عاتبني من الأحباب كثير بخصوص مقالات نشرتْ في موقع وآخر فيها شيء من اختلاف الرأي مع الأحباب من جماعة
الإخوان المسلمين، وأحياناً كلمات فهم منها لوم مني لترك الجماعة أفراداً هنا أو هناك يسيئون ويحسنون، وهم على قلتهم موجودون لا ينكر وجودهم منصف، ولكنهم لا ينفون الخير الممتلئة الجماعة به، ولا ينكر "خيرية جماعة الإخوان" إنسان يمتلك ذرة من حياء لا موضوعية، فإن لهم ليداً، يشهد الله على صدق كلماتي، وكونها خالصة لوجهه، لا على مصر بل العالم، وإني من هؤلاء الذين لا أنكر فضلاً للجماعة عليّ، في مقتبل الشباب كما في مفترق الطريق المُقصي عن الحياة، فإنني ما وجدتُ في الناس أكثر خيراً من الإخوان..وما كان اختلافي في الرأي معهم، وما استبقائي بعض آراء أختلف معهم فيها إلا من باب قول المتنبي، وإني لأكرر البيت، وسأظل أكرره ما حييتٌ:
ولم أر في عيوب الناس عيباً
كنقص القادرين على التمام
وللذين لم يحسنوا قراءة كلماتي، ولا استشهادي ببيت الشعر هذا، فإن للبيت الأخير، وليس غيره هاهنا بعد، رواية أخرى لنصفه الأخير:
"كنقص القادرين على الكمال"
وهل من كمال إلا لله تعالى؟!
(1)
نعم اختلفت وسأظل أختلف مع "جماعة الإخوان" لأن
الاختلاف "سُنّة" الحياة الدنيا، ولو أراد .. بل لو شاء ربي وربك لجعل الناس أمة واحدة، ولجعلنا أنصارا لرأي واحد، ولكنه تعالى أراد لنا الاختلاف سنة للحياة لكي تستمر، ولكي يوجد بها ما يدعو لاستمرارها من تجاذب بالرأي، والمواقف، وطرق تختلف وتتعدد للصواب .. كما تتعدد بالخطأ، وإن كان الله تعالى خلق الظلمات والنور.. أي إن طريق الهدى في النهاية يصب في حيّز واحد..
وكلما عاتبني أخ حبيب .. ولا أقول صديقا فحسب، بل أخ حبيب من الإخوان تمثلتُ بيت شعر النابغة الجعدي:
كفاني البلاء وإني امرؤ .. إذا ما تبينتُ لم أرتب
وشاهدي من البيت وفهمي له:
إنني من ذلك النوع من الناس الذي لا يكتم الناس ولا نفسه ما يدور بخلده، طالما رآه حقاً.. وإن كان فيه البلاء "له"، وهكذا نحن معاشر الأدباء.. فليت الأحباب يتعاملون معنا على هذا النحو!
(2)
نعم إنني أختلف مع جماعة الإخوان .. توجهات وأفراداً وأحياناً جماعة، ما في الاعتراف بهذا من بد، فإني وإياهم بشر نخطئ ونصيب، وعلم الله إنني لا أعدل بالجماعة الدنيا كلها، لا نفسي فحسب ولكن من علمني احترام الاختلاف في الرأي إلا هدي رسول الله، صلى الله عليه وسلمن ومن قبل آي اذكر الحكيم، ثم جماعة الإخوان، من قال لي في أدبار الصبا وقبل بلوغي العشرين:
ليس فيك خير إن لم تقلها لنا، وليس فينا خير إن لم نسمعها منك..
ألا عمت بالخير من رجل قلتها لي في أمسيات الشتاء القارص بجوف الصعيد من ربع قرن، فإني لشديد الشوق للمهندس رمضان عبد العظيم، ورجال كرام هناك علموني التألق فكراً، ولقنوني الإبداع مواقف أزهرت بهم .. وبجملة أفراد الجماعة هناك، وفي العاصمة، وخارج مصر، وإن بقي في القلب أقل القليل، فذلك لأنا بشر، نصيب ونخطئ..
نعم اختلف مع الجماعة لأن الجماعة هي من علمتني إن الاختلاف في الرأي أصل من أصول الحياة، وإن أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب كانا عن يمين النبي، صلى الله عليه وسلم، وعن يمينه من الناحية الأخرى، فلا شمال هناك، رضي الله عنهما كلاهما عن اليمين، وإن اختلف أسلوباهما إلا إنه يخرج من مشكاة واحدة..
