ملفات وتقارير

البرعي: "حقوق الإنسان" غير مستقل وتقاريره ركيكة

فض الجيش لاعتصامي "رابعة" و"النهضة" خلف قتلى وجرحى بالآلاف- (أرشيفية)
وجه الناشط السياسي المستقيل من المجلس القومي لحقوق الإنسان نجاد البرعي انتقادات لاذعة للمجلس، واتهمه بأنه أضر بصورة مصر في المجال الحقوقي، وقدم ذرائع متعددة لكثير من المتربصين للتدليل على أنه غير مستقل، وغير محايد؛ لنقص مهنيته في رصد حقائق الانتهاكات -على حد تعبيره-.

 ووصف في حوار مع جريدة "الأخبار" المصرية الاثنين الوضع الحقيقي لحقوق الإنسان في مصر بأن هناك مشكلات فيه، موضحا أن سببها "أننا ما زلنا نعتمد على الأمن في حل مشكلات ذات طبيعة سياسية، ويجب أن يجري حلها بين الفرقاء بعيدا عن الشرطة، إلى جانب إسراف النيابة العامة في استخدام سلطاتها في الحبس الاحتياطي إلى درجة أن الرئيس المؤقت (المعين من قبل العسكر) المستشار عدلي منصور طلب في خطاب علني يوم 26 كانون الثاني/ يناير 2014 من النائب العام، إعادة النظر في المحبوسين احتياطيا، وهو ما لم يفعله النائب العام.

وكشف أن هناك متهمين أمضوا أكثر من ستة أشهر رهن الحبس الاحتياطي، ولم توجه إليهم أية تهمة، ولم يحالوا على المحكمة، فضلا عن أن بعض المتهمين مثل علاء عبد الفتاح أحيل على المحكمة، ومع ذلك أمضى مئة يوم قبل أن يفرج عنه، دون أن يعرض على قاض، وذلك في ظل عدم كفاية السجون واكتظاظها.

ورأى أن ذلك كله يؤدي إلى فقدان شعور المواطنين بالعدالة، فضلا عن أن الصحفيين المصريين هدف أساسي للقتل والإصابة في أثناء تغطيتهم التظاهرات، ولم يجر تحقيق واحد يؤدي إلى اكتشاف القتلة.

وانتقد البرعي تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان عن انتهاكات فض اعتصامي رابعة والنهضة. وقال إن المجلس لم تكن لديه أدوات كافية تمكنه من الحكم الصحيح على ما حدث.

المجلس لا يقوم بدوره 

أشار البرعي إلى أن المجلس القومي لحقوق الإنسان لا يقوم بالدور المنوط به؛ لأن دوره لا يقتصر على رصد انتهاكات حقوق الإنسان، ولكن تقديم المشورة للحكومة، والضغط عليها لتحسين أوضاع حقوق الإنسان.

وأضاف: "مثلا، الوضع في السجون المصرية مترد للغاية، وهناك تكدس وانهيار في الأوضاع والخدمات الصحية والمعيشية، والمفروض أن يُقدِّم إلى الحكومة خططا لتقليل الكثافة في السجون عن طريق الحد من حالات الحبس الاحتياطي، والعقوبات القصيرة المدى، فضلا عن تقديم مشروع بلائحة جديدة للسجون، تساعد على احترام أكثر لحقوق المحجوزين، وأن يعمل بكل الطرق بما فيها الضغط السياسي مع النائب العام ووزارة الداخلية ورئاسة مجلس الوزراء والبرلمان، إن وجد، ولكن هذا لم يحدث!".

وقال: "عندما قبلت عضوية المجلس، اشترطت على الحكومة ثلاثة شروط؛ هي أن تقوم بتعديل قانون العقوبات والإجراءات من أجل تسهيل ملاحقة المتهمين بالتعذيب، وتعديل قانون المجلس القومي لحقوق الإنسان بما يسمح له بأن يكون أكثر فاعلية في الوصول إلى المعلومات التي تساعد على كشف انتهاكات حقوق الإنسان، ودعم خطط مكافحتها، واستقبال المقررين المتخصصين لمناهضة التعذيب، وحرية العقيدة، والتعبير".

وزاد: "أخبرني محمد فايق رئيس المجلس أن رئيس الوزراء السابق د. حازم الببلاوي وعده بأنه سينفذ تلك الشروط الثلاثة فورا، ولكن مرت ستة أشهر أخبرني بعدها فايق بنفسه أننا لن نحصل من حكومة الببلاوي علي أي شيء".

