كتاب عربي 21

مسيرة استعادة الثورة وكسر الانقلاب العسكري (1)

1300x600
قبيل اليوم الأول لإعلان وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي في الثالث من يوليو 2013 انقلابه العسكري على الشرعية الدستورية والمسار الديموقراطي في مصر، والتي كانت ثمرة من ثمار ثورة 25 يناير 2011، أعلن عن تأسيس التحالف الوطني لدعم الشرعية الدستورية مساء الخميس 27 يونيو 2013 وأذيع بعدها من قلب اعتصام "رابعة العدوية". 

تأسس التحالف قبل الإعلان الرسمي للانقلاب العسكري بأيام من أحزاب سياسية وشخصيات عامة وممثلين عن طلاب مصر وعمالها والنقابات والإتحادات المهنية والعمالية العمالية و نوادي أعضاء هيئات التدريس في جامعات مصر وائتلاف القبائل العربية في مطروح وسيناء والصعيد وممثلين عن الضباط المتقاعدين واتحاد شباب الثورة ومجلس أمناء الثورة.

أدرك هؤلاء أن هناك مخططاً محموماً بدأ إخراجه إلي النور بشكل تدريجي قبل الإعلان الرسمي عنه في 3 يوليو 2013 وأن عليهم التصدي للانقلاب على الشرعية الدستورية، من منطلق أن التحول الديموقراطي الحقيقي هو أحد المكتسبات الاستراتيجية  لثورة 25 يناير، وأن انقلابا على هذا المسار يعني بالضرورة انقلابا على كل مبادئ وأهداف ثورة يناير فيما بعد.

بيان التحالف التأسيسي أكد أنه "سيتولى تنسيق الجهود النبيلة الرامية لحفظ كرامة الوطن وحماية إرادته الشعبية، وإدارة الوقفات السلمية المليونية والاعتصامات في ميادين مصر بهدف التأكيد على نبذ العنف ومقاومة البلطجة وحماية مصر واختيارات شعبها".

وأوضح البيان أن سبب تكوين هذا التحالف هو إيمان أعضائه "بحق الشعب المصري الأصيل في حماية مكتسباته الديموقراطية، وحراسة ثورته المباركة التي سالت لأجلها الدماء الزكية في ثورة يناير المجيدة، في ظل ما يجري من محاولات آثمة من فلول النظام السابق وجحافل بلطجيته للانقضاض على الشرعية، مستعينين بكل أنواع السلاح الممول من رجال أعمال فاسدين سرقوا قوت الشعب".

مرت الأيام منذ إعلان الانقلاب وجرت في النهر "دماء" كثيرة ولاتزال تجري حتى يومنا هذا، من مجاز ضد الإنسانية واعتقالات وتعذيب وتكميم للأفواه ومصادرة للحريات بل تجريمها بالقانون وأحكام قضائية جائرة وتحريض إعلامي وفاشية سياسية تخون كل رأي غير رأي قادة الانقلاب العسكري. 

لم يسلم من هذه الحرب الشعواء حتى بعض من ساندوا أو دعموا أو وقفوا على الحياد من تظاهرات 30 يونيو وخارطة طريق الانقلاب العسكري التي أعلنها وزير الدفاع في بيان الانقلاب في 3 يوليو، ممن شاركوا في ثورة 25 يناير، وهو ما حدا كثيرا منهم على الاعتذار عن مشاركتهم في هذه التظاهرات وتأييدهم إعلان الثالث من يوليو 2013 بعدما تبين لهم أنه انقلاب عسكري مكتمل الأركان يحمل على أكتافه كل مكونات الثورة المضادة والنظام الفاسد القديم. 
 
ليتضح إذن لكل منصف صاحب عقل وضمير حي، عبر أحداث ومجازر ومآسي الانقلاب العام المنصرم، أن ما حدث هو بالتحديد ما حذر منه هذا التحالف الذي تأسس في السابع والعشرين من يونيو 2013.

انقلاب بقيادة جنرالات العسكر الذين حكموا مصر لأكثر من ستين عاماً منذ الانقلاب الأول على صديقهم وزميلهم وقائدهم الجنرال محمد نجيب في نوفمبر عام 1954 الذي ارتكب الجرم نفسه -من وجهة نظرهم- والمتمثل في المطالبة بالديموقراطية والحياة النيابية المدنية السليمة وعودة الجيش لثكناته والابتعاد عن الحكم والحياة السياسية. 

أياً كان تقييم البعض لهذه الديموقراطية الوليدة التي أسست لها ثورة 25 يناير 2011 اختلافاً أو اتفاقاً أو بين هذا وذاك، فالحقيقة الراسخة الجلية الآن بعد عام على الانقلاب العسكري، ويمعايير الأداء والأرقام والإنجاز في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أن هذه الديموقراطية الوليدة -على ضعفها في بداياتها- أفضل وأكفأ وأحرص على الوطن وإن إعطاءها الوقت لتنمو ويشتد عودها وترسخ قيمها وتصحح مسارها هو ما تحتاج إليه مصر لتنهض وتتقدم، وإن الانقلاب العسكري وحكم العسكر لم يأت على مصر سوى بإراقة الدماء وإشاعة الفوضى والفرقة المجتمعية وتفشي الظلم وموت العدالة وخراب الاقتصاد وعودة دولة الفساد والاستبداد العسكرية البوليسية الأمنية. 

وأياً كان رأي البعض في التحالف الوطني لدعم الشرعية الذي كان له هذا الموقف المبادر في مواجهة الانقلاب العسكري، أو كفاءة أدائه- وأنا واحد من هؤلاء الذين لهم ملاحظات في هذا الشأن، مع تشرفي بعضويتي في هذا التحالف بصفتي الشخصية العامة برغم قرار حزبي الذي أعتز بالانتماء له بالعمل على مواجهة الانقلاب خارج إطار التحالف الوطني بهدف تكوين مظلة وطنية أوسع وأشمل ينضوي تحتها كل هؤلاء الذين لم يكونوا في التحالف الوطني عند تأسيسه - إلا أن رؤية التحالف الوطني لدعم الشرعية واستشرافه الأحداث صدقت، وتضحياته الغالية وصموده غير المسبوق على مدار أكثر من عام مسجلة وحاضرة، وتظاهراته وفعالياته اليومية ومقاومته السلمية للانقلاب منذ يوم إعلانه حتى الآن هي من أربكت وعرت وفضحت جرائم هذا الانقلاب وممارساته ونواياه.

والآن بعد مسيرة عام مضى وتطورات الأحداث وانكشاف سوءة الانقلاب العسكري واتساع الرقعة النوعية للرافضين والمناهضين له، كيف نستطيع أن نطور هذا الحراك الشعبي السلمي غير المسبوق، والذي تعدى كل الكيانات السياسية والأحزاب والجبهات والتحالفات، ليتحقق هدفنا من كسر هذا الانقلاب العسكري المجرم ولنستعيد ثورة المصريين المجيدة في 25 يناير 2011 ومكتساباتها الديموقراطية  وندحر الثورة المضادة التي أتت على أكتاف انقلاب 3 يوليو 2013... هذا ما نتحدث عنه في المقالة التالية بإذن الله.