ما إن ظهرت دعوات التظاهر يوم 28 نوفمبر والبدء في انتفاضة الشباب المسلم، حتى انفتح باب التخوين، فاتهم بعض معارضي الانقلاب دعوات التظاهر بأنها (شغل مخابرات)، الغرض منها إيجاد ذريعة للقتل، إلى آخر كل تلك التفسيرات التي التمس لأصحابها العذر؛ نظراً للجو الموبوء المخيم على مصر الآن.
ومن ناحية أخرى، ظهرت لهجة إعلام الانقلاب مرتعشة مذعورة، فأطلقوا عمائمهم المأجورة ومخبريهم على القنوات لشيطنة الدعوات، وخرج وزير داخلية الانقلاب ليهدد ويقول: إنهم سيتعاملون بالذخيرة الحية مع المتظاهرين، وهو تصريح لو كان صدر من وزير داخلية أصغر محمية طبيعية في أوروبا، لأُعْدِمَ على الكرسي الكهربائي.
ولم يقتصر التحريض على سفك الدماء على كبار المجرمين، بل تعدى ذلك إلى العمائم المأجورة، فخرج وكيل وزارة الأوقاف ليقول: إن إراقة الدماء حلال طالما كانت بإذن قزم الانقلاب، ولست أدري ما هو الدين الذي يستبيح إراقة دماء الناس، وما هي الدولة التي تخرج فيها عصابة من المجرمين وقطاع الطرق لتهدد الشعب على الشاشات؟
تزامن هذا كله مع حدثين اعتقد فعلاً أنهما سيغيران التاريخ في المنطقة، الحدث الأول كان فيديو نشرته جماعة أنصار بيت المقدس لعملية الهجوم على منطقة كرم القواديس، ظهر فيه المستوى المتردي الذي وصل إليه الجيش من قيادات وضباط وجنود، وهو ما لفت نظر صحيفة نيويورك تايمز، فأفردت لتلك النقطة مساحة في رصدها للحدث، وكان شر البلية الذي أضحك الجميع، هو مشهد الدبابة التي تفر فيها مجموعة من الضباط المذعورين من أمام بنادق يصوبها عليها المسلحون.
والحدث الثاني هو الفيديو الذي بثته دون قصد إحدى القنوات الموالية للانقلاب، في إطار حملتها لتسول التعاطف من الشعب على الجنود والضباط الذين قتلوا في كرم القواديس، حينما اعترفت أم أحد القتلى أن ابنها ارتكب جرائم قتل وحرق وتعذيب، واعترفت بكل ذلك على الهواء أمام الملايين، وهو ما قضى على نسبة كبيرة من التعاطف الذي سعت إليه إدارة الانقلاب!
وأهمية الحدثين، هو أن الجميع أدركوا، مدى إجرام الانقلاب، ومدى هشاشة وتردي مستوى الجيش الذي يستعرض دباباته على المواطنين، وأدرك الكثيرون أيضاً كذب كل الدعاوى التي قيلت عن اعتصام رابعة وما تلاه من مظاهرات، خلال عام ونصف، فلو كان المعتصمون، يحملون سلاحاً، لكانت جثة قزم الانقلاب عُلِّقَتْ بعد سلخها في ميدان رابعة.
دَعْم الشيخ حازم صلاح أبو اسماعيل لدعوات التظاهر، جاء في وقت حرج بالنسبة للانقلاب، وأضاف بلا شك، رصيداً جديداً للحراك مع ما له من شعبية. وتطوع قزم الانقلاب بسكب المزيد من البنزين على النار، بتصريحه الأخرق الذي يعترف فيه لوكالة فرانس 24 بأن تهجير أهالي سيناء وتدمير منازلهم والحرب التي يشنها في سيناء، هدفها تأمين الكيان الصهيوني، وهو خطأ أخرق، سيدفع ثمنه من رقبته على الأرجح في نهاية الأمر.
ومع بداية إدراك الشعب تدريجياً بأن ذلك العميل المأجور وعصابته، يعملون لخدمة نعل حذاء سيدهم نتنياهو، تصبح الدعوات للثورة الإسلامية التي لا ترفع شعاراً سوى هوية مصر الإسلامية المسروقة منذ عصر محمد علي، أمراً مقبولاً يلقى تجاوباً كبيراً بين الشباب.
وما يثير التفاؤل هو إدراك بعض عقلاء الأقباط لحقيقة أن معركة الهوية هي معركتهم، وأن انتفاضة الشباب المسلم هي انتفاضة كل المصريين، فالمهندس هاني سوريال عضو المجلس الثوري المصري أعلن دعمه لدعوات التظاهر، ومن ناحية أخرى فالشباب الذين أطلقوا الدعوات يدركون جيداً أنهم يواجهون منظومة الفساد العسكري التي عينها الاحتلال في مصر منذ انقلاب المقبور عبد الناصر، وأن الانقلاب سيستميت في الدفاع عن وجوده، ويدركون أن يوم 28 نوفمبر هو فقط بداية تصحيح مسار الثورة، وأن له ما بعده من موجات ثورية أشد من سابقتها، تهدف إلى استعادة هوية مصر الإسلامية التي سرقها جنرالات المعونة الأمريكية.