ملفات وتقارير

"حياد".. تكتل مناهض لمحاكم الحوثيين في اليمن

حركة حياد ترفض تسييس القضاء اليمني لتصفية الحسابات مع الخصوم ـ عربي21
دأبت جماعة (أنصار الله) الحوثية، منذ سيطرتها على العاصمة اليمنية صنعاء، أواخر أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، ومن قبلها محافظتي عمران وصعدة، على إنشاء محاكم قضائيّة بديلة عن القضاء الرسمي.

ويسعى الحوثيون من وراء إقامة هذه المحاكم، إلى إشاعة عدالتهم المزعومة، مقارنة بواقع المماطلة والتسويف الذي تأخذه المنازعات في أجهزة القضاء الرسمي، وفقا لمراقبين.

ويرى محامون يمنيون أن محاكم الحوثيين بمثابة قضاء موازٍ و"محاكم مستعجلة"، ساهمت في اختلال ميزان العدالة في اليمن، لاسيما حينما جرى استخدامها لتصفية الخصومات السياسية، إضافة إلى قيامها بتغييب الأجهزة الأمنية التابعة للدولة، لتقوم في الوقت ذاته بدور أقسام الشرطة، ناهيك عن تحويل سجونها إلى معتقلات لمناوئي جماعة الحوثي.

ففي آب/ أغسطس من العام الماضي، أصدر محام عيّنه الحوثيون قاضياً في إحدى هذه المحاكم في محافظة عمران شمال صنعاء، حكم الإعدام على المهندس فواز صالح سريع، بتهمة قتل زميله في العمل، لكنّ حقوقيين أكدوا أنّ لديهم ما يثبت أن الوفاة نتجت من جراء حادث عَرَضي بصعقة كهربائيّة وليس بجريمة جنائية.

وبناء على هذه المعطيات، أقدم ناشطون ومحامون يمنيون على تأسيس تكتل حقوقي مدني تحت مسمى حركة "حياد" لمناهضة استخدام القضاء لتصفية الخصومات السياسية.

وقال بيان صادر عن "حركة حياد"، الخميس، إن ترسيخ مفاهيم العدالة وإقامة العدل كنظام حكم في المؤسسة القضائية في أي مجتمع من المجتمعات يقتضي نوعا من التوازن في القوى داخل هذا المجتمع، لأن العدل يترسخ كنتيجة لهذا التوازن عبر عدد من الوسائل، أهمها "وجود رقابة مجتمعية ضامنة لاحترام التشريعات القضائية، والتقيد بمواثيق حقوق الإنسان، دون التدخل في عمل القضاء، حتى لا يفقد قيمتي الحياد والاستقلالية في أداء عمله".

وأضاف البيان أن الحركة ستعمل من أجل الدفاع عن الحقوق الإنسانية للمواطنين اليمنيين، وغير اليمنيين المقيمين في البلد، دون تمييز، والوقوف بكل قوة ضد أي ممارسات تنتهك هذه الحقوق.
كما أشارت حركة "حياد" إلى أنها "تسعى نحو إيجاد مؤسسة قضائية عادلة تتمتع بأعلى قدر من الحيادية والنزاهة والاستقلال، وإيجاد مساحة من الشراكة للحفاظ على شرف مهنتي القضاء والمحاماة".

وتهدف حركة "حياد" لمناهضة تسييس القضاء إلى "منع حالة الاستحواذ العام من قبل أدوات العنف التي جعلت القضاء خارج الفعالية والسيطرة، الذي يواجه نوعا من التقويض الذهني لدى اليمنيين، من خلال حملات تشويه تطال المحاكم في البلاد".

سجون الدولة مليئة بخصوم الحوثي

وأكد مؤسس "حركة حياد" عبد الرحمن برمان أن "اليمن شهدت انتهاكات لحقوق الإنسان في العام الماضي، لم تحصل في تاريخها الحديث، من قبل مسلحي الحوثي، أبرزها "القتل والتعذيب، والاختطاف والنهب والسرقة، وإبعاد الموظفين وتهديدهم، والقيام بتفجير منازل خصوم الجماعة، ونهب الشركات والمؤسسات الاستثمارية"، صاحب كل تلك القضايا غياب تام لأي دور لمؤسسات القضاء الذي كان من المفترض أن ينتصر لهؤلاء الضحايا".

