صحافة إسرائيلية

الرواية الإسرائيلية لأحداث رفح وخطف غولدن

الضابط الإسرائيلي هدار غولدين - (وكالات عبرية)
نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في عددها، الجمعة، تفاصيل الأحداث وفق الرواية الإسرائيلية التي وقعت الجمعة الماضي في الموعد الذي دخل فيه وقف إطلاق النار الإنساني حيز التنفيذ، حيث سرعان ما تدهور إلى قصف إسرائيلي شديد، أودى بأرواح ضحايا كثيرة بين المدنيين في رفح.

وتحت عنوان "ماذا حصل في يوم الجمعة الأسود لرفح"، تناول المحلل العسكري الإسرائيلي عاموس هرئيل والكاتب غيلي كوهين اليوم الذي أصبح مركز الاهتمام الدولي، وفي قلب أحد التحقيقات المركزية لجيش الاحتلال الإسرائيلي عن الحرب في قطاع غزة.

وقال الكاتبان في التقرير إن قضية اختطاف كتائب "القسام" للضابط في لواء "جفعاتي" الملازم هدار غولدن، وجهد الجيش الإسرائيلي لإحباط عملية "حماس" تتعلق بعدة جوانب: "السؤال من خرق وقف النار الإنساني بين الطرفين والذي أعلن في ذاك الصباح وانهار في أعقاب الحادثة في رفح؟. العدد الكبير للقتلى الفلسطينيين (التقديرات تتراوح بين 130 – 150 قتيلا، معظمهم مدنيون). جدل استخدام نظام (هنيبال) الذي يسمح بالمخاطرة بحياة المخطوف بهدف إحباط الاختطاف نفسه".

وبدأ التقرير بعرض سلسلة الأحداث وفق الرواية الإسرائيلية أنه "قبل ليلة من التهدئة تبين للجيش الإسرائيلي أنه لا يزال يتبقى نفق هجومي لم يعالج في أطراف شمال شرق رفح. قوة من دورية جفعاتي، بقيادة قائد سرية الدورية الرائد بنيا شرال، تلقت الإذن بالتقدم إلى مسافة بضع مئات الأمتار في محاولة للعثور على فتحة النفق. وعلى حد قول ضابط كبير، فقد أنهت القوة إعادة انتشارها في آخر الظلام، أي حوالي 5:00 فجرا، قبل ثلاث ساعات من وقف النار".          

 وتابع بأن "الجنود الإسرائيليين شرعوا بتمشيطات في المنطقة، التي هي زراعية في أساسها بما في ذلك البيوت والدفيئات. بعد الساعة 8:00 لاحظ الرائد شرال حركة مشبوهة في أحد المباني في المنطقة. وشك شرال على ما يبدو بأن هذا رجل من حماس يجري مراقبة للقوات. فتشاور في جهاز الاتصال مع قادته. وحسب إحدى الروايات، التي لم تحصل على تأكيد رسمي، سمح له بفحص المبنى، ولكن الإذن حصر باستخدام النار قبل الدخول بسبب وقف النار. في الأيام السابقة، على خلفية حوادث عديدة فتحت فيها النار على جنود من داخل المنازل، استخدم الجيش الإسرائيلي نظام دخول أكثر هجومية إلى أهداف مشبوهة تضمنت نار مدفعية أو قذائف دبابات قبل التمشيطات".
 
وتوجه شرال لفحص المكان على رأس خلية صغيرة بينها قائد الطاقم الملازم هدار غولدن ورجل الاتصال الشخصي لقائد السرية العريف أول ليئال جدعوني. أما باقي القوة، بقيادة نائب قائد السرية الملازم ايتان، بقيت على مسافة بضع عشرات الأمتار من هناك، من خلف مبنى في زاوية الشارع. وأصيبت خلية رأس الحربة بنار رجال من "حماس" الذين كمنوا لها وشرال، وقتل وفق الرواية الإسرائيلية غولدن وجدعوني في المكان. وفي المعركة قتل أيضا أحد المسلحين الفلسطينيين، الذي كان يرتدي بزة (حسب إحدى الروايات، بزة الجيش الإسرائيلي).
 