أختلف مع الجماعة ولكني اردد مع "فولتير" ما علمتني إياه الجماعة بشجاعة:
إنني لأختلف معك في الرأي ولكني لأدفع عمري من أجل أن تقول رأيك كاملاً!
(3)
لستُ والله ذلك الرجل..
الذي يبغي إثبات مكسب، أو تحقيق مغنم من الجماعة، ولم أكن لأرضى بذلك الآن من متاع الحياة الدنيا، وما كنتُ لأبقى حرصاً على الدنيا ببلدي.. وهم يقطعون ويمزقون، ويصلبون ويقتلون بيد من أعطوهم الأمان وأحسنوا إليهم فخانوهم، وإنني مع عيبي الشديد على إخواني في أمور كنتُ أتمنى أن يكونوا فيها أكثر حصافة وبعداً للنظر إلا أنني لم أجد أكثر منهم شرفا ولا إباء ولا كرامة لا في مصر بل في العالم حيثما عاينتُ وقرأتُ، وما عتبي على الإخوان وإن كان بالأمس القريب، وإن أحزن بعض الإخوان من إخواني إلا غيرة عليهم، علم الله، وفرط محبة مني إليهم، وصدق عمر بن الخطاب، رضي الله عنه وأرضاه:
"رحم الله امرءاً أهدى إلي عيوبي"!
فما كنتُ والله بالنقد المنشور أرجو منفعة دينوية.. ولا بإحقاق الحق للإخوان الآن.. وهل مثلي يتربح من مواضع لا يتربح منها إلا دنيء والعياذ بالله!
(4)
لستُ علم الله بذلك الرجل..
الذي يرى أكابر إخوانه يكادون يعلقون على ألواح المشانق، لا قدر الله تعالى ولا أراد، فيما هو "يعتب"، فلا يراني الله تعالى، وهو دأبي دائماً، اللهم إلا من كلمة هنا أو هناك لاشتداد وجع وخروجه عن المألوف، فلا يراني الله تعالى إلا ناقداً لموقف أبغي فيه الخير..
وعلم الله تعالى إني لا أبغي مخالفة، وحاشا لله أن أبغي نكوصاً أو أدعو لهوان، فلا كنتُ ولا كانت كلماتي، وإنما مثلي يريد إعمالاً للفكر.. وإرهاقاً للعقول جميعها أكثر، في عصف دائم وصولاً لحل ثالث يبعدنا عن مخاطر معركة صفرية ستدمر الوطن كله..
إن الإخوان زهر ربيع مصر، وخضرة قلب نيلها، ورونق ألق نسيمها، وعبير فضاء سمائها، لديهم كنا نجد الراحة من العناء، والسهولة بعد العسر، والدفء بعد النكران من قلوب بعيدة غريبة وإن دنت، وفي رحابهم عرفنا الربيع يانعاً في شديد عصف الصيف، ووالله ما كانت الرئاسة إلا إرهاقاً لهم، وعصف ريح في حضرة شفافة سامية، وإني لأربأ بهم.. أن يستمروا من أجلها، ومن أجل شعب سلبي.. برأي الشيخ الشعراوي، والله أعلم ماذا أراد بها عام 1994م، رحمه الله..
هداهم الله إلى الخير كله .. وأبعد عنهم الشر وأهله من داخلهم ومن خارجهم ..
وشدة وستزول بإذن الله..
إنني لا احسب نفسي من الإخوان فحسب في الحياة الدنيا .. بل إني لأذود عن أصغر مظلوم منهم بكل ما أملك، إن استطعتُ..
سلم الله المرشد الدكتور محمد
بديع من كل مكروه وسوء، وإخوانه جميعاً، وحفظ الرئيس محمد
مرسي، وأعاده سالماً غانماً..
إنني لأختلف مع الإخوان توجهاً وأفرداً وجماعة لفرط محبتي لهم .. ولكني لا اعدل الدنيا كلها بهم، هذه كلمات لا كنتُ إن لم أقلها، وأسأل الله أن تكون خالصة لوجهه الكريم..وبقيت لي دعوة:
اللهم احشرني مع مخلصي الإخوان الصامدين الثابتين الشرفاء .. وارحمني معهم ..وإن كنتُ لا استحق هذا!