صحافة دولية

واشنطن بوست: تنظيم الدولة فشل في إدارة "الخلافة"

واشنطن بوست: الدولة الإسلامية ليست قابلة للحياة - أرشيفية
كتبت ليز سلاي في صحيفة "واشنطن بوست" تقريراً عن فشل تنظيم الدولة الإسلامية في بناء الدولة، حيث تنهار فيها الأوضاع، وتتدهور الحالة المعيشية في المناطق التابعة للتنظيم، مما يكشف عن مظاهر القصور لديه، خاصة أنه يكرس معظم وقته وجهده للمعارك وتطبيق قيود متشددة على السكان الذين يقعون تحت سيطرته.

وتقول الكاتبة إن الخدمات تنهار فيما ترتفع أسعار المواد الأساسية، وهناك نقص حاد في المواد الغذائية في المدن والبلدات التابعة "للخلافة"، بشكل يناقض بيانات التنظيم، الذي يقول إنه يقوم ببناء دولة ونموذج للحكم الإسلامي.

ويشير التقرير إلى أن أشرطة الفيديو والمواد الدعائية، التي يوزعها التنظيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتصور مكاتب عاملة وتوزيعاً للخدمات والمواد الأساسية، تخفي واقعاً مؤلماً، وطريقة غير منظمة وشاذة في إدارة الأمور. 

وتبين الصحيفة أن التنظيم لم يف بوعوده بصك عملة خاصة للخلافة، ويقول السكان إن المدارس لا تعمل بشكل جيد، وعدد الأطباء قليل فيما يزداد انتشار الأمراض، خاصة التهاب الكبد الوبائي. وفي مدينة الموصل، ثاني كبرى المدن العراقية، لم يعد بإمكان السكان شرب الماء؛ لأن مادة الكلور المستخدمة لتعقيمه انتهت، وأصبح الطحين الضروري لصناعة الخبز نادراً في الأسواق. 

وينقل التقرير عن صحفي من الموصل قوله: "أصبحت الحياة في المدينة شبه ميتة، وكأننا نعيش في سجن كبير". وفي مدينة الرقة، التي تعد عاصمة الخلافة، لا يتوفر الماء والكهرباء إلا مدة أربع أو خمس ساعات في اليوم، فيما تتراكم النفايات أمام البيوت دون حاويات أو سلطات لجمعها. ويقوم الفقراء في البحث فيها عما يمكن أكله. أما الشوارع فيقول السكان إنها تزدحم بالباعة الذين يبيعون أي شيء تقع أيديهم عليهم. 

وتكشف "واشنطن بوست" عن أن أشرطة فيديو صورت بالسر تظهر نساء وأطفالاً يبحثون بيأس عن الطعام، فيما تظهر الصور التي وضعت على الإنترنت مقاتلين أجانب وهم يتناولون أطعمة فاخرة، وهي مفارقة تثير حنق السكان المحليين. ولا يزال معظم الدعم للسكان يأتي من جمعيات الإغاثة الغربية التي تواصل سراً دعم وتقديم المواد الإغاثية للسكان في مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية. 

وتنقل الصحيفة عن مسؤول أمريكي قوله إن الولايات المتحدة تدعم عيادات صحية، وتوفر البطانيات والأغطية البلاستيكية والمواد التي يحتاجها السكان لمواجهة ظروف الجو القاسية. ولا يزال عمال الخدمة المدنية، الذين يحافظون على ما تبقى من بنى تحتية، يتلقون أجورهم من الحكومة السورية، حيث يسافرون كل شهر لأخذ رواتبهم من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام.

ويضيف المسؤول الأمريكي أن "(داعش) لا يعرف كيف يدير المناطق، وعندما يحصل عطل يصاب التنظيم بحالة من القلق، فليس لديه المهندسون والطاقم لإدارة المدن، ولهذا فالأمور تتداعى". وهناك إشارات عن تراجع في المعنويات بين عدد من المقاتلين ممن سحقت الغارات الجوية الأمريكية آمالهم بنصر سريع وحاسم. 

ويلفت التقرير إلى أن بيانات وزعت في مدينة الرقة تدعو المقاتلين الذين يتهربون من واجباتهم للذهاب إلى الجبهات، كما شكلت قوة شرطة خاصة للبحث في البيوت عن المتهربين من الخدمة العسكرية.

وترى الكاتبة أنه ورغم ذلك فهذه ليست علامات على ثورة محتومة داخل التنظيم، فالخوف من العقوبات القاسية وغياب البديل يمنع المواطنين من رفع أصواتهم بالشكوى. ولكن تدهور الأوضاع يؤثر على ملمح مهم من ملامح مشروع تنظيم الدولة الإسلامية، ومتعلق بهوية المشروع الذي يريد إحياء "الخلافة". 

