- ضعيف وغير فعال بشكل جدي داخل معسكرات السلاح  في الداخل.  

دعونا نفرض جدلا أن الأمور سارت كما تشتهي الرياح الأمريكية، والأسد فعلا انتهى وتسلمت المرحلة الانتقالية شخصية مقبولة دوليا وعربيا وشعبيا مع تدخل قوات حماية دولية، فهل هذا يعني عودة الأمان والاستقرار إلى الأراضي السورية وعودة المهجرين والبدء بعمليات الإصلاح وإعادة الإعمار؟

للأسف؛ لا يمكن تبني هذا السيناريو الحالم في الوقت الذي نشهد فيه تمددا لقوات تنظيم الدولة على الأراضي السورية، فإذا ما كانت فعلا الإرادة الأمريكية تريد أن يرحل الأسد وتهدأ الثورة السورية المباركة، فليس إلا لسبب واحد يتلخص بضمان استثمار القوات الموجودة على الأراضي السورية لمواجهة تنظيم الدولة؛ لتحجيمه بعد أن تمدد في سوريا والعراق وبعض الدولة العربية الأخرى أكثر من المسموح به، وبدأ يشكل خطرا حقيقا على المجتمعات الغربية كما العربية عبر تكاثره في أراضيها إلى حد تجاوز ما وجد من أجله. 

لقد علمتنا السياسة الأمريكية منذ عقود طويلة أن للحرب آلاف الأساليب والأدوات، فمن الأسلحة النارية إلى الكيماوية إلى الجرثومية إلى الداعشية، والبيت الأبيض أعلم بما يخبئ من أساليب موت جديدة للشعوب العربية عامة والشعب السوري خاصة.