مقالات مختارة

مَن خسر العراق؟

1300x600
كتب جيمس زغبي: من خسر العراق، ولماذا؟ ربما يكون هذا هو السؤال المطروح الآن في نهاية المطاف، لكنه يبدو غير دقيق، ذلك أنه يفترض أن تلك الدولة كانت في أيدينا وأننا خسرناها. والحقيقة أنها لم تكن، ولكن ذلك لا يعفينا -نحن الأميركيين- أيضاً من المسؤولية، فقد تعاملنا مع العراق بشكل بالغ السوء منذ البداية. ولم يكن غزونا مسؤولاً، وكان احتلالنا وإدارتنا للدولة كارثيين، وترك رحيلنا دون داعٍ كثيراً من القضايا الشائكة دون حلول.

وقد بنيت حرب العراق على مبررات واهية، إذ ارتكزت على أكاذيب إدارة بوش، ولم تكن الأكذوبة الأكثر شناعة هي تلك المتعلقة بمزاعم «أسلحة الدمار الشامل»، وإنما كانت التوقعات الخاطئة بأن الحرب لن تستمر سوى أسابيع قليلة، وأن تواجدنا في العراق سينتهي في غضون ستة أشهر، وأن التكلفة لن تتجاوز ملياراً أو ملياري دولار، في حين أن جنودنا سيُرحّب بهم بالورود كـ«محررين»، وأن الديمقراطية الجديدة في العراق ستكون نموذجاً يُحتذى في «الشرق الأوسط الجديد».

وفي البداية في أكتوبر عام 2003، عندما أصدرنا أول استطلاع للآراء في العراق يظهر أن العراقيين مستاؤون من سلوكنا ويريدون أن نغادر، كذبت إدارة بوش مرة أخرى. وحاولت التعتيم على نتائج الاستطلاع بأخبار جيدة عن انتصاراتنا وكيفية سير الحرب.

وبحلول 2005-2006، بدا واضحاً أننا في فوضى عارمة أكثر مما تخيلنا، وكانت جرائم سجن «أبو غريب» فضيحة صادمة للعالم، ولوثت صورة أميركا، بينما قوض الصراع الطائفي المجتمع العراقي، وهو ما أحدث موجات من تدفق اللاجئين والنزوح الداخلي، وعندئذ قرّر الرأي العام العربي والأميركي أن «الكيل قد فاض». ولكن احتدم الجدل الأميركي بين فريقين ينادي أحدهما بمضاعفة أعداد القوات، ويدعو الآخر إلى الانسحاب الفوري.

ولذا، شكّل الكونجرس «مجموعة دراسة العراق»، بقيادة بعض الساسة البارزين، بهدف إيجاد طريقة للمضي قدماً. وكان تقرير المجموعة متوقعاً بدرجة كبيرة. ولكن عندما تم إصداره، تجاهلته الإدارة، وتعاملت معه بانتقائية، فأخذت ما يروق لها ونبذت ما جاء على خلاف هواها. وكانت النتيجة زيادة الانقسام الطائفي في العراق مع ترسيخ أقدام القيادة الفاسدة.

ومن أجل تحقيق غايتها، تفاوضات إدارة بوش على «اتفاقية وضع القوات الأميركية» مع الحكومة العراقية التي طالبت بسحب القوات من البلاد بحلول نهاية عام 2011. ومن ثم اضطر الرئيس أوباما إلى تنفيذ هذه الاتفاقية.

وأثناء حملة الانتخابات الرئاسية في عام 2008، رفض أوباما الدعوات المطالبة بمجرد ترك العراق، مصرّاً على أن الولايات المتحدة يجب أن تتوخى الحذر عند الانسحاب بعد عدم المبالاة التي صاحبت الغزو. ولكن موعد الانسحاب كان قد تم تحديده بموجب الاتفاقية، وأصرّت الحكومة العراقية على احترامه. ولم يكن التحدي الذي يواجه الإدارة هو تاريخ الانسحاب، بل ما تعين علينا فعله قبل نهاية التواجد العسكري الأميركي في العراق.

