قضايا وآراء

استثمار النصر الغزي

1300x600
لا غرو في كون المعركة الغزية قد أسفرت عن نتيجة ذات وجهين متناقضين هما: النصر المؤزر في الميدان العسكري، والمأساة المروعة في حصيلة الشهداء والمصابين، والبنى التحتية، والمرافق السكنية والتعليمية والتعبدية والصحية وغيرها.

وليس من غاية هذا المقال الخوض في تحليل وتعليل كلتا النتيجيتن على الرغم من وضوحها بالنسبة للمأساة ، وإبهارها بالنسبة للنصر.

ومهما يكن من أمرفالحمد لله على ما وفق إليه من نصر مؤزر للمقاومة الفلسطنية الباسلة بكل فصائلها (الغزية) ، ورحم الله شهداءها الأبرار الذين نسأل الله تعالى أن ينير بأشلاء أطفالهم الأبرياء جناته فتزداد نورا على نور؛ فقد فدو ــ ياربي ــ بلحومهم الغضة الطرية ، وقلوبهم الصغيرة شرف أمة تعداداها مليار ونحو نصف مليار ، في رقعة غزة الضيقة مساحةالشاسعة عزةوكرامة، وبطولة ، وإباء وشمما.

فحق لكل من تحرق قلبه ، وتأججت عواطفه لما نزل بإخواتنا الغزيين من طرف ، ولما سطره أبطالهم من طرف آخر ، حق له أن يهنئ نفسه في الحينالذي يهنئ إخوانه المجاهدين الأشاوسبالنصر.

أما المتآمرون فاليوم يوم مأتهم، فنحن نعزي فيهم المذلة والمهانة اللتان فقدتا من تفخر بهم إثر ما تحقق من نصر.

 و من أجدر الأسئلة التي تحتاج الآن إلى الإجابات المتأنية العاقلة المتبصرة : كيف يستثمر هذا النصر لمسار القضية ؟ كيف تُطور المنجزات العسكرية ( ألات الحرب ) التي أبدعها العقل الفلسطيني الغزي المقاوم ، كيف تُطور لتصبح مؤهلة حقيقة لإلحاق الأثر الفعلي في العدو ، فتصبح حالة ( توازن الرعب ) حالة ملموسة قائمة ، تردع المجرم الصهيوني عن استباحة الدماء المدنية ؟ كيف تلتحم الأمة بالمقاومة الحقيقية ، فتشق لها طريق الخروج الحقيقي من نفق المذلة ، والتخلف … ؟ كيف تشترك المقاومة وكل القوى الحية في الأمة التى ناصرتها معنويا في التواصل مع القوى المدنية الحرة في العالم لبناء جبهة عالمية لنصرة الحق الفلسطيني ، وتأسيس منتديات ثقافية ، وحقوقية ، وحتى فنية، تستقطب الرأي العام العالمي نحو حق الغزيين خصوصا والفلسطينيين عموما في استرداد ما تآمر المجتمع الدولي فمنحه للشرذمة الآفاقية ؟ كيف نضمن لجهودنا هذه وغيرها من كل ممكن متاح الاستمرار ، و الوصول بها نحو أهدافها ، فلا تتوقفعند مرحلة البداية العاقبة للنصر والمأساة معا ؟

أعتقد أن من واجب أنصار القضية جميعهم أن يتضافروا على التفكير الفوري في هذا الاتجاه ، مع ما يستدعيه من أسئلة كثيرة أخرى يلدها المقام. 

سنساهم بإجابات أولية  عن بعض هذه الأسئلة حسب ما تتيحهالمرحلة الدقيقة العسيرة، التي تحرص فيها كل إرادة على  تحقيق مكاسب فتُببذل كل ما تملك من إمكانات : فكرية وسياسية ، ومادية ، واقتصادية ومصالح مفصلية في العلاقات الدولية ، وخبث ودهاء ، ونذالة. 

1 - بالنسبة للمقاوم المفاوض كلما أحسن استثمار موقعه الجديد ، كلما منح القضية مركزقوة أفضل، خاصة في معالجة الوضع المأسوي الإنساني والاقتصادي المتردي في القطاع. وهنا لا ينكر عاقل حق الحصول على الموارد المالية الكافية لمواجهة هذا الوضع، ولهم أن (يبتزوا) ويفرضوا على الجهات الدولية والمحلية ما استطاعوا للحصول على ذلك، ماداموا في موقعهم المعلوم بعد المعركة .