وأضاف لــ"عربي21" قائلا: "هناك عدد من المخطوفين والمعتقلين في سجون الدولة اليمنية، التي تحولت إلى زنازين تابعة للحوثي، لتصفية حسابات وخصومات سياسية".

 وسبق منع النيابة العامة من معاينة أوضاع المعتقلين من قبل مسلحي الحوثي، لكن اليوم انتهك حق القضاء، الذي بات ضعيفا وغير قادر على أداء عمله.

 وقال مؤسس "حياد" إن "عملهم سيتركز على مراقبة السلطة القضائية، وتقديم العون والمساندة، حتى تتمكن المحاكم من العودة إلى الوضع الطبيعي، ولا ننوي القيام بأي إجراءات قانونية لانتهاكات الحوثي لحقوق الإنسان على صعيد القضاء الدولي"، معبراً عن ثقته من تحقيق عدد من الإنجازات في هذا المسار، تساندهم رغبة لدى عدد كبير من أعضاء السلطة القضائية في إنفاذ القانون.

قضاء الحوثي الموازي

من جهته، رأى أمين عام نقابة المحاميين اليمنيين صقر السماوي أن "القضاء الموازي الذي دأبت على إنشائه جماعة الحوثي، ظل تأثيره محدودا، لكنه ساهم في تقليص دور المحاكم الرسمية في كل من محافظتي صعدة وعمران".

وقال لــ"عربي21" إن "الحوثيين أدركوا بأن مسألة التقاضي لا يمكن أن تقوم بها إلا الدولة، لأن الاحتكام إليهم سبب لهم إشكاليات عديدة، باعتبار وسائل الفصل في القضايا، تتم بالتدرج، نظرا لما يوفره القضاء الرسمي من مستويات لدرجات التقاضي، بدءاً من "محاكم الدرجة الأولى، ومرورا بالثانية (محاكم الاستئناف)، وانتهاءً بالدرجة الثالثة المحكمة العليا".

متمنياً أن "تكفّ جماعة الحوثي عن التدخل في شؤون السلطة القضائية، وذلك لأن الناس لا يقبلون الاحتكام إلا لها".

وأوضح أمين نقابة المحاميين أن "دور القضاء تراجع بسبب "رغبات البعض في السيطرة على القضاء"، لافتاً إلى أن "هذا الواقع لن يطول، لقناعة اليمنيين بهذا السياق، لاسيما بعدما أفاقوا من صدمة سيطرة الحوثي على صنعاء وعدد من المدن اليمنية الأخرى". وبحسب السماوي، فإنه "لا يمكن أن يستعيد القضاء عافيته، إلا بعودة الأجهزة الأمنية التي تم تغييبها من قبل الحوثيين".

مجتمع تحكمه شريعة الغاب


وفي سياق متصل، أكد رئيس منظمة روابط للدعم القانوني هاشم عضلات أن "مؤسسة القضاء في اليمن تعرضت لآثار سلبية كثيرة بسبب انهيار الدولة، حيث لن تتمكن المحاكم اليمنية من العمل بمعزل عن سلطاتها الأخرى، ولذلك بات المجتمع اليمني يعيش عالم من الفوضى، وتحكمه شريعة الغاب"، وفق تعبيره.

وقال عضلات لــ"عربي21" "إن المحاكم اليمنية تعاني من وضع لا تحسد عليه؛ نظرا لحالة الغياب التام لأجهزة الدولة الأمنية، التي تُعدّ أداة لإنفاذ القانون"، منوها إلى أن "هذا الغياب سبب في تعطيل العدالة، بعدما تسلطت أطراف معينة على الأخرى، وهو ما أدى إلى تراجع ثقة المواطنين في القضاء لحل مشاكلهم". 

ولفت رئيس منظمة روابط إلى أنه "لا يمكن الجزم بأن القضاء اليمني ليس فيه ميول سياسية، ولا شك، أن كل قاضٍ لديه انتماء حزبي، ما سبب في عدم حيادية المحاكم في بعض الأحيان". حسب وصفه.

ومنذ تهاوت العديد من مؤسّسات الدولة في صنعاء بيد الحوثيين، في 21 أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، انتشرت ظاهرة المحاكم الحوثيّة في المناطق التي سيطروا عليها، وهي بمثابة جهاز قضائي موازٍ للقضاء الرسمي، وتجري إدارتها بواسطة مجموعة من الأشخاص جرى تعيينهم كقضاة من قبل قيادة الجماعة.