وذكر أن من الأسباب الرئيسية للاستقالة "ركاكة" التقارير والبيانات التي تصدر عن المجلس، وافتقارها للحد الأدنى من المهنية، فضلا عن الارتباك الظاهر في مواقفه لدرجة أنه رفض أخذ موقف حاسم من عمليات التسريب للمكالمات التليفونية والاحاديث الصحفية التي أصبحت شائعة في الفترة الأخيرة، وأدت إلى انتهاك واسع للحق في الخصوصية. 
 
انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان

وحول وضع حقوق الإنسان في مصر، قال البرعي إننا لو لخصناه لقلنا إن هناك مشكلة في مرفق العدالة، وهي المنوط بها الحفاظ على حقوق الإنسان، والدفاع عنه.

وأكد أن الحل يتلخص في إعادة وضع سقف زمني للحبس الاحتياطي؛ بمعنى أنه لا يجوز للنيابة أن تحتجز المتهم أكثر من ثلاثة أشهر، فإما أن تفرج عنه، أو تحيله على المحاكمة، ثم تشكل لجنة مستقلة للتحقيق في ادعاءات التعذيب، واستعمال القسوة التي تثار ليس فقط في الفترة من 30 يونيو، ولكن منذ 25 يناير 2011.

وأوضح "نريد أن تبدأ الرئاسة الجديدة صفحتها، وهي بيضاء من أية شوائب تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، وكذلك أن يصدر الرئيس المؤقت عدلي منصور تشريعا يجعل من حق المجني عليه أن يرفع قضية مباشرة إلى المحكمة في قضايا التعذيب، واستعمال القسوة، وإصدار قانون لحماية المبلغين والشهود، وقانون للحصول على المعلومات.

واستطرد: "أخيرا، إنهاء المفاوضات بشأن افتتاح مكتب للمفوضية السامية لحقوق الإنسان في مصر؛ لأنه من العيب أن يكون للمفوضية مكتب إقليمي في بيروت، وليس لها مكتب إقليمي في القاهرة". 

وأقر البرعي بأنه عندما كان عضوا في المجلس القومي لحقوق الإنسان، وردت شكاوى إلى المجلس بخصوص انتهاكات في السجون، ولم يأخذ بها المجلس بجدية، بل بالعكس لم تكن بعثاته لزيارة السجون منظمة، و"تصريحات أعضائه كانت تفتقد للمهنية"، وهذا واضح في تقاريرهم عن تقصي الحقائق في فض اعتصام "رابعة العدوية". 

تقرير "رابعة" يفتقر للمهنية

وأضاف البرعي في حواره مع "الأخبار": "لم يتم سؤال وزارة الداخلية، ولم يتم سؤال النائب العام، ولم يتم سؤال أهالي الضحايا والشهداء والمصابين، ولم يتم إلا الاستناد إلى بعض صور الفيديو من موقع يوتيوب، وأرقام الضحايا منها اختلاف من أين أتوا برقم 006 ضحية، الرقم الرسمي 345، وموقع "ويكي ثورة" يشير إلى رقم ألف ضحية".

وتابع: "لم تنتقل لجنة من المجلس لسؤال الضحايا، وتوثيق شهاداتهم بالفيديو أو بالتسجيل، علاوة على أنهم تكلموا عن أن الممر الآمن لم يكن آمنا، وأن المواطنين قبضوا على من حاول استعمال طرق أخرى وسلموهم للشرطة، ولم يوضحوا هل كان هناك ممر بديل؟ وماذا حدث للبشر الذين سلموا للشرطة؟ وهل كان للقبض على بعض من حاول استعمال الممر الآمن أثر سلبي في باقي المعتصمين، ودفعهم إلى عدم مغادرة الاعتصام أم لا؟".

ومضى: "لم يوضح المجلس القومي لحقوق الإنسان مثلا هل كان اتخاذ قرار الفض ضروريا؟ وهل كان نتيجة تعرض بعض الناس داخل الاعتصام للاحتجاز من قبل بعض المعتصمين، أم أنه كان يمكن استخدام بدائل تقلل من احتمال الفض بالقوة، ولماذا لم تُستخدم؟".

وتابع: "هناك عشرات الملاحظات التي تؤكد أن المجلس القومي لحقوق الإنسان لم تكن لديه أدوات كافية تمكنه من الحكم الصحيح على ما حدث، ويبقي السؤال: لماذا لم يتركوا هذا الأمر إلى اللجنة التي شكلها الرئيس المؤقت لتقصي الحقائق عن كل ما حدث منذ 30 يونيو حتى الآن؟ ولماذا الاستعجال والقفز فوق هذه اللجنة الرئاسية التي تملك من الصلاحيات ما لم يملكه هذا المجلس، وتستطيع إصدار تقارير بشكل أفضل، واكثر مهنية؟".

