حقوق وحريات

تقرير "هيومن رايتس" عن رابعة يضع الانقلابيين بمأزق

قائد الانقلاب السيسي والببلاوي الذي أعطى الأوامر لفض اعتصامي رابعة والنهضة - أرشيفية
وضع التقرير الذي أصدرته منظمة "هيومان رايتس ووتش"، الثلاثاء، حول أحداث فض اعتصامي رابعة والنهضة وما صاحبها من جرائم مروعة، مزيدا من الضغوط على نظام الانقلاب المصري قبل ساعات من حلول الذكرى الأولى للمجزرة.

وبالإضافة إلى الحرج البالغ الذي تسبب فيه التقرير لقادة الانقلاب، فإنه أيضا يعد أول تحقيق دولي مستقل يحدد أسماء المسؤولين المتورطين في ارتكاب تلك المجزرة، ويطالب بمحاكمتهم.

وجاء التقرير-الذي يقع في 195 صفحة- تحت عنوان "حسب الخطة" أن مجزرة رابعة والقتل الجماعي للمحتجين في مصر، وأكد فيه المنظمة أن عملية الفض مثلت جريمة ضد الإنسانية، واتهمت قوات الأمن -من الجيش والشرطة- بالقتل العمد للمتظاهرين وفق خطة موضوعة مسبقا أشرف عليها قادة الانقلاب، حيث تم تنفيذ "واحدة من أكبر عمليات قتل المتظاهرين في العالم خلال يوم واحد في التاريخ الحديث".

وذكرت المنظمة الحقوقية -التي تتخذ من مدينة نيويورك الأمريكية مقرا لها- أن قوات الأمن المصرية قتلت أكثر من 1150 شخصا من المتظاهرين السلميين، خلال الشهرين التاليين للانقلاب على حكم الرئيس الشرعي محمد مرسي، وأن معظم هؤلاء الضحايا سقطوا أثناء فض اعتصام "رابعة".

تجاهل ما يسمى "إرهاب الإخوان"

وفي أول رد فعل رسمي على تقرير "هيومن رايتس ووتش"، ذلك، أصدرت الحكومة المصرية -من خلال الهيئة العامة للاستعلامات التابعة لرئاسة الجمهورية- بيانا صحفيا انتقدت فيه التقرير، واتهمت المنظمة بالتحيز للإخوان.

وقال بيان الهيئة -الذي حصلت "عربي21" على نسخة منه- إن التقرير"سلبي ومتحيز ويتجاهل العمليات الإرهابية التي ارتكبها تنظيم الإخوان الإرهابي وأنصاره قبل وخلال فترة فض الاعتصامين"، على حد زعمه، حيث اعتبرت سلطات الانقلاب جماعة "لإخوان المسلمين" تنظيما "إرهابيا" قبل عدة أشهر.

وذكر البيان أن ما أورده تقرير "هيومن رايتس ووتش" يعكس بوضوح "عدم مهنية" كوادر المنظمة، حيث اعتمدوا على "شهود مجهولين" و"مصادر غير محايدة" و"غير موثوق بها"، مؤكدا "رفض الحكومة للتقرير".

وختم البيان بالقول إن نتائج تقرير "هيومن رايتس ووتش" وتوصياته يعد استباقا لنتائج عمل لجنة تقصى الحقائق الوطنية التي شكلتها الحكومة، ويعد أيضا انتهاكا لمبدأ سيادة الدولة، و"تدخلا سافرا في عمل جهات التحقيق والعدالة المصرية، الأمر الذي ينال من استقلال ونزاهة القضاء المصري"، وفق البيان.

يشار إلى أن سلطات الانقلاب المصرية منعت وفدا من منظمة "هيومن رايتس ووتش" من دخول مصر الاثنين الماضي، قبل ساعات من إعلان التقرير، وقالت المنظمة إن هذه أول مرة تتعرض فيها لمثل هذا الإجراء الذي لم يحدث لموظفيها في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.

الببلاوي يطالب بتحقيق في أخطاء الأمن

من جانبه، قال رئيس وزراء مصر السابق حازم الببلاوي الذي أعطى الأوامر لفض اعتصامي رابعة والنهضة أنه يشعر براحة الضمير تجاه هذا القرار، بالرغم من أنه يشعر بالأسف تجاه الدماء التي أريقت فى هذه الأحداث. 

وتعليقا على تقرير "هيومن رايتس ووتش"، قال الببلاوي -في تصريحات لصحيفة "اليوم السابع" المصرية  الأربعاء- إن لديه ملاحظات على التقرير تجعله يتشكك في نتائجه. 

