كتب
جيمس زغبي: منذ أربعة أعوام، اندلعت ثورات واسعة النطاق في تونس ومصر. وفي بادئ الأمر ارتبك المحللون، عرباً وغربيين على حد سواء. وعندما لحقت بهما ليبيا واليمن وسوريا، وُصفت الاضطرابات بأنها «ربيع عربي»، على افتراض أن ما كان يحدث في الشرق الأوسط سيتمخض عن تحولات سريعة تذكرنا بما حدث في شرق ووسط أوروبا عقب انهيار الاتحاد السوفييتي السابق.
وكان النموذج المتصور وفق مصطلح «
الربيع العربي» واضحاً بصورة نسبية. وانطلقت الشرارة في تونس لتؤجج الأحداث في أنحاء المنطقة محدثة تغيرات اجتماعية وسياسية جذرية في أعقابها، باتت بمثابة مسار ضمني من الديكتاتورية إلى الديمقراطية. وكان كثير من الخبراء متيقنين من أن ذلك سيكون طريق تقدم «الربيع العربي».
وعلى رغم هذا التصور، عندما أجرى مركز «
زغبي للأبحاث» استطلاعاً للرأي في نهاية عام 2011، وجدنا أن الرأي العام كان أقل تيقناً من ذلك، فعلى سبيل المثال عندما سألنا المواطنين في مصر وتونس والأردن ولبنان والسعودية والإمارات حول ما إذا كانوا يعتقدون أن الشرق الأوسط أصبح أفضل أو أسوأ نتيجة «الربيع العربي»، كانت الإجابات منقسمة بين مَن أكدوا أنهم شعروا بأن العالم العربي أصبح أفضل، ومَن قالوا إنه ربما «من المبكر جداً أن نحكم على التجربة»، ويعكس هذا المزيج من الأمل، وإن كان مؤقتاً، حالة عدم اليقين التي شعر بها كثيرون تجاه التغيرات في دول «الربيع العربي».
وقد أجرى مركز «زغبي» استطلاعاً آخر أيضاً في الدول ذاتها خلال الخريف الماضي، لمعرفة ما يشعر به الشعب العربي الآن بشأن «الربيع العربي». ووجدنا أنا الحالة المزاجية ساءت بدرجة كبيرة، إذ بلغ عدد مَن قالوا إن المنطقة باتت أسوأ أكثر من ثلاثة أضعاف أو على الأقل ضعفي عددهم في عام 2011. وتوصلنا أيضاً إلى أن ما كان يُتوقع أن يصبح رواية بسيطة بمسار واحد تشعبت الآن إلى لوحة أكثر تعقيداً مؤلفة من قصص فردية لكل منها طابعها الفريد. فمصر ليست تونس. واليمن ليست سوريا. وليبيا ليست أياً منها.
وعندما طلبنا من الأشخاص المستطلعة آراؤهم تقييم التطورات في الدول التي شهدت الاضطرابات، ومدى أملهم في أن كافة تلك الدول سيكون لها مستقبل أكثر إشراقاً، لم تكن النتيجة جيدة سوى في تونس. بينما اعتبر السعوديون والإماراتيون أن مصر تمضي في اتجاه إيجابي. وفي حين أن وجهات النظر بشأن المسار الذي اتخذه اليمن كان متبايناً بدرجة ما، إلا أن
استطلاع الرأي تم إجراؤه قبل سيطرة المليشيات الموالية للحوثي على صنعاء، الأمر الذي استصحب من جديد حالة انعدام اليقين. واعتبرت ليبيا أشد سوءاً مما كانت عليه قبل بدء الاضطرابات. وعبّرت الغالبية العظمى من المستطلعة آراؤهم في الدول كافة عن الخشية من أن الوضع في سوريا أو ليبيا قد لا يحل في غضون الأعوام الخمسة المقبلة.
وعلاوة على ذلك، كان من بين العوامل التي استكشفناها في استطلاع الرأي وجهات نظر إقليمية عن الصراع الدامي في سوريا، وظهور تنظيم «داعش»، ونمو سرطاني التطرف والطائفية التوأمين.
وبدا أن هناك قلقاً عالمياً من استمرار الحرب في سوريا وخوفاً أن تأثيرها على المنطقة بأسرها، ولاسيما أزمة اللاجئين المهيمنة على لبنان والأردن ونمو الانقسام الطائفي والتطرف، وخشية من أن سوريا قد تنقسم إلى كيانات طائفية مزعزعة للاستقرار. ولم تكن هناك ثقة في أن ذلك الصراع سينتهي قريباً أو بطريقة يمكن إحرازها عن طريق حل تفاوضي. وكان هناك رفض لنظام الأسد في كافة الدول باستثناء لبنان.
وثمة رفض جماعي لتنظيم «داعش» وقلق عميق من التأثير الذي سيكون لتلك الجماعة الإرهابية على المنطقة. وفي الوقت ذاته، هناك نقص في الثقة تجاه الولايات المتحدة كذلك الذي وجدناه في استطلاع يونيو الماضي، إضافة إلى ضعف نسب تأييد العرب لانخراط واشنطن في المنطقة، وهو ما قد يفضي أيضاً إلى تأييد أقل حماسة للجهود التي يقودها الغرب في مواجهة تنظيم «داعش». وفي الحقيقة كانت هناك أغلبية طفيفة في مصر والعراق لصالح دور الغرب في ذلك الصراع، في حين عارضت الأغلبية في دول مثل لبنان والأردن. وبعد مراجعة نتائج هذه الدراسة، اتضح أن المنطقة منقسمة بصورة عميقة بشأن التطورات التي حدثت خلال الأعوام الأربعة الماضية. وما بدا أنه عنوان ممكن للتقدم في بداية «الربيع العربي» أصبح «حكاية مقلقة» وخطوات كثيرة إلى الخلف وليس إلى الأمام.
(صحيفة الاتحاد الإماراتية)