قضايا وآراء

جوائز قيّمة لحكومة (إسرائيلية) متمرّدة!

1300x600
كثيرون اهتمّوا، بأن الحكومة التي استطاع "بنيامين نتنياهو" -بالكاد- تشكيلها، لا محالة ساقطة، ولكنهم لم يحددوا فيما إذا كان سقوطها قريباً، وذلك اعتماداً على أن توليفتها تحتوي طيفاً واحداً فقط من مجموعة الأطياف الإسرائيلية المتواجدة على الساحة الحزبية الإسرائيلية، كما أنها ضعيفة، لاعتمادها على 61 مقعداً فقط، من مجموع مقاعد الكنيست ألـ (120)، أي بنسبة 50% فقط، إضافةً إلى أنها -في اعتقادهم- قد نُبذت مبكّراً من قِبل المجتمع الدولي، وحتى من الدول الصديقة والحليفة لإسرائيل، وكان زعيم اليسار "إسحق هيرتسوغ" قد توعّد بإسقاطها، بعد أن وصفها بأنها خطأ  تاريخي.

لكن وبالمقابل، فإن "نتنياهو" حرِص على وصف حكومته بالقويّة، وبأن لها ميراثا ميدانيا طويلا، وتتمتع بميزات ضخمة، أكثر من أيّ حكومة سابقة، ربما لاعتبارها تحمل مضامين متشددة في شأن تعزيز قوّة إسرائيل، خاصةً وهي تعيش وسط منطقة (عربية – إسلامية) ملتهبة، من خلال تمثيلها لقاعدة حزبيّة قلقة على المصير الإسرائيلي، لا لقاعدة -إذا جاز القول- مفرّطة بلا ثمن.

"نتنياهو" لم يقل ذلك جزافاً، لكنه قال بعد أن بدت علامات نصره تتوالى (وضوحاً وقيمة) وسواء الآتية من المستوى الداخلي أو المستويين الإقليمي والدولي، وخاصةً بعد نجاح حكومته في الصمود والإفلات من السقوط، أمام أول مشروع برلماني لحجب الثقة عنها، والذي كانت تقدّمت به كتلة (هناك مستقبل)، بدعمٍ كاملٍ من قوى المعارضة، على خلفية عدم تطبيق توصيات اللجنة الخاصة بمكافحة الفقر.

والأهم هو نجاحه في تخفيض قيمة اليسار وإلى درجة قاسية، حين توجّه بخطاب خاص لغريمه زعيم المعسكر الصهيوني "هرتسوغ"، خلال اجتماع خاص عقدته الكنيست، بمناسبة ما يسمى بـ (يوم القدس) -وهو اليوم الذي قامت فيه إسرائيل بضم المدينة إلى إسرائيل- حيث قال: حان الوقت لتستمع إلى موقفنا، بوجوب أن نبني المزيد في القدس، وحان الوقت لتعلن إذا ما كنت مؤيداً للبناء أم لا" ؟ بالطبع فالرجل لم يردّ.

لم يفرغ "نتنياهو" من اغتباطه بهذا النجاح حتى سقط عليه نجاح آخر، والذي تمثل في رسالة السلطة الفلسطينية، والتي تحمل استعداداً لدفع عجلة المفاوضات قريباً، وإن جعلت حفنة من الشروط قبل تحقيق ذلك، باعتبار الرسالة تسميناً هاماً للحكومة، وخاصةً أنها تأتي من قِبل السلطة، والتي ما فتئت تشن هجوماتها على الحكومة، وتأليب الآخرين ضدّها، إضافة على ما يترتب عليها بشأن تخلّيها عن الإجراءات المتخذة ضد إسرائيل باتجاه هيئات المجتمع الأممي والجنائية الدولية بخاصة.

كما ضخّت الدعوة السعودية قوّة إضافية إلى جسم الحكومة، باعتبارها مقبولة عربياً، وليس كما الادعاء بأنها منبوذة، والتي تُطالبها بتبنّي مبادرة السلام العربية، برغم مرور 13 عاماً من رفض إسرائيل لها، وهي المبادرة التي خطّها الملك الراحل "عبد الله بن عبدالعزيز" خلال قمّة بيروت عام 2002، والتي تطرح إنهاء العداء، مقابل إقامة دولة فلسطينية في حدود عام 67، إضافةً إلى ما تحمله الرسالة، من أن هناك مشتركات استراتيجية مهمّة، وعلى رأسها التهديدات الإيرانية، وأمن المنطقة ككل، وكانت تواردت أنباء، تشير إلى أن المملكة الأردنية شهِدت لقاء عربي – إسرائيلي، أُقيم تلبيةً لهذه المشتركات.

الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" وبرغم العداء الشخصي والسياسي الذي يجمعه بـ "نتنياهو"، إلاّ أنه أوعز بتعزيز التعاون مع حكومته الجديدة، وأعطى تعليمات واضحة ومشددة لطواقم الأمن القومي، بالعمل الوثيق معها، من أجل تعزيز العلاقات الثنائية بكافة مستوياتها، ومن جهةٍ أخرى، أعاد معارضته خطوات السلطة الفلسطينية، بشأن رفع دعاوى قضائية ضد إسرائيل أمام محكمة الجنايات الدولية، كونها تضر بِفُرص السلام بين الجانبين.

ومن جهته، فقد سارع الاتحاد الأوروبي الذي يسعى لحجز دور في عملية السلام المأمولة، إلى مباركة الحكومة وتقديم التهاني لها، وذلك في مواجهة رزمة الانتقادات الإسرائيلية، التي وُجهت لمسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد "فيدريكا موجيريني" بسبب اتصالاتها السابقة بزعماء فلسطينيين، وطمعاً من جهةٍ أخرى، في تجديد العلاقات الثنائية مع إسرائيل، باعتبارها شريكا حيويا للاتحاد.

كل الخطوات السابقة، وإن كان هدفها ترويض "نتنياهو" وجلب حكومة -متمردة- نحو السلام، كونها خطوات إلى الأمام، لكنها مثّلت لديه باعتبارها (جوائز قيّمة) حازتها حكومته بجدارة، سيما وأنها لا تأتي في ظل كشفه عن عناوين مُخالفة لها وحسب، وخاصة في شأن العملية السياسية، بل وفي ضوء تحدّيه لها، واتخاذه خطوات عديدة إلى الوراء، وعلى رأسها تأكيده على أن مدينة القدس، ستبقى عاصمةً للشعب اليهودي فقط، ولن تكن يوماً عاصمةً لأي شعب آخر.