وأكمل التقرير أنه بسبب النار، مر وقت إلى أن وصل الجنود والقادة من الخلف إلى ساحة الحادثة، ووجدوا فيها ثلاثة قتلى، ومرت دقائق أخرى قبل أن يتبين بأن أحدهم هو رجل "حماس"، وأن باقي رجال الخلية جروا معهم الملازم غولدن. في ذاك الوقت، لم يكن واضحا إذا كان غولدن اختطف وهو جريح أم قتيل. الجنود في المكان لاحظوا أيضا فتحة النفق التي عبرها اختطف غولدن.

وأشار التقرير إلى المقابلة التي قامت بها صحيفة "يديعوت احرونوت" الإسرائيلة والتي نشرت خلاصتها الخميس، حيث روى الملازم ايتان بأنه قرر النزول إلى فتحة النفق كي يعثر على رفيقه غولدن، ولكن في البداية لم يتلقَ الإذن من قادته. ولكن قائد لواء "جفعاتي" العقيد عوفر فنتر أقر الدخول، الذي قال لإيتان أن يلقي بقنبلة يدوية قبل أن يدخل إلى الفتحة.
وحسب ايتان، قراره - خلافا للأنظمة العملياتية التي تبلورت في الجيش الإسرائيلي على خلفية الخوف من التفخيخات في الأنفاق- لم يكن نتيجة تهور. وقال: "اتخذت قرارا عاقلا. عرفت أن النفق هو أمر لا يتم الدخول إليه، عرفت ما هو الخطر وفهمته، ولكني قررت العمل".
 
ووفق رواية ايتان، نزل ويرافقه مقاتلان آخران إلى النفق، ومشطوه في ظلام شبه تام على طول مئات الأمتار. وفي ختام التمشيط، تبين بأن هذا التفرع للنفق، الذي جزء منه حفر حتى الحدود مع إسرائيل، ينتهي في مسجد. "لم يعثر على الملازم غولدن، ولكن ايتان وجد في النفق عنصرا عسكريا يخصه ساعد في وقت لاحق في الإعلان عن المفقود كشهيد، لأنه يمكن التعرف منه على شدة إصابته".
 
وتابع: "لاحقا، دخلت إلى النفق قوة أخرى، ضمت ضباط ومقاتلين من وحدة "سييرت متكال" الخاصة. هذه القوة هي التي عثرت في النفق على عنصر آخر، أدى لاحقا إلى استكمال الصورة والقرار النهائي بان غولدن قتل، وأنه يمكن دفنه استنادا إلى ما جمع".
 
وحسب تقارير الجيش الإسرائيلي، "فإن إطلاق النار على قوة الرائد شرال وقعت في الساعة 9:16 صباحا، أي نحو ساعة وربع بعد دخول وقف النار حيز التنفيذ"، وبذلك يعتبر الجيش أن "حماس" هي من خرقت وقف إطلاق النار، وفق روايتها.
 
وقالت مصادر عسكرية لـ "هآرتس" إن استخدام "نظام هنيبال" هو الأكثر عدوانية الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي على الإطلاق. فالى جانب الوحدات الخاصة وتمشيطات قوات جفعاتي، دخل طابور من كتيبة المدرعات إلى عمق نحو كيلومتر في الأرض المبنية في رفح، في حركة سريعة. ومشط المسجد الملاصق للنفق واستخدمت النار لمنع إخراج الضابط الأسير من المنطقة.
 
