صحافة إسرائيلية

كيف ترى إسرائيل بيئتها الاستراتيجية بداية عام 2015؟

ميلمان: التطور الأهم والأكثر إثارة لإسرائيل في 2014 هو التعاون مع مصر - عربي21
تناول الخبير الأمني الإسرائيلي المعروف، يوسي ميلمان، العلاقات الإسرائيلية الاستراتيجية في العام الماضي (2014)، وأثرها على العام الجديد، حيث انتقد في مقاله "أقوياء في التكتيك.. ضعفاء في الاستراتيجية"، ضعف سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأثرها على العلاقات الاستراتيجية لإسرائيل مع حلفائها.

وناقش ميلمان تطورات الوضع الاستراتيجي، وعدّ أن "تعاون السيسي الأمني مع إسرائيل هو التطور الأكثر إثارة في عام 2014".

وقارن الكاتب في مقاله الذي نشره، الجمعة، في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، الوضع العسكري الإسرائيلي في المنطقة وحال الدول العربية التي وصلت إليه، حيث قال إن التفوق العسكري لإسرائيل هذا العام "ينبع من تفكك الدول في العالم العربي (ليبيا، اليمن، سوريا، العراق)".

التعاون المصري

وفي نظر الكاتب، فإن التطور الأهم والأكثر إثارة بالنسبة لإسرائيل في العام 2014، هو قيام التعاون العسكري، الاستخباري، الأمني والتنفيذي، "الذي لم يشهد له مثيل، حتى في فترة الذروة في العلاقات السرية بين إسرائيل ومصر، حين كان الرئيس حسني مبارك في الحكم، ووزير مخابراته الجنرال عمر سليمان ابن بيت في مقر الموساد في غليلوت". 

وأشار الكاتب إلى الانسجام الذي حصل في العلاقات بين إسرائيل ومصر خلال السنة الماضية، في فترة قيادة الجنرال الرئيس عبدالفتاح السيسي، لا سيما الانسجام فيما يتعلق بغزة، وحماس وما يحصل في سيناء.

وأبدى الكاتب سعادته من علاقة النظام المصري بقيادة السيسي بحماس، حيث إنه يعدها فرعاً للإخوان المسلمين الذين يكرههم، حيث يتعامل مع الحركة كعدو ينبغي إذلاله، وقمعه وجعله في عزلة.

ووجه نظام السيسي اتهاماته إلى حماس بمساعدة "الإرهاب المتعاظم في سيناء"، رغم تبني أنصار بيت المقدس، العمليات التي تجري هناك. 

وأشار ميلمان إلى أن الجيش المصري وقوات الأمن، تجري بإسناد قوي من إسرائيل، حرب إبادة لا هوادة في سيناء.  

ويرى الكاتب أن التعاون والتفاهم بين إسرائيل ومصر وجد تعبيره في الصيف الأخير في الحرب ضد حماس في غزة، مما أضعف الحركة في القطاع وجعلها تلجأ إلى إيران

العراق وسوريا 

وقال ميلمان إن "وضعنا العسكري تحسّن في السنة الأخيرة، وزاد تفوقنا النوعي على أعدائنا، فالجبهة الشرقية، بجيشيها الكبيرين في الماضي، السوري والعراقي، تبددت تماماً، وهي تلك الجبهة التي عدّتها إسرائيل ذات مرة تهديداً حقيقياً".

وأضاف موضحا ًالحال التي وصلت إليها العراق -حيث أصبح لا يشكل خطورة على أمن إسرائيل على حد قوله- إن الجيش العراقي خلال معاركه في السنة الماضية ضد الدولة الإسلامية "انهار كبرج من الورق، وأصبح العراق اليوم دولة توجد فيها سياقات التفكك إلى ثلاثة أو أربعة كيانات".

أما في سوريا، فتستمر الحرب الأهلية دون نهاية تلوح في الأفق. وأصبحت كذلك سوريا دولة متفككة بكل معنى الكلمة. إلى جانب أن سيطرة نظام بشار الأسد على نحو ربع أراضي الدولة، وفق الكاتب.

وأشار ميلمان إلى أن جيش الأسد تعرّض لخسائر جسيمة في معارك مع منظمات الثوار المختلفة، حيث فقد الكثير من جنوده، إلى جانب فرار عشرات الآلاف مسلحيه، بمن فيهم ضباط برتب قيادية عليا.
 
 ولم ينسَ الكاتب الإشارة إلى أن الأسرة الدولية بقيادة أمريكا جرّدت جيش النظام من سلاحه الكيميائي، الذي طوّره وأنتجه لإعطاء جواب استراتيجي للقدرة النووية التي يعتقد الجميع أنها لدى إسرائيل. 

وقال الكاتب: "حتى لو بقي في يد النظام السوري قدرة هامشية من غاز السارين، فلا يشكل ذلك تهديداً حقيقياً". 

حزب الله ولبنان

أما في الجبهة الشمالية، ضعفت منظمة "حزب الله" اللبنانية بشكل واضح في السنة الأخيرة، وهي غارقة حتى الرقبة ونازفة في الحرب الأهلية في سوريا، التي تعمل فيها كذراع عسكري، رأس حربة لإيران، في دفاعها عن النظام في دمشق، على حد تعبير الكاتب. 

