مقالات مختارة

حوائط وجدران برلين في تركيا

1300x600
نشهد الآن الذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى. كما سنشهد العام القادم (2015) الذكرى المئوية لانتصار "تشناق قلعة" والقضية الشرقية التي خططت لهدم الدولة العثمانية. وسنشهد في عام 2016 الذكرى المئوية لمعاهدة سايكس بيكو التي تسببت في تفكيك الدولة العثمانية، وتأسيس دويلات صغيرة من خلال ترسيم الشرق الأوسط وتقسيمه. 

وحينما نرى أن الدول التي فعلت بنا ما فعلته قبل مائة عام من مصائب وقعنا في حبائلها، تحاول اليوم وبعد مائة عام أن تمارس ضدنا نفس المؤامرات، فإنه يتعين علينا عندئذ إعادة قراءة التاريخ، وتفسيره من جديد.

والآن يمكننا القول، إن معاهدة "سايكس بيكو" باتت معروفة لدى الجميع، وذلك في ظل التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة. فالهدف الحقيقي لهذه المعاهدة، كان تقسيم نصيب بريطانيا وفرنسا في الأجزاء التي ستتبقى من الدولة العثمانية بعد الحرب في منطقة الشرق الأوسط. لذلك عُقدت المباحثات والمفاوضات بين هذه الدول اعتباراً من نوفمبر 2015 وحتى شهر مارس 2016، وفي نهاية الأمر تم توقيع المعاهدة في 17 مايو 2016.  

وبالتالي ستظهر قبالتنا بعض المفاجآت مع دخول المئوية الأولى لتلك الاتفاقية في العام 2016. ومن ثم علينا ألا نصاب بالدهشة إذا قُدِرَ لنا أن نرى تقسيم العراق وسوريا، وإقامة دولة فلسطينية وكردية في الشرق الأوسط، وزوال الأردن ولبنان وإقامة دويلات جديدة في شمال أفريقيا.

لذلك يتعين علينا أن نعيد النظر في العديد من الأسئلة المتعلقة بهذه المعاهدة، ومنها لماذا أخذ الإنجليز كركوك والموصل؟ ولماذا احتفظوا بفلسطين لهم ثم أعلنوا تأسيس إسرائيل؟ لأننا إذا لم نفعل ذلك نكون قد عجزنا عن إدراك روح المئوية الخاصة بالمعاهدة. بالطبع كان النفط هو بيت القصيد في الأمر.

وكانت إنجلترا حريصة كل الحرص على أن تحتفظ بالنفط في المناطق التي تسيطر عليها قدر الإمكان. وعلينا ألا ننسى مطلقا، أنهم تمكنوا عن طريق الجواسيس، من الوصول إلى الخرائط التي حدد عليها السلطان عبدالحميد أماكن وجود النفط.

وبذلك يتضح لنا أن هذه المعاهدة كانت بمثابة شرارة بدء نزيف الدماء والدموع في العالم الإسلامي، وظهور المشاكل والأزمات في منطقة الشرق الأوسط منذ 100 عام. وعلى نفس الشاكلة بدأ صراع ليس له آخر ومستمر على أشده منذ سنوات.

فالدول الاستعمارية لم يهدأ لها بال، ولم يغمض لها جفن مطلقا، وبمرور الأيام باتت تتكشف لنا إشارات ودلائل تؤكد أن هذه الدول ستستمر على نفس هذه الشاكلة لسنوات أطول قادمة.

لذلك علينا أن نلتف بقوة أكثر عمقاً وأكثر قرباً وأكثر دفئا حول مساعي تركيا الجديدة لكسر أغلال وقيود مضى عليها مائة عام، لا سيما وأنها الدولة التي لديها فرصة لتكون النجم المتلألئ في للقرن الحادي والعشرين في المئوية المقبلة.

نحطم الأغلال

جدار برلين كما تعلمون سقط في 9 نوفمبر 1989. ولقد تم إحياء الذكرى الـ25 لسقوطه هذا العام بعدد من الأنشطة والفعاليات.

وها هي تركيا التي ولدت من رحم الدولة العثمانية التي انهارت قبل 100 عام، تقوم بتدمير وتحطيم جدران كثيرة داخلها، تشبه جدار برلين، تركيا الجديدة تحطم الأغلال التي تربط قدميها وتعيق حركتها. وكانت تركيا بمنأى عن المؤامرات العالمية الجديدة التي تطورت مع سقوط جدار برلين. ولقد تم جرنا لحرب مشحونة مع منظمة "بي كا كا" الإرهابية المدعومة من الغرب الإمبريالي.

وتعرضنا لمضايقات من القواعد اللوجستية التي توفرت لـ"بي كا كا"، بالدعم الذي قدمه الديكتاتور السوري "حافظ الأسد" الذي عارض إنشاء سد أتاتورك من قبل.

لم نتمكن من رفع رؤوسنا لننظر للخارج، بسبب التحالفات والحكومات الضعيفة ومشاريع التقسيم. واليوم، تحطم تركيا الجديدة بقيادة "طيب أردوغان" و"أحمد داود أوغلو" الأغلال التي تعرقل قدميها. وتتخذ خطوات جادة لحل القضيتين العلوية والكردية.

النتيجة

الأغلال التي تم كسرها وتحطيمها، وستكتب بأحرف من ذهب في تاريخ العالم، حقيقة تركيا العظمى في مسيرتها نحو تحقيق أهداف 2023.

حتى الأمس، كانت هناك 5 حكومات فقط، هي التي تدير العالم، تتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا....وها هو نظام القرن الـ 20 الذي حددته هذه القوى، قد شارف على الانتهاء والزوال. ومع بزوغ القرن الـ 21، ظهرت 4 دول جديدة مع الصين، ستكون إضافة إلى الدول المذكورة، ستكون قوى عالمية من الطراز الأول، وهي تركيا والبرازيل والهند والمكسيك.

خاص ترجمة وتحرير – "عربي21"