2- أما القوى الحية في الأمة ممن أدى واجب المؤازرة أثناء المعركة، فقد منحتهم المقاومة رصيدا معنويا نفسيا كبيرا للتفكير في المستقبل بأمل وفعالية ؛ مما قد يساعد في توضيح الرؤى إزاء كثير من القضايا والأحوال القائمة في العالم العربي؛ فمثلا تغيير الاتجاه من الصراع الطائفي الذي يُوسَع في المنطقة نحو الصراع مع العدو الحقيقي يُعد مكسبا ثمينا جدا ، يصيب المخطط الصهوني – الغربي المستعبد صهيونيا في أهم مفاصله المدمرة . وفي هذا الصدد تقع مسؤولية كبيرة على الاتجاهات الدينية والسياسية لتقيبم الموقف من هذه الزاوية ؛ فتُراجع خطابها، ومواقعها ، وسلوكاتها، ومنهجيات تعاطيها مع الوضع الخطير الذي تمر به الأمة ، خاصة إثر النتائج الوبيلة التي أسفرت عنها بعض محاولات التغيير ( الحالات : العراقية – الليبية   – السورية) فالاستغلال المر البشع للمسألة الطائفية أعطى نتائج باهرة للنواة الدولية الصلبة المخططة . و ما لم يُجابه هذا السم بحنكة ، فستبقى حظوظ الخروج من الجحيم ضيئلة جدا ، بل سوف نكون المساهمين السيئينفي تمدد البساط الجهنمي  للعدو على رقعتنا الجغرافية.

 3- أحرز الوضع الغزي مكسبا كبيرا على المستوى الدولي ، من خلال التعاطف الكبير، والمواقف الإنسانية النبيلة التي أظهرتها كثير من الشعوب في العالم ، والقادة السياسيين ، ووسائل الإعلام ، والمثقفين والفنانين . فعلينا استثمار كل هذا في بناء أقطاب ضاغطة مستقبلا لمصلحة قضيتنا ؛ وهذا من خلال التخطيط المنهجي للتواصل الفعال مع تلك القوى المؤيدة، فنوسع مداركها على الواقع الإجرامي الذي بناه الاحتلال عبر سنين في أرضنا ، فنزيح ستار الدعاية الصهيونيةالكاذبة عن الصورة الحقيقية القاتمة .

ولا شك أننا ما لم نبادر بالذكاء والسرعة اللازمين في هذا الموضوع فإن الخبث الصهيوني بآلته الدعائية الجبارة المهيمنة عالميا سوف تخطف منا ما حصلنا عليه من تعاطف نبيل ، وتحول المشاعر المتعاطفة إليها ، كما هي عادة ( اليهودي المسكين المضطهد ) عبر التاريخ.

أما الوسائل والأليات إلى ذلك فكثيرة ؛ منها الدور الوطني المُلقى على كاهل القوى الفلسطنية المهاجرة ، والموزعة عبر القارات ، بما هي عليه من مستويات علمية وثقافية رفيعة . ويمكن أن يمثل الحضور العربي الكبير نسبيا في الخارج أيضا سندا ومعاونا في هذا الموضوع . وقد يكون من ضروريات القصوى على المستوى النفسي توثيق جرائم العدو بغزة في مختلف أوعية التوثيق الممكنة لاستثمارها في مد خطوط التواصل الدولي، تطلعا لبناء قوى الضغط والمساندة . وغني عن الإشارة إلى الخدمات الكبيرة التى تمدنا بها كل منافذ التواصل عبر الانترنات،وتكنولوجيا وسائط الاتصال ( فمثلا : نسارعنا بتنظيم حملة عالمية يلتزم فيه كل منا بإرسال صورة قد تكون مصحوبة بتعليق  وتوضيح بسيط على الأقل مما حدث إلى رقم عشوائي خصوصا في الدول التي شهدت تعاطفا شعبيا مع الأحداث).وهكذا علينا أن نبدع الأساليب على الأقل في هذه المرحلة.

وفق الله المخلصين لما يحب ويرضى