كتاب عربي 21

لم تخسر النهضة وفازت تونس

1300x600
عبارة تلخص نتيجة الانتخابات البرلمانية التونسية. فعلى الرغم من تصوير إعلام الثورات المضادة لتلك النتيجة على أنها خسارة مدوّية للإسلاميين في تونس فإن الأعراف الديمقراطية تشهد أن نتيجة كهذه بهامش ضيق إلى هذا الحد يبرز أن النهضة خرجت لا غالب ولا مغلوب في الاقتراع الأول للبرلمان بعد إقرار الدستور الجديد. فلا فوزاً ساحقاً لخصوم النهضة ولا خسارةَ كبيرةَ وحصتها البرلمانية التي تجاوزت 32% تعني أنها الكلتة المعارضة الأكبر في البرلمان إن لم تشترك في الحكومة.

 ولعل النتيجة جاءت لصالح النهضة حيث أنها ستجنبها تشكيل الحكومة، فحسب الدستور الجديد ستلقى هذه المهمة الصعبة والعقبة الكؤود على كاهل نداء تونس. وأما النهضة فتعلم علم اليقين أنها إن حكمت فلن تمكن من إدارة الحكومة كما تريد فقوى النظام السابق التي مازالت تتحكم بكثير من مفاصل الاقتصاد التونسي ستفعل المستحيل من أجل إفشالها كما فعلت في حكومتي الجبالي والعريض اللتين ما تزال دروسهما ماثلة أمام النهضة في عدم القدرة على إنجاز أي فتح حكومي تنموي دون امتلاك مفاتيح ذلك الفتح في الاقتصاد والمال.

وهكذا فإن النهضة لن تخسر ما لم تكن قادرة على إنجازه بالأساس الأمر الذي سيرفع الحرج الشعبي والمسؤولية السياسية عن التخلف عن أداء "الواجب الثوري" عندما تفوز بالأغلبية وتعتذرعن الحكم ما كان يمكن أن يؤدي إلى تدمير شعبيتها في أي استحقاق انتخابي قادم في عمر الديمقراطية التونسية الغضة الطرية كأوراق تونس الخضراء.

فالنهضة الآن تتجه على الأغلب للتربع على زعامة المعارضة بعد الإشارات الأولى باستبعادها من أي ائتلاف تقوده حركة نداء تونس من خلال تصريحات رئيس الحركة الباجي قائد السبسي أن حزبه مستعد للحكم مع الأقرب له (فلا يشك أحد أن النهضة هي من حزب الأبعدين). وستوفر تلك الزعامة القوة السياسية لحركة النهضة لتضمن ضبط سير الحكومة على الصراط المستقيم الذي يرتضيه برلمان تونس وشعبها كما سيمكنها موقعها من تعطيل أي إجراء حكومي ترى فيه خروجاً عن مسار تونس الديمقراطي مسنودة من خصوم الأمس من القوى السياسية الصغيرة التي لن تدعى للحكومة وستجد نفسها مضطرة للجلوس إلى جانب النهضة على كراسي المعارضة وسيكون من الصعب عليها أمام ناخبيها أن تحارب من يفترض أنه حليفها "ضد الحكومة".

ولعل الانتصار الأبرز والذي يهم أنصار ربيع ثورات العرب الذي انطلق قطاره في تونس هو أن يروا أن هذا القطار لم يزح عن سكته كما جرى في مصر واليمن وما يجري في ليبيا. فعاصفة الثورات المضادة التي انحنت لها حركة النهضة بعدم تصدرها للمشهد يمكن أن تمر رياحها على تونس بسلام دون تدمير الثورة التونسية برمتها والانقلاب عليها بذريعة إقصاء الإسلاميين وإخراجهم من المشهد. وسيثبت هذا الانتصار منصة الانطلاق التونسية التي أطلقت صاروخ التغيير لتبقى شعلة الأمل متقدة في انتصار إرادة الشعوب ولو بعد مجاهدة ونضال؛ فحين يقول رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي: إنه لا مجال لإقصاء أحد في تونس بعد اليوم، وأن الخط السياسي لحركة النهضة والتحالفات المحتملة مع باقي الأحزاب ستكون مشروطة بتطبيق البرنامج الثوري وتحقيق أهداف الثورة، نتفاءل جميعا بأن ما لم يكن ممكنا كسبه برمته أصبح من المتاح ألا نخسره كله ونخسر معه حلمنا بوصول قطار التغيير لمحطته الأخيرة من الشام لبغداد.إذن مبروك لنا جميعا فازت تونس ولم تخسر النهضة.