ملفات وتقارير

كيف أضحت "الدولة الإسلامية" خطرا يوحد الأعداء؟

دول عديدة تعتبر تنظيم "الدولة" خطرا حقيقيا يستوجب الدخول بتحالفات جديدة - أرشيفية
تلاقت توجهات الدول الفاعلة والمؤثرة في الملفين السوري والعراقي (على ما بينها من تناقض أيدلوجي وتنافر سياسي) على اعتبار تنظيم "الدولة الإسلامية" بعد سيطرته على محافظة نينوى وغيرها من المحافظات العراقية الأخرى، خطرا حقيقيا يستوجب الدخول في تحالفات جديدة لمواجهة أخطاره المحدقة بتلك الدول، بحسب تصريحات زعمائها وسياساتها المعلنة.

فمن جهته، هاجم الرئيس الأمريكي باراك أوباما تنظيم "الدولة الإسلامية"، داعيا إلى تضافر الجهود لاستئصال ما وصفه "بالسرطان"، والحيلولة دون انتشاره، وفي تصريح  له على خلفية ذبح أحد مقاتلي التنظيم للصحفي الأمريكي جيم فولي قال أوباما إنه "لا يوجد مكان لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في هذا العالم".

كما أن كلمة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز التي وجهها مطلع الشهر الجاري للأمتين العربية والإسلامية، تضمنت تحذيرات شديدة من خطر الإرهاب والإرهابيين، داعيا "قادة وعلماء الأمة الإسلامية إلى أداء واجبهم تجاه الحق جل جلاله، وأن يقفوا في وجه من يحاولون اختطاف الإسلام وتقديمه للعالم بأنه دين التطرف والكراهية والإرهاب"، في إشارة واضحة لتنظيم الدولة الإسلامية.

في السياق ذاته، فإن إيران تعتبر تنظيم "الدولة الإسلامية" خطرا على المنطقة كلها، جاء ذلك على لسان وزير خارجتيها، محمد جواد ظريف، خلال مؤتمر صحفي عقده مع نظيره العراقي هوشيار زيباري في بغداد الأحد، 24 آب/ أغسطس الحالي، قال فيه: "إيران تعتبر الأمن في العراق أولوية في سياستها الخارجية، والإرهاب (داعش) خطر على المنطقة بأكملها".

وعلى وقع الخطر الذي باتت جميع الدول الفاعلة على الساحتين السورية والعراقية تستشعره على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة نتيجة تهديدات تنظيم الدولة الإسلامية، فإن ثمة تحالفات إقليمية ودولية جديدة آخذة بالتشكل لمواجهة ذلك الخطر. 

وقال رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، في صفحته على "فيسبوك" إنه "يتعين على بريطانيا أن تتعاون مع دول مثل السعودية وقطر وتركيا، وربما حتى مع إيران من أجل التصدي للتنظيم المتطرف"، واصفا فكر التنظيم "بالأيدلوجية المسمومة".

وأمام تلك التحركات المحمومة والتحالفات بين الأضداد، هل بات تنظيم الدولة الإسلامية يشكل خطرا حقيقيا على مصالح تلك الدول؟ وهل يمتلك من الإمكانات والقدرات ما يمكنه من فعل ذلك أم أن ثمة تضخيما لحجمه ودوره لغايات وأغراض سياسية؟ وكيف يمكن لدول مختلفة عقائديا وسياسيا كالسعودية وإيران وغيرهما أن تدخل في تحالفات مع واشنطن وغيرها لمواجهة خطر التنظيم؟.

دعم التنظيم لتشكيل شرق أوسط جديد

تباينت الأراء والمواقف في توصيف طبيعة الدور الذي يقوم به تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق، فمن جانبه، أوضح الكاتب والأكاديمي العراقي الدكتور هيثم الهيتي، أن تنظيم الدولة الإسلامية بحسب أفكاره ورؤاه المعلنة يعتبر تنظيما إسلاميا متشددا، وهو يصدر في كل تحركاته عن رؤية استراتيجية  محددة يقوم على إعدادها وتنفيذها القائمون على شؤون التنظيم، بعيدا عن الارتجالية والعشوائية. 

ورأى الأكاديمي العراقي أن كل ما يقوم به التنظيم يخدم في المحصلة النهائية مشروع الشرق أوسط الجديد، مشيرا إلى أن التنظيم لم يُضخم إعلاميا فقط، بل تدور علامات استفهام كبيرة حول مصادر تمويله وتسليحه، حتى بات يملك معدات وآليات عسكرية متطورة جدا تمكن بها من تحقيق تقدمه الواسع والسريع.  

 وتساءل الدكتور الهيتي في إجابته عن أسئلة "عربي 21" لماذا اختار التنظيم التوجه إلى منطقة إقليم كردستان، ولم يتجه إلى المناطق الشيعية؟ ليخلص إلى القول بأن تحركاته إلى إقليم كردستان تخدم الإقليم من جهة المضي قدما في مشروع استقلالية الإقليم، مؤكدا أن دور التنظيم في خدمة  مشروع الشرق أوسط الجديد ليس من قبيل الشكوك والتحليلات، بل ثمة معطيات واقعية تؤكد ذلك من حيث مآلات الأفعال ونهاياتها.

وأوضح الدكتور الهيتي أن ما يقوم به تنظيم "الدولة الإسلامية"، يقع في دائرة الاستثمار السياسي من قبل دول محلية وإقليمية ودولية، تحسن توظيف تلك التحركات واستثمارها لتخدم سياساتها في المنطقة، ولتساهم في تحقيق استراتيجياتها المرسومة مسبقا.