ويسمح نظام "هنيبال"، وفق الصحيفة، باتخاذ سلسلة من الوسائل لإحباط الاختطاف. كما أنه يسمح بتعريض حياة المخطوف للخطر لمنع الاختطاف، ولكن هذه مخاطرة محسوبة. وأوضح ضباط كبار في هيئة الأركان هذا الأسبوع بأن النظام لا يسمح بالقتل المتعمد للمخطوف بهدف منع الاختطاف. ولكن يوجد فارق بين النظام المكتوب والعقيدة الشفوية، كما يفهمها بعض من القيادات في المستويات الصغرى والجنود. في نظر بعضهم، فإن قتل المخطوف أفضل من نجاح الاختطاف.
 
وأوضحت الصحيفة أن الهدف الأول لاستخدام النظام هو عزل المنطقة التي وقع فيها الاختطاف ومنع خروج الخاطفين منها. وفي هذا الإطار تستخدم نار مكثفة. غير أنه في معظم المناطق في القطاع قاتل الجيش الإسرائيلي بعد أن دعا السكان الفلسطينيين إلى مغادرة الأحياء. معظمهم استجابوا والمعارك دارت مع خلايا "حماس" التي كمنت في أماكن اختباء، دون تواجد مدنيين تقريبا، وفق رواية الإسرائيليين.
 
أما في رفح فقالت الصحيفة إنه حصل شيء آخر: "فقد تقدمت القوات إلى المنطقة التي لم يتم منها إخلاء المدنيين، وعندها استخدمت نار ثقيلة لعزل المكان. كما أن اضطرت إلى مساعدة جوية كثيفة أكثر من المعتاد، لأنها عملت في منطقة مهددة لم تمشط مسبقا، وتصدت لعدو انتشر في مسافات قصيرة. وعلق المدنيون في الوسط بينهما. ويبدو أن هذا هو أحد الأسباب لمعدل المصابين العالي بين 130 – 150 شهيدا فلسطينيا ومئات الجرحى، حسب مصادر في  رفح".
 
واستكمل التقرير أنه "في إطار إطلاق النار استخدمت طائرات كثيرة من سلاح الجو، نار مدفعية وقذائف دبابات. الهجمات الجوية واستخدام الجرافات دمرت عشرات المنازل في المنطقة. وبلغت مصادر فلسطينية بأن كل سيارة خرجت من المنطقة تعرضت للهجوم، وأنه قصفت أيضا سيارات اقتربت من المستشفى في المدينة. ومع ذلك، فإن الطواقم التلفزيونية التي كانت في المستشفى نفت تقريرا آخر، وكأن إسرائيل أطلقت النار على سيارات الإسعاف والطواقم الطبية في المكان".
 
وقالت الصحيفة إنه يخيل بأن جذر الأمر -الذي أدى على ما يبدو إلى الاستخدام المتطرف لـ "هنيبال" والإصابة الشديدة للمدنيين- هو في الموقف الذي تبلور في إسرائيل في العقد الأخير من قضايا اختطاف الجنود. فعلى خلفية الهزة الجماهيرية الشديدة بعد اختطاف الجنود وفي ضوء صفقات الأسرى الكثيرة التي تحرر فيها مئات الأسرى، في ظل تنازلات كبيرة نشأ إحساس أن اختطاف جندي أخطر من قتل جندي، وأنه يجب منع الاختطاف بكل ثمن تقريبا.

وبحسب الصحيفة، في الحروب السابقة كان السقوط في الأسر جزء من ثمن الحرب، في ظل العلم أنه في موعد لاحق يجري تبادل للأسرى. ولكن في المواجهات مع "حماس" و"حزب الله"، فإن التكتيكي (الاختطاف) يصبح استراتيجيا، ويملي النهج الأكثر هجومية للجيش لإحباط الاختطاف، بحسب الصحيفة.
 
وتابعت الصحيفة بأنه "حتى ساعات ما بعد الظهر من يوم الجمعة استمرت العملية في رفح، دون أن تؤدي إلى العثور على الملازم غولدن. في هذه الأثناء، نقل بلاغ إلى عائلته بأن ابنها اختطف وحالته غير واضحة. حتى ساعات ما بعد الظهر المتقدمة في السبت توصل الجيش الإسرائيلي إلى الاستنتاج، استنادا إلى العناصر التي جمعت في النفق، أن غولدن قتل في الحادثة. وبعد التشاور مع أطباء، حاخامين وخبراء في التشخيص الجنائي، قرر الحاخام العسكري الرئيس العميد رافي بيرتس الإعلان عن الضابط من جفعاتي كقتيل".
 