وكان من بين توصيات «مجموعة دراسة العراق» التي رفضت إدارة بوش تنفيذها تأسيس «إطار أمني إقليمي». وقد كان ذلك يتطلب مشاركة من كافة القوى الفاعلة في المنطقة، خصوصاً: تركيا والسعودية والأردن والكويت وسوريا وإيران. وعلى رغم أنه كان من المحتمل أن يعارض كثير من المشاركين، إلا أن جميع هذه الدول كانت لديها مصالح وأدوار تلعبها في استقرار العراق. وعلاوة على ذلك، كانت بعض هذه القوى قد انخرطت بالفعل من أجل حماية مصالحها. وكان الغرض الرئيس من جمعها أنه سيكون من الأفضل أن تجلس على مائدة واحدة والعمل بصورة علنية بدلاً من أن يتلاعب بعضها بالأحداث من خلف الستار. لكن ذلك لم يحدث، إذ لم يقبل بوش أو أوباما ذلك التحدي.

وفي استطلاع للرأي تم إجراؤه في العراق بحلول نهاية عام 2011، كانت مخاوف الشعب العراقي واضحة. وانقسمت آراء العراقيين بشأن تواجدنا وانسحابنا، وأيّد الشيعة انسحابنا، بينما أعرب غالبية السنة والأكراد عن قلقهم من أن يتعرضوا للخطر عند خروجنا. وكانت أكبر مخاوفهم انزلاق البلاد في أتون حرب أهلية، وانقسامها على أساس طائفي، وأن تسيطر عليها إيران.

وقد كانت لدينا تحذيرات بشأن ما سيحدث، ولكننا على رغم ذلك تركنا العراق في نهاية عام 2011 في أيدي حكومة طائفية ومستبدة بشكل كبير. وفي غياب أي تنسيق أمني إقليمي، أصبحت حكومة المالكي أكثر انحيازاً للمصالح الإيرانية، وهمّشت بشكل كبير المجتمعات السنية والكردية، ممهدة الطريق لما نحن فيه اليوم.

ومن الخطأ أن يزعم منتقدو إدارة أوباما «أننا ما كان ينبغي أن نترك العراق أبداً». وقد تناسوا بذلك أننا اضطررنا بسبب «اتفاقية وضع القوات الأميركية» التي تفاوضت عليها إدارة بوش. وكذلك من الخطأ أن يدعي المؤيدون «أنه لا شأن لنا بالعراق». وشئنا أم أبينا، فقد أصبحنا جزءاً من تاريخه، وقد ترتبت حربنا واحتلالنا مسؤولية، وبعد كافة الأرواح التي أزهقت والأموال التي أنفقت، لا يمكننا ببساطة التخلي عن العراق.

ويعني ذلك أن الولايات المتحدة ينبغي ألا تلتزم بأي دعم سياسي أو عسكري لحكومة المالكي، إذ إن سياساته الطائفية هي السبب في تفجر الأوضاع في العراق. والسبيل الوحيد للمضي قدماً هو تطبيق الجزء الأخير من تقرير «مجموعة دراسة العراق» ودعوة القوى الإقليمية لمعالجة الأوضاع في كل من العراق وسوريا. وقد أصبح مستقبل الدولتين أكثر ارتباطاً، ليس فقط لأن مليشيات «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) متمركزة في كلتيهما، وإنما أيضاً بسبب أن دول الجوار الإقليمي لها مصالح مباشرة في نتائج هذين الصراعين.

ولا يمكن لأحد أن يتحمل مزيداً من تدهور الأوضاع، وعلى الجميع أن يدرك أنه في النهاية لا يمكن لاستمرار القتال سوى أن يفضي إلى مزيد من زعزعة الاستقرار والتطرف. وبالنظر إلى الواقع في العراق وسوريا، لا يمكن أن يكون هناك «منتصر ومهزوم». وعليه، لابد من إيجاد نظام جديد يضمن حقوق كافة المواطنين في الدولتين.

(الاتحاد الإماراتية)