كتب حسام عيتاني: كم هي مخجلة التبريرات التي تُقدم لتنظيمات مثل "الدولة الإسلامية في
العراق والشام –
داعش". كم تعكس إفلاس أصحابها والبيئات التي تحتضنهم و"الفكر" الذي يحملون.
وكم هو معيب الكلام عن "فاعلية" "داعش" وإنجازاتها التي توازن التهديد
الإيراني وترد غوائله.تنسج هذه المقولات على منوال واقعية مجتزأة تختزل الصورة الشديدة التعقيد التي ترتسم في المنطقة بعدو واحد هو النفوذ الإيراني لتبيح كل أشكال التعاون مع خصوم إيران، أو تؤجل اتخاذ الموقف الملائم حتى إشعار آخر.
عبارات مثل "الغاية تبرر الوسيلة" و"عدو عدوي صديقي" سرعان ما تبرز بين سطور المبررين لـ»داعش» احتلالها مناطق شاسعة في العراق وسورية وفرضها حكمها الاعتباطي على ملايين البشر.
هذه السذاجة بتبني ممارسات خرجت من القاموس الإنساني منذ القرون الوسطى، تصدر فعلاً عن عقول وأقلام ارتبكت فيها وعندها الأولويات وما عاد أصحابها يميزون بين الأخطار الخارجية التي تتعين مواجهتها وبين الانهيار الكارثي للمجتمعات العربية.
فما نشهده اليوم تجاوز تفكك السلطات في المشرق العربي وتشرذمها وعودة المكون الطائفي لتسيّد العملية "السياسية" أو بالأحرى الشكل الأهلي ما دون الدولتي للاجتماع السياسي في هذه المنطقة، إلى طرح أسئلة بالغة الحدة عن معنى المواطنة والتعدد في مجتمعات ودول سمتها الأساسية التوزع على انتماءات شتى منذ أن ظهر البشر على هذه البقعة من الأرض.
وتلتقي محاولات العثور على الدفاع السحري في وجه التقدم الإيراني، ولو جاء الدفاع هذا من "داعش"، مع غياب البحث عن الأسباب التي أباحت العراق وسورية ولبنان (وربما المزيد من الدول في المستقبل) أمام الهيمنة الإيرانية.
وليس سراً أن استسهال تكليف جهة على تلك الدرجة من الانغلاق والعنف التي تتميز بها «داعش» بالوقوف في وجه نفوذ طهران والدعوة إلى التفاوض مع «دولة الإسلام في العراق والشام» لأنها «باتت أمراً واقعاً لا مفر من التعايش والتعامل معه»، يخفي الكثير من الافتقار إلى أدوات المواجهة السياسية ثم الأمنية والعسكرية مع أي تغير كبير قد يطرأ في مقبل الأيام على المنطقة العربية. والأهم أنها تقدم الجبن عن مواجهة الواقع كمرشد للعمل.
والحال أننا بالمواقف هذه نعلن الوصول إلى خط النهاية لمسار طويل من تفكك الدولة وانهيار المجتمعات وتجاهل المراجعات النقدية لمآلات ومصائر وأساطير غلبت على «الوعي» العربي (حتى لا نستخدم كلمة «العقل» التي ابتذلت معانيها) وأعدته لقبول ما لم يكن ليخطر على البال قبل عقود قليلة.
هو ذاته "الوعي" الذي لم يستطع الربط بين "أفراح" الهجوم على مركز التجارة العالمي في 11 أيلول (سبتمبر) وبين الإصرار على التفجيرات الانتحارية في إسرائيل والضفة الغربية بعد الهجوم، ما أفضى إلى إدراج الانتفاضة الثانية في خانة "الإرهاب" والحاق الهزيمة التاريخية بها، وسط صمت العالم الذي هلل لها عند انطلاقتها.
وهو ذاته الذي يرى المؤامرة الشيطانية في كل تحرك ينطلق من موازين قوى شديدة الوضوح ويمتنع عن لوم الذات على الانتكاسات وعن النكوص والردة المهيمنين على الاجتماع والثقافة في عالمنا العربي.أمام واقع هذه سماته، تبدو الهجرة إلى أي مكان يحتل فيه الإنسان موقع الاهتمام هي الأمل الوحيد الذي يحرك أجيالنا الصاعدة وكل صاحب كفاءة وطموح.
عليه، ينبغي ألا نفاجأ بعد أعوام قليلة إذا وجدنا أننا نعيش في بلدان تغلب على سكانها فئتان لا ثالث لهما: كبار السن والأميون الذين تدور حروب داحس والغبراء الطائفية حولهم وبهم.
(عن صحيفة الحياة اللندنية 27 حزيران/ يونيو 2014)