"رابعة" مشكلة سياسية

وأكد البرعي أن المشكلة ليست في اعتصام رابعة "الذي أرى أنه كان يحض على العنف والكراهية، ويؤدي إلى آثار شديدة السلبية في السكان، لكن أرى أنه كان يجب إعطاء وقت أطول قبل فض الاعتصام، مع الاستمرار في الجهود السياسية؛ لأن الشرطة المصرية لا يجب وضعها دائما في فوهة المدفع، وتحميلها وحدها كل المشكلات التي يتسبب فيها السياسيون الذين لا يستطيعون حلها؛ ذلك أن الشرطة المصرية ما تزال في مرحلة إعادة البناء، وعلينا جميعا أن نكف عن التستر وراءها، وتحميلها وحدها مسؤولية إخفاقنا".

واعتبر أن مشكلة "رابعة" كانت سياسية، وظلت كذلك، وأنه كان يجب إعطاء وقت أكبر للجهود السياسية، وقلت لوزير الداخلية: "ها تفض رابعة ها يبقي عندك خامسة، وسادسة وسابعة وثامنة"، والحل أن يجري حصار هذه البؤرة، ويجري تصفيتها بشكل هادئ، وعلى فترة أطول، فلا أريد للشرطة هذه المرة أن تتحمل المسؤولية وحدها، ولا بد من أن نسلم بأن الشرطة غير مدربة على مواجهة مثل هذا الظرف الاستثنائي؛ لأن المظاهرات هذه المرة كثيفة ومتلاحقة وفي أماكن متفرقة على مستوى الجمهورية، ومهما كانت كفاءة وقدرة الشرطة فهذا يؤدي إلى إنهاكها، ولفت نظرها بعيدا عن مهمتها الأساسية في حفظ الأمن الجنائي.

شروط المصالحة 

وحول إمكان المصالحة بين النظام والإخوان، قال البرعي إن المصالحة تقوم على ثلاثة أركان؛ أولها: أن تعترف الدولة بأنها مسؤولة عن كل انتهاكات حقوق الإنسان منذ عام 1981 حتى الآن، وأن يعتذر الرئيس الجديد للمصريين باسم الدولة المصرية عن كل هذه الانتهاكات، وأن يتم الاتفاق على إجراءات وقوانين تمنع ارتكابها من جديد.

وأضاف: "ثانيا: أن تقوم الدولة بتعويض مادي أو معنوي وفقا لإمكاناتها لكل ضحايا الانتهاكات منذ 1981 حتى الآن سواء بإطلاق أسماء الضحايا على مدارس، ومستشفيات، وميادين، وطرقات، أم بنصب تذكاري هائل تدون عليه أسماء الضحايا، وغير ذلك".

وتابع: "ثالثا: طي صفحة الماضي بكاملها، وإصدار عفو عام عن كل المتهمين والمشاركين في هذه الانتهاكات منذ عام 1981 حتى الآن، وتكون المصالحة شاملة، وهذا مذكور في القرآن الكريم، لأن وليّ الدم من حقه أن يصفح، والدولة هي ولية الدم، وأنا أقول بتعويض الضحايا ماديا ومعنويا، والعفو عن المتهمين، وإغلاق صفحة الماضي الأليم المفجع، كما فعلت الجزائر، وأن نضع القوانين والإجراءات التي تمنع تكرار هذه الانتهاكات".

ورأى البرعي -أخيرا- أن المجلس القومي لحقوق الإنسان في وضع صعب للغاية، مما لا يشجع كثيرا من المؤسسات الحقوقية الكبرى على التعاون معه.

ولفت إلى أنه لا يستفيد من المعلومات المتوافرة لدي هذه المؤسسات، وأن حركة حقوق الإنسان في مصر، سواء المجلس القومي لحقوق الإنسان أم غيره من الكيانات تحتاج إلى إعادة نظر في استراتيجياتها، والحاجة إلى استراتيجيات وأفكار وطرق وأدوات جديدة.

وقال: "وفقا لقانون الأحزاب فإن حزب الحرية والعدالة ما يزال حزبا شرعيا ومسجلا؛ وبالتالي من حقه نظريا أن يطرح مرشحين لانتخابات مجلس النواب".