مقالات مختارة

اختبار.. التقارب السعودي-الإيراني

1300x600
كتب عبد الله الشايجي: من ثوابت السياسة الدولية أنها متبدلة ومتغيرة ولا تعرف حلفاء وأصدقاء دائمين ولا أعداء وخصوما أبديين...السياسة الدولية ليست ثابتة على شيء بل هي مصالح تغيب عنها القيم، اذا ما قارنا المشهد الخليجي اليوم نراه يميل أكثر نحو الابتعاد عن الاحتقان والتشاؤم والصخب الذي كان سائدا خلال الأشهر القليلة الماضية وبالتحديد منذ نهاية عام 2013.

نذكر عندها بالتصعيد والخلاف والعتب السعودي الواضح تجاه الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة ورفض السعودية لمقعد في مجلس الأمن عقب التقارب الأميركي-الإيراني حول برنامج ايران النووي مع احتمال تضخيم دول مجلس التعاون الخليجي والسعودية بالتحديد من أن ذلك التقارب الأميركي-الايراني قد يقود لـ «صفقة كبرى« تصب في مصلحة ايران على حساب حلفاء واشنطن الخليجيين.

وزاد الشعور بالهجران الأميركي لدول مجلس التعاون الخليج، هو استضافة سلطنة عمان للمفاوضات السرية بين الولايات المتحدة الأميركية وايران وذلك حتى قبل انتخاب الرئيس الايراني حسن روحاني..وأعقب ذلك تهديد عُمان بالانسحاب من مجلس التعاون الخليجي اذا ما تم اعلان الاتحاد الخليجي وتأجيل النظر في الاتحاد الخليجي في القمة الخليجية في الكويت..وتلى ذلك في مارس المزيد من المواجهات بين دول مجلس التعاون الخليجي في أول انشقاق وخلافات داخلية من صنع المجلس نفسه عشية احتفال المجلس بالذكرى الثالثة والثلاثين لقيامه..والذي تمثل بسحب سفراء السعودية والامارات والبحرين من قطر احتجاجا على مواقف قطر من قضايا تراها تلك الدول أنها خالفت «وثيقة الرياض» والتدخل في شؤونها وتهديد الأمن والاستقرار في منطقة الخليج..وبالأخص موقف قطر من دعم الاخوان المسلمين ومصر بالتحديد وتغطية قناة الجزيرة..وقد تطرقنا لذلك في عدة مقالات في الوطن توضح أسباب ذلك الخلاف..وقد تم في 17 ابريل «التوصل بين دول مجلس التعاون الخليجي على آلية تنفيذ وثيقة الرياض..والاتفاق على التنفيذ الدقيق لما تم الالتزام به للمحافظة على المكتسبات والانجازات التي تحققت».

ولكن يبقى الخلاف الرئيسي وان اختلفت دول مجلس التعاون الخليجي بينيا واختلفت مع الولايات المتحدة تكتيكيا،فإن الخلاف مع ايران يبقى خلافا استراتيجياً ومحوريا واقليمياً، حيث باتت العلاقة بين طرفي الخليج أقرب ما تكون بالحرب الباردة. وأبرز دلالات الحرب الباردة بين دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة دول مجلس التعاون الخليجي وايران تنعكس على التباين في ملفات اقليمية مهمة ومؤثرة أبرزها سوريا والعراق ولبنان والبحرين واليمن وتصاعد حدة الصراع السني-الشيعي. حيث تلعب سياسات ايران دورا خاصة في سوريا والعراق ولبنان. 

لكن المشهد الخليجي اليوم يبدو أقل صخبا واحتقانا مما كان عليه قبل أشهر قليلة خلت، فهناك تقارب خليجي-خليجي، ويتزامن ذلك مع التغير في الموقف السعودي تجاه ايران وتوجيه دعوة لوزير الخارجية الايراني والاستعداد للتباحث مع ايران حول تلك الملفات المعقدة، وأتت زيارة وزير الدفاع الأميركي  للسعودية والاجتماع مع القيادة السعودية ووزراء دفاع دول مجلس التعاون الخليجي الست في جدة، بعد شهر ونصف الشهر من زيارة أوباما للسعودية ولقائه الملك عبدالله..وكذلك زيارة رئيس وزراء باكستان مؤخرا لايران ويبدو أن أميركا وباكستان لعبتا دورا في تقريب وجهات النظر بين الرياض وطهران. 