في تلك الساعات ترددوا في القيادة السياسية والعسكرية العليا إذا كانوا سيستكملون الانسحاب من القطاع والخروج منه حتى دون الملازم غولدن. ولكن في الوقت الذي عرف فيه الجيش بأنه قتيل، لم يعرف أبناء العائلة هذه المعلومات بكاملها، وخرجوا من نقطة انطلاق أن ابنهم على قيد الحياة. وأصبحت المأساة الشخصية للعائلة جزءا من الجدال السياسي. فقد أصدر الوزير أوري ارئيل بيانا يدعو إلى نقل النقاش عن استمرار العملية إلى الحكومة بدلا من المجلس الوزاري ووقف خروج القوات، وفق الصحيفة.
 
وقالت الصحيفة إنه بسبب تصريحات العائلة، اضطر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى تأجيل المؤتمر الصحفي الذي خطط له لنصف ساعة. وعندما خرج أخيرا إلى وسائل الإعلام أعرب عن تفهمه لألم العائلة، ولكنه شرح أيضا بأن "حياة كل جندي وجندي عزيزة عليه".  وقد فهم الأمر كتلميح بأن في نيته الانسحاب من القطاع، رغم احتجاج العائلة.
 
وأشارت الصحيفة إلى أنه في ختام حديث ليعلون مع العائلة أخذت الأخيرة بموقف الجيش، وأعلن عن أن غولدن قتل. وفي يوم الأحد بعد الظهر شيع إلى مثواه الأخير في المقبرة العسكرية في كفار سابا. وأنه بعد أقل من يومين أنهت قوات الجيش انسحابها من القطاع.

وأوضحت الصحيفة أن المعلومات التي لدى "هآرتس" عن المجريات "جزئية"، وتستند في هذا التقرير إلى مصادر من الجانب الإسرائيلي فقط"، وأن "الجيش الإسرائيلي، لا يسارع إلى التبرع بالمعلومات الكاملة عن الأحداث هناك. فالتحقيق العملياتي للأحداث بالكاد بدأ. ومن يتحدثون حاليا عن الحادثة، بالغالب بشكل عمومي فقط، هم ضباط كبار، وكذا عدة ضباط خدموا في القيادات في الجبهة. كما أن هذه الأحاديث جرت لغير الاقتباس. فالضباط والجنود الذين كانوا مشاركين في المعركة لم يتحدثوا حتى الآن في وسائل الإعلام، باستثناء المقابلات التي نشرت الخميس مع الملازم ايتان، الضابط الذي أدار المطاردة في النفق في إثر الخاطفين".

يذكر أن كتائب الشهيد "عز الدين القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس" أعلنت أنها نفذت صباح الجمعة الماضي، عملية تسلل نوعية، مستهدفة منزلا تحصنت به قوات خاصة صهيونية، بحسب ما نشر المركز الفلسطيني للإعلام.

وقالت القسام في بيان لها: "نفذنا عملية تسلل خلف القوات المتوغلة بمنطقة أبو الروس شرق رفح الساعة الـ 6:30 واستهدفت مجموعة لنا منزلا تحصنت به قوات خاصة بقذيفة تاندم، وعلى إثر ذلك قصفت قوات الاحتلال محيط المكان قبل أن تسحب آلياتها منه".

وتحدث جيش الاحتلال الإسرائيلي عن اندلاع اشتباكات عنيفة جدا قرب رفح.

وأعلن حينها متحدث عسكري إسرائيلي إن مسلحين فلسطينيين أسروا جنديا إسرائيليا خلال اشتباك وقع في جنوب قطاع غزة.