وتوضح سلاي أن الغارات الجوية الأمريكية ساعدت على وقف زخم التنظيم، وأسهمت في تراجع قواته على عدد من الجبهات من بلدة عين العرب/ كوباني شمال سوريا إلى شمال العراق والمناطق الزراعية جنوبي بغداد. وبالإضافة لهذا فشل التنظيم بتقديم الخدمات المهمة للمناطق التي لا يزال يحتفظ بها.

ويعرض التقرير لقول ناشط من دير الزور"لم يعد تنظيم الدولة وحشاً لا يقهر يستطيع السيطرة على كل شيء ويهزم الكل"، مضيفاً أن "الفكرة عنه أنه تنظيم منظم وإدارة متماسكة ما هي إلا صورة".

وتذهب الكاتبة إلى أنه في الرقة، التي سقطت قبل عام وتحولت لمهد "الخلافة"، تبدو التناقضات في الحكم بشكل واضح، فقد سافر رجل أعمال منها إلى مدينة الموصل، ولاحظ أن الأخيرة في وضع أفضل من المدينة  السورية، حيث يهجر السكان من خلال استمرار الغارات الجوية والجوع الذي يعم المدينة. 

وتذكر الصحيفة أن القصف الجوي الذي يقوم به النظام أدى إلى تدمير ما تبقى من بنى تحتية، فيما أجبرت الغارات الجوية الأمريكية تنظيم الدولة على ترك مقرات الحكومة. وفي الوقت نفسه حرمت الغارات الأمريكية السكان من مصدر رزق، عندما استهدفت مصافي نفط بدائية. 

وتبين الكاتبة أنه مهما كان الأمر، فسواء كان لدى تنظيم الدولة القدرة على إدارة الأمور أم لا، فإن سوريا تلقي بظلال من الشك على قدراته، ولهذا السبب هرب الكثير من السكان، خاصة من أصحاب المهن، تاركين الدولة دون خبرات ضرورية لإدارة المناطق.
 
وينقل التقرير عن سوريين قولهم إن إدارة الدولة تتم عبر مجموعة من أمراء وقيادات ظل، وتحتهم يأتي قادة الوسط من السوريين والمقاتلين الأجانب ممن يفتقدون -في العادة- الخبرات. ويقول عامل إغاثة سوري "أصبح تنظيم الدولة كبيراً وغير قادر على حكم نفسه"، مضيفاً أن مقاتلي التنظيم متعاونون، "لكنهم ليسوا أذكياء وغير أكفياء ولا خبرة لديهم".

وتشير الصحيفة إلى أن معظم السكان لا يعرفون عن تنظيم الدولة إلا من خلال تفاعله مع الشرطة أو مؤسسات الأمن، بمن فيها "الحسبة" التي تراقب تصرفات الناس ولباسهم. فمثلاً يقوم أصحاب المحال بإغلاق محلاتهم خمس مرات في اليوم، ساعة الصلاة، واضطر المدخنون للتوقف عن التدخين خشية العقاب. ويجري التنظيم عمليات إعدام وقطع أيدي اللصوص والمثليين الذين اتهم التنظيم برميهم من البنايات العالية.

وتستدرك الكاتبة بأنه رغم القيود كلها، فهناك الكثير من المواطنين ممن يرونها بديلاً جيداً عن الفوضى التي سادت مدينتهم، عندما سيطرت الفصائل السورية المقاتلة المعتدلة على الرقة. وتقول الصحيفة إن السوريين الذين عاشوا في ظل الأسد تعودوا على اتباع الأوامر، ومعظمهم تكيف مع القيود الجديدة.

ويقول موظف في مكتب الضريبة الحكومي إن "تنظيم الدولة ليس قاسياً مقارنة مع ما كان عليه النظام"، مضيفاً "طالما لم تفعل شيئاً خطأ حسب معاييرهم وليس معاييرنا فلن يزعجوك". لكن تطبيق القواعد يؤثر على جهود تقديم الخدمات، فعندما ذهب عمال الكهرباء لإصلاح أعمدة كهرباء تأثرت بالقصف الجوي، قام التنظيم بجلدهم؛ لأنهم عملوا في أوقات الصلاة، بحسب الصحيفة.

وتنوه سلاي إلى أن هذا كله لا يشير إلى تراجع ميزانية التنظيم، التي تقدر بحوالي 12 مليون في الشهر، حيث يواصل الموظفون عملهم وجمع الضريبة من السكان وفواتير الكهرباء والهاتف. 

وتختم الكاتبة تقريرها بالإشارة لقول حسن حسن، وهو محلل في معهد في أبو ظبي "لو لم يدفع النظام الرواتب ويستمر بتزويد الاتصالات، لما استمر تنظيم الدولة". ويقوم التنظيم بأخذ المال من السكان على خدمات يقدمها النظام مما يعني أنه "دولة ليست قابلة للحياة".