والواقع أن منطقة الخليج العربي شهدت حدثين مهمين في الأسبوع الماضي تمثلا بالموقف السعودي من ايران والآخر بتأكيدات وطمأنة الولايات المتحدة وبشكل متكرر لحلفائها في دول مجلس التعاون الخليجي بالتزامها بأمن وسلامة حلفائها في دول مجلس التعاون الخليجي، يُضاف لذلك التطور تحول التطمينات الأميركية التي تطلب من دول الخليج عبر وزير الدفاع الأميركي الذي شارك في التطور الثاني الإقليمي المهم كان عقد الاجتماع التشاوري الأول لمجلس الدفاع الخليجي المشترك في جدة في المملكة العربية السعودية بحضور وزراء دفاع دول مجلس التعاون الخليجي وبمشاركة وزير الدفاع الأميركي تشيك هيغل ضمن «المنتدى الاستراتيجي الأميركي-الخليجي» الذي طالب وزير الدفاع الأميركي بعقده بشكل دوري وسنوي في مؤتمر «حوار المنامة» في ديسمبر 2013، وذلك للتأكيد للجانب الخليجي التزامات الولايات المتحدة بأمن واستقرار ودعم حلفائها الخليجيين وأن الانفتاح الأميركي على ايران وحتى التوصل لاتفاق حول برنامج ايران النووي لن يكون على حساب الدول الخليجية، وهذا ما دأب على تأكيده المسؤولون الأميركيون من سياسيين وعلى رأسهم الرئيس أوباما في زيارته في نهاية مارس الماضي للمملكة واجتماعه مع الملك عبدالله ووزير الدفاع تشيك هيغل في الأسبوع الماضي وقبله وزير الخارجية ونائبه وحتى القادة العسكريين كرئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الأميركية الجنرال مارتن ديمسبي وغيرهم من المسؤولين، كما طالب وزير الدفاع الأميركي تشيك هيغل بالتعاون معا لمواجهة التحديات الأمنية ووعد بتزويد واشنطن لدول الخليج بأنظمة عسكرية ودفاعية موحدة والتعامل مع الدول الخليجية ككيان وكتلة واحدة، وهذا تحول استراتيجي مهم في المقاربة الأميركية مع حلفائها في دول مجلس التعاون الخليجي، وهو ما رحب به ولي العهد ووزير الدفاع السعودي الأمير سلمان بن عبدالعزيز في كلمته لتعزيز التعاون العسكري بين واشنطن ودول مجلس التعاون الخليجي نظراً للخطر الذي يحدق بأمنها. «وأمله أن يستمر هذا التعاون لما فيه مصالح مشتركة»..

كما تزامنت مؤشرات الانفتاح السعودي على ايران والتطمينات الأميركية لدول مجلس التعاون الخليجي مع بدء جولة مهمة وحاسمة بين ايران والقوى الكبرى المعروفة بمجموعة 5+1 حول برنامج ايران النووي في فيينا حيث بالرغم من صعوبة المفاوضات واستمرار الفجوة بين الطرفين وتهديدات وتحذيرات رئيس الوزراء الاسرائيلي نتانياهو من مراوغة ايران وعدم السماح لها امتلاك سلاح نووي، الا أن هناك صعوبات في التوصل لاتفاق..خاصة حول نسبة اليورانيوم المخصب الذي تحتفظ به ايران،الا أن هناك فرصة لنجاح التفاوض. 

كانت ايران على الدوام الحاضر الغائب في كل مؤتمر عن الأمن الخليجي خلال الأعوام الماضية، خاصة هذا العام، ولا شك أن هناك فرصة كبيرة اذا ما استثمرت ايران هذه الفرصة وسعت لطمأنة جيرانها في دول مجلس التعاون الخليجي ليس بنواياها وأقوالها،بل بتصرفاتها وأفعالها، فإنه يمكن تحقيق نقلة كبيرة في بناء الثقة تقلص من حجم الهواجس السعودية والخليجية. 

اذا ما تكللت المساعي على خطى العلاقات السعودية ومعها الدول الخليجية مع ايران، وحقق ذلك التقارب اختراقا وانفراجة في العلاقات المرتبكة بين ضفتي الخليج-فإن ذلك لن ينعكس ايجابا على العلاقات الخليجية وخاصة السعودية-الايرانية.

ستخضع ايران لاختبار حول برنامجها النووي ودورها في سوريا بشكل رئيسي، وكذلك دور ايران في لبنان وانتخابات الرئاسة وخاصة دور حزب الله في لبنان وسوريا، والدور الايراني في العراق والتعامل مع المالكي والموقف الايراني في البحرين وفي اليمن. لذلك ستبقى ايران تحت رقابة شديدة لتقرن الأقوال بالأفعال، فرصة الانفراجة في العلاقة بين العرب وايران ستكون عملية ربحية للطرفين..اذا ما أحسن الطرفان استثمارها وخاصة ايران...

(الوطن القطرية)