وجوه استثمار الدول لتنظيم الدولة سياسيا

ما هي وجوه الاستثمار السياسي لوجود تنظيم "الدولة الإسلامية" ودوره في العراق محليا وإقليما ودوليا وكيف ساهم في توحيد الأعداء؟ 

أوضح الكاتب والمحلل السياسي الأردني، حازم عياد، أن أظهر محاولات الاستثمار السياسي تلك تتجلى في تعديل موازين القوى بين الدول المتصارعة والمتنافسة على الساحتين السورية والعراقية، كما يقع بين أمريكا وإيران تارة، وبين أمريكا وروسيا تارة أخرى، مع وجود أطراف وحلفاء آخرين كبعض الدول العربية.

وأشار عياد إلى أن وجود فاعلين خارج إطار الدول كتنظيمات وشخصيات لها حضورها وتأثيرها، أربك المشهد كله كما جرى بعد سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" على الموصل، فتنظيم الدولة قادر على تغيير المعادلات، وإعادة النظر في الحسابات والتفاهمات والتحالفات، وهو ما يجري على أرض الواقع.

وحول طبيعة العلاقة بين أمريكا وإيران في الشأن العراقي، قال عياد لـ"عربي 21" أن ثمة تقاسما للنفوذ بينهما، لكن قد تشعر كل منهما بتراجع نفوذها وحضورها الأمر الذي يستدعي ترميم التحالفات والتفاهمات من جديد للمحافظة على نفوذها في العراق.
وشرح عياد أن وجود الفاعلين خارج إطار الدول، يتيح للدول الفاعلة والمؤثرة في المشهد السياسي، استثمار أولئك الفاعلين، لزيادة نفوذها وتقويته في المنطقة من جهة، وإضعاف حضور وتأثير خصومها من جهة أخرى. 

وحول تأخر أمريكا في دعم حكومة المالكي بعد سقوط الموصل بيد تنظيم "الدولة الإسلامية"، فيما إذا استخدمته أمريكا كورقة ضغط لإسقاط المالكي كوجه من وجوه الاستثمار السياسي، قال عياد بأن أمريكا لم تقل ذلك، لكن رصد سلوكها السياسي يظهر أنها تلكأت في التدخل لدعم المالكي وتوجيه ضربة لتنظيم الدولة، ورفضت التعاطي مع حكومة بغداد، وقصرت تعاملها مع إقليم كردستان، وتوجهت لإجراء تفاهمات وتحالفات مع إيران لحملها على مزيد من التنازلات في ظل حضور تنظيم الدولة الإسلامية وقلبه لسائر المعادلات في المنطقة.   

 توجيه البوصلة لمواجهة خطر التنظيم

كيف يمكن قراءة تداعيات ما حدث في الموصل على العلاقات الإقليمية والدولية بين الدول الفاعلة على المسرح السياسي؟ 

يرى الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية والخبير في شؤون التيارات الجهادية الدكتور، محمد أبو رمان، أن ما حدث في الموصل قلب كثيرا من الرهانات الإقليمية والدولية، وأن ما جرى من استبعاد المالكي واختيار العبادي بدلا منه، هو محصلة صفقة إقليمة دولية بين أمريكا وإيران والسعودية. 

وبحسب أبو رمان، فإن تلك التفاهمات قامت على أساس أن تنظيم الدولة الإسلامية يشكل خطرا على المنطقة ومصالح تلك الدول، إيران من جهتها ضحت بالمالكي مع حماية نفوذها في العراق مقابل شخصية جديدة تحاول إدماج السنة في العملية السياسية وفق مطلب السعودية والدول العربية الأخرى.
 
وأوضح أبو رمان في حديثه لـ "عربي 21" أن تلك الصفقة بنيت على توافق في الرؤية السياسية بين أمريكا والدول العربية، تتضح معالمها في أنه لا يمكن اعتبار حالة تنظيم "الدولة الإسلامية" قصة أمنية عسكرية بقدر ما هي محصلة أزمة سياسية كان عنوانها الأكبر شعور أهل السنة بالتهميش، مشيرا إلى أن الإدراك الأمريكي تبلور مؤخرا بعد أحداث الموصل.

وفسر أبو رمان طبيعة التحالفات والتفاهمات بين دول مختلفة عقائديا وسياسيا كالسعودية والعراق بأنه يرجع إلى أن المصالح السياسية في حسابات الدول هي الأهم والأولى، فالسياسية الخارجية الإيرانية تقوم على توظيف العامل الشيعي وليس الارتهان له، وثمة فرق كبير بينهما، وكما أن الشيعة تشكل تحديا داخليا وخارجيا للسعودية، فإن القاعدة كذلك تشكل لها مشكلة إقليمية وداخلية، وقد تكون الصفقة التي تمت مرضية إذا ما تم إدماج أهل السنة في العملية السياسية في العراق. 

وحول تقديره لمدى خطورة تنظيم "الدولة الإسلامية" على الدول محليا وإقليميا ودوليا، وفيما إذا كان يشكل خطرا حقيقيا أم أن ثمة تضخيما لدوره وحجمه لأغراض ومصالح سياسية لتلك الدول، أكد أبو رمان أن الاستثمار السياسي لدور وحجم التنظيم حاضر بقوة في المشهد، فنظام بشار الأسد يهمه تضخيم التنظيم لما يمثله له من طوق نجاة له، وإيران استثمرت وجود التنظيم وربما ساهمت في تضخيمه كعدو، من أجل ايجاد قاسم مشترك بينها وبين الغربيين لمواجهة خطره، لكن التنظيم بحسب أبو رمان أصبح وحشا مفترسا، وبات يشكل فوبيا للعالمين العربي والغربي معا.