وأشار إلى أن حزب الله يدفع ثمن كونه فرعاً إيرانياً ومنظمة شيعية لبنانية، وهو ثمن باهظ بالنسبة له. 

وأوضح أن "حزب الله" فقد في المعركة في سوريا المئات من جنوده، وعلى ما يبدو أكثر من ألف من مقاتليه، بينهم أيضاً قادة كبار وقدامى لديهم تجربة كبرى. وهم يدفنون في ظلمة الليل كي يخفى عن جمهور مؤيدي المنظمة الواقع. 

وأضاف أن معنويات رجال المنظمة (حزب الله) متردية. وقال إن الكثيرين في لبنان، ولا سيما في الطائفة الشيعية، يتساءلون اليوم "لماذا يتعين على الشباب اللبناني أن يضحوا بحياتهم من أجل نظام أجنبي؟ من ناحية معينة سوريا هي فيتنام حزب الله"، على حد قول الكاتب.

 وقال إن الحرب في سوريا تنتقل بالتدريج إلى لبنان نفسه. فداعش والمنظمات الأخرى كجبهة النصرة، تنقل الحرب إلى الأراضي اللبنانية، وتجبر حزب الله على الدفاع عن نفسه وعن بيته.

التهديد الإيراني 

قال ميلمان في مقاله إن "العنصر الثاني الذي يهدد إسرائيل إلى جانب حزب الله هو إيران"، موضحاً أن "لديها مئات صواريخ شهاب 3، التي يمكنها أن تصيب كل هدف في إسرائيل". 

وأضاف أن "إيران هي سيدة حزب الله، وهي تسعى إلى الحصول على سلاح نووي، وهي تعدّ تهديداً وجودياً على إسرائيل". 

ولكنه نقل عن خبراء قولهم إن إيران يجعلها زعماء إسرائيل وعلى رأسهم نتنياهو، تهديداً لاعتبارات سياسية داخلية، موضحاً أن "إيران هي منذ الآن دولة شارفت أن تصبح نووية، وهي على مسافة أشهر عن القدرة على تركيب قنبلتها الأولى. فلو كانت ترغب في أن تشكل تهديداً لإسرائيل لكان بوسعها أن تفعل ذلك منذ زمن بعيد".    

التسلل إلى الأردن 

أشار الكاتب إلى أن الأمن الأردني ظل مهدداً من  خلال محاولات الدولة الإسلامية التسلل إلى البلاد.

وأبدى ارتياحه من أنه "لا توجد مؤشرات على أن المنظمات الإسلامية المسلحة (في مقدمتها داعش) تبدي اهتماما بإسرائيل، بل اهتمامها مركز على العمل ضد أنظمة الدول التي تعمل فيها مثل سوريا ومصر".  

علاقة إسرائيل بأمريكا وأوروبا

وتناول الكاتب تصريح وزير الحرب الإسرائيلي، موشيه يعلون، الأخير، حين قال إن إسرائيل تجد صعوبة في استخدام مزاياها وتفوقها العسكري لتحقيق إنجازات على المستوى الاستراتيجي، وعزا الكاتب ذلك إلى سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وأوضح أن سياسة إسرائيل يجب أن تندمج فيها القدرة العسكرية مع السياسة الخارجية ومع المكانة الدولية، ولكن سياسة نتنياهو أظهرت شقوقاً في حلفنا الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، في السنة الأخيرة، مما يهدد إسرائيل فقدان تفوقها النوعي. 

وأضاف أن "العلاقات والتعاون الاستخباري والأمني على مستويات العمل بين الدولتين باق، بل في تحسن. ولكن نهج نتنياهو الاستفزازي للرئيس باراك أوباما وإدارته، وزلات اللسان والإهانات التي يوجهها من حين إلى آخر وزير الدفاع يعلون تمس بالذخر الأهم الذي لإسرائيل: ألا وهي العلاقات الحميمة مع الولايات المتحدة". 

ويرى الكاتب أن إسرائيل ضعفت في 2014، بسبب التدهور في العلاقات مع الولايات المتحدة، وكنتيجة لذلك، وربما بقوة أكبر، مع الدول الأوروبية، وفق الكاتب. 

وينبع هذا التدهور كما يرى الكاتب "أولاً، من عدم استعداد الحكومة للتقدم في المسيرة السلمية مع السلطة الفلسطينية، ومن توسيع مشروع الاستيطان في الضفة الغربية. مما سيقضي أيضاً على الاحتمال -وإن كان نظرياً- للوصول إلى تسوية تتشكل في جوهرها من إخلاء المستوطنات والانسحاب من الأراضي مقابل ترتيبات أمنية، وضمان إنهاء النزاع". 

ونتيجة لكل ذلك، يقول الكاتب إنه "في نهاية العام 2014، شقت السدود وحواجز الخجل. فالدول الأوروبية، بما فيها الأصدقاء التقليديون لإسرائيل مثل فرنسا، مستعدون لأن يعترفوا الآن بدولة فلسطينية، وهم لا يخشون من أن يتهموا بمواقف لاإسرائيلية أو لاسامية".

وأبدى الكاتب تخوفه من أن يزداد الأمر تعمقاً "لتصبح إسرائيل في عزلة دولية، ربما لدرجة فرض العقوبات عليها، دون أن تهرع الولايات المتحدة لنجدتها، واستخدام الفيتو".