صحافة دولية

صحيفة فرنسية: قضية الحجاب في الجامعات صنعها السياسيون

تقول الصحيفة إن الحجاب في الجامعات الفرنسية لا يمكن حظره دستورياً - أرشيفية

نشرت صحيفة لوبوان الفرنسية تقريراً حول مسألة منع ارتداء الحجاب في الجامعة الفرنسية، وقالت إن الجدل الدائر في الأوساط السياسية والإعلامية حول هذا الموضوع، لا يعكس حقيقة مواقف الفرنسيين الذين لا يرون في ذلك مشكلة تستحق الجدال أصلاً.

وقالت الصحيفة إن مصادرة بعض السياسيين حق الطالبات المسلمات في ارتداء الحجاب، يعد مغالطة لا تعكس موقف الأوساط الجامعية التي ترى الأمر مسألة شخصية لا تشكل أي تهديد، رغم أن الهجمات الإرهابية التي شهدتها باريس في كانون الثاني/ يناير الماضي سببت بعض ردود الفعل المعزولة ضد الحجاب، الذي يُمنع ارتداؤه في المدارس والمعاهد الفرنسية العمومية منذ سنة 2004 ويُسمح به في التعليم الجامعي.

وذكرت الصحيفة أن حادثة جدت في مدرسة المحاماة بباريس بعد أيام قليلة من الهجوم على صحيفة شارلي إيبدو والمتجر اليهودي، حيث فقد أستاذ القانون أعصابه بسبب ارتداء إحدى الطالبات الحجاب، وصرخ قائلاً: "ديانتي هي التعري"، وقام بالتجرد من معطفه وقميصه وخرج من القاعة نصف عار.

وأضافت الصحيفة أنه بعد أسابيع من الحادث الأول شهد الحرم الجامعي لإحدى الكليات في ضواحي باريس، حادثة اعتداء أستاذ مادة البنوك والتأمين على طالبة متحجبة، مما أدى لطرده من التدريس في تلك الجامعة.

ونقلت الصحيفة عن زميلته جوديت ماير التي تدرّس علوم الاتصال وصفها له بأنه أستاذ بديل لا يعمل لأكثر من ست ساعات في السنة، ولايحظى بأي اهتمام، وتأكيدها أن الجدال الذي أثارته تلك الحادثة لا يعكس الواقع اليومي في الجامعة، حيث يمكن رؤية الحجاب في مدرجات قاعة المحاضرات جنباً إلى جنب مع أنماط اللباس الأخرى.

ونقلت الصحيفة عن بعض الطلبة المستجوبين أن الفتيات المحجبات لا يمثلن أي مشكلة، وأنه من غير المقبول أن يتم إقصاء أفراد من المجتمع بسبب قطعة قماش، وتأكيدهم حق الجميع في إظهار معتقداتهم الدينية وآرائهم السياسية أمام العلن.

كما ذكرت الصحيفة أن فرنسوا جيرمني، رئيس جامعة سيرجي بنتواز، صرح بأن القدرة على التعبير بكل حرية داخل أسوار الجامعة هي في حد ذاتها مكسب غير قابل للنقاش، ومن دونه لا يمكن أن يصبح هؤلاء الشباب في المستقبل مواطنين متحضرين. كما أبدى انزعاجاً من الجدل الدائر في هذا الشأن، وصرح بأن جامعته تستقبل طالبات محجبات منذ سنوات دون أي مشكلات، لكنه رفض في الآن ذاته أن يقدم أرقاماً دقيقة، لأن إجراء الإحصائيات على أساس ديني ممنوع. وأضاف أن جامعته تقبل مختلف الناس كما هم، وتسمح لهم ببناء شخصية ناضجة ومستقلة.

وقالت الصحيفة إن الطبقة السياسية كثّفت من النقاش في هذا الموضوع خلال الأسابيع الأخيرة، سواء في الأوساط اليسارية أو اليمينية، حيث اقترح النائب المنتمي لحزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية، إريك سيوتي، مشروع قانون يمنع ارتداء الحجاب في الجامعة، وقد سانده في ذلك زعيم حزبه، وهو الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، الذي دعا لتوسيع هذا الحظر ليشمل الجامعات على غرار المعاهد والمدارس، بدعوى الحاجة لتعميم هذا المنع لخلق تناسق بين القوانين المنظمة لمختلف المراحل التعليمية الفرنسية.

وأضافت الصحيفة أنه حتى كاتبة الدولة المكلفة بحقوق المرأة، باسكال بويستار، كانت قد عبرت عن معارضتها للحجاب في الجامعات، قبل أن يستدرك رئيس الوزراء مانويل فالس ويؤكد أن الحديث عن منعه ليس وارداً في الوقت الراهن.

وذكّرت الصحيفة بأن لجنة تطبيق المبادئ اللائكية المعروفة بلجنة "ستازي" كانت قد صرحت في سنة 2004 بأن منع الحجاب غير ممكن في الجامعة، حيث إن قانوناً من هذا النوع سيشكل مشكلة لتعارضه مع الدستور.

ونقلت عن الأستاذ الجامعي سيرجي بنتواز قوله إن كل ما يهمه هو تقديم الدروس بحرية للطلبة والتعامل معهم كراشدين في كنف الاحترام المتبادل، وبقطع النظر عن مظهرهم، كما ذكر بأن تطبيق قانون المنع أمر صعب في الجامعات الفرنسية؛ لأنها تتمتع باستقلالية لا تتمتع بها بقية مؤسسات الدولة، حيث إن الفصل 811-1 من قانون التعليم ينص على أن "المنتفعين بالتعليم الجامعي يتمتعون بحرية التعبير ما لم يمس ذلك بالنظام العام".

كما نقلت الصحيفة عن إلسا راي، من مركز مكافحة الإسلاموفوبيا، تأكيدها ندرة وقوع مشكلات بسبب ارتداء الحجاب في الجامعات، باستثناء بعض الجامعات الخاصة التي تعمد أحياناً إلى تنقيح لوائحها الداخلية لمنع ارتداء غطاء الرأس والشعارات الدينية، ولكن غالباً ما يتم إلغاء هذه القرارت فيما بعد.

وقالت الصحيفة إن تقارير المعهد الوطني للدراسات الاجتماعية تشير إلى أن عدد الفتيات المسلمات في الجامعة تزايد كثيراً في السنوات العشرين الأخيرة، وهو ما يعني أن المسلمات أصبحن اليوم أكثر وعياً وأفضل تكويناً من الأمس، ولكن تتعقد الأمور بعد المرحلة الجامعية، حيث يتسبب ارتداء الحجاب في مشاكل كثيرة في سوق العمل، حيث إن 36 في المئة فقط من المحجبات يحصلن على عمل، فيما تحصل 71 في المئة من المسلمات غير المحجبات على عمل.

و أجرت الصحيفة حواراً مع الطالبتين مريم وساليا اللتين تدرسان في جامعة فيلتانوز، وتتمتعان بحقهما في الحضور للجامعة وهما مرتديتان الحجاب. وكشف النقاش عن انقسام بينهما قبل أسابيع قليلة من إنهاء دراستهما، فبينما تصر ساليا على التمسك بحجابها، تخشى مريم من أن يعيق ذلك حصولها على عمل.

وقالت الصحيفة إن تغيير الأوضاع وفتح سوق العمل أمام المحجبات يحتاج إلى تحرك من السلطات، وإلا فإن سياسة المنع ستؤدي إلى إقصاء شريحة مهمة من المجتمع.