وحاول الببلاوي إيجاد مسافة بينه وبين القادة الأمنيين الذي نفذوا عملية الفضض، حيث قال إن "هناك فارق بين القرار السياسي الذي يتخذه مجلس الوزراء والعملية التنفيذية التي قامت بها أجهزة الأمن، فمن الناحية السياسية ليس لدى شك في أن قرار فض الاعتصام كان سليما، حيث كان مجلس الوزراء واضحا وهو يكلف وزير الداخلية بإعادة الأمن مع احترام القانون والدستور، لكن من الممكن أن تكون الأجهزة التنفيذية أخطأت أثناء تنفيذ القرار".

وطالب بإجراء تحقيقات عبر السلطات القضائية المصرية حول ما إذا كانت الأجهزة التنفيذية "خرجت عن المألوف أثناء فض الاعتصام أم لا، مشيرا إلى أن الحديث عن خطأ الأجهزة التنفيذية أثناء فض الاعتصام يحتاج إلى أدلة وإثباتات.

غير حقوقي


وهاجم مساعد وزير الداخلية لحقوق الإنسان اللواء أبو بكر عبد الكريم، تقرير "هيومان رايتس ووتش" ووصفه بأنه "غير حقوقي وغير موضوعي".

وأضاف عبد الكريم في مداخلة مع قناة "المحور" مساء الثلاثاء: "منظمة هيومان رايتس ووتش غير مهنية، وأصدرت تقريرا مسيسا انحازت فيه لجماعة الإخوان المسلمين، وتعمدت ذكر العديد من الأكاذيب والمعلومات المغلوطة"، على حد قوله.

وأشار إلى أن المنظمة تجاهلت التقارير التي أصدرتها منظمات حقوقية مصرية حول فض الاعتصامين، كما لم تلجأ أيضا إلى وسائل الإعلام المصرية التي وثقت عملية الفض.

وحول الموقف الرسمي للحكومة المصرية من هذا التقرير، قال مساعد وزير الداخلية، إن "وزارة الخارجية بالتعاون مع الهيئة العامة للاستعلامات أصدرت بيانا انتقدت فيه هذا التقرير، مطالبا الجميع بعد إعطاء الأمر حجما أو اهتماما أكثر من ذلك".

أما "المجلس القومي لحقوق الإنسان" في مصر، فدعا الحكومة المصرية إلى "تعويض ضحايا فض اعتصام رابعة الذين لم يثبت تورطهم في أعمال عنف أو الدعوة لها".

وحمل المجلس - في بيانه الذي تلقته "عربي21"- مسؤولية سقوط مئات الشهداء إلى معارضي الانقلاب، قائلا إن "الاعتصام بدأ سلميا، ثم احتضن مسلحين شكلوا خطرا على الأمن العام".

وانتقد المجلس -وهو مؤسسة حقوقية رسمية تعين الحكومة جميع أفرادها-  في بيان له الثلاثاء، عدم بدء تحقيق قضائي منذ انتهاء الأحداث، أو تشكيل لجنة رفيعة المستوى لتقصي الحقائق في وقائع العنف الشديد الذي أودى بحياة المئات من المواطنين في رابعة.

دعوى جديدة أمام الجنائية الدولية

وفي سياق ذي صلة، نقلت وكالات الأنباء عن القيادي في "الإخوان المسلمين"، محمد سودان، قوله إن الجماعة ستعتمد على تقرير "هيومن رايتس ووتش" في رفع دعوى جديدة أمام المحكمة الجنائية الدولية التابعة للأمم المتحدة.

وأضاف سودان -وهو أمين العلاقات الخارجية بحزب الحرية والعدالة- أن التقرير "جعل مهمتنا أيسر بكثير، وأصبح لدينا الآن سند قانوني دولي". 

ورفضت المحكمة الجنائية الدولية، طلبا قدمه حزب "الحرية والعدالة" الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين بمصر، للنظر في الجرائم التي تم ارتكابها خلال الأشهر الماضية من قبل السلطات الحالية، وعللت المحكمة رفضها للدعوى بأن "مقدمي الطلب لا يمثلون الحكومة المصرية.

وبالرغم من مرور عام كامل على المجزرة، إلا أن عدد شهداء فض رابعة والنهضة لا يزال حتى الآن موضع جدال، ففي حين قالت "هيومن رايتس ووتش" إنهم 817 شهيدا على أقل تقدير، قال المجلس القومي لحقوق الإنسان إنهم 632 قتيلا بينهم 8 من رجال الشرطة، بينما قال رئيس الوزراء السابق حازم الببلاوي -الذي أصدر أمر فض الاعتصام- في حوار مع قناة "إيه بي سي" الأمريكية إن شهداء "رابعة" كانوا ألف شخص، فيما ذكر موقع "ويكي ثورة" أنهم 1542 شهيدا.