كتب حازم صاغية: حقق «حزب الله» انتصاره في
يبرود بعد انتصاره في القصير. هذان انتصاران غير مشكوك فيهما ولا مطعون.
في 2000، عند تحرير
الجنوب من الاحتلال
الإسرائيلي، وُجد من يذكّر بأن إيهود باراك، رئيس الحكومة يومذاك، كان مَن تقدم إلى الانتخابات العامة ببرنامج أبرز بنوده الانسحاب الأحادي من لبنان. وقد قارن الحسابون أعداد الإسرائيليين الذين سقطوا على يد «حزب الله» على امتداد مقاومته فوجدوهم أقل من أعداد ضحايا السير عندهم.
في 2006، وعلى رغم تسمية ما حصل «نصراً إلهياً»، ظهرت وجهتا نظر وجيهتان، واحدة تقول إن إسرائيل هي التي انتصرت بدلالة القرار 1701 الذي أقفل جبهة الجنوب، وهذا هو مطلبها السياسي الأساسي، والثانية ترى أن الدولة العبرية لم تُهزم إلا بمعنى أنها لم تنتصر، كما كانت تفعل في السابق. وبدا هذا القول بمعيارين للانتصار والهزيمة مهيناً بما فيه الكفاية للمنتشين بـ «نصر إلهي».
بعد حين، ولا سيما منذ الهجوم على بيروت في 2008، تأكد أن حدثاً يفجر العلاقات الأهلية في جبهة «المنتصِر» لا يمكن أن يُعد انتصاراً.
اليوم، في يبرود بعد القصير، لا لبس ولا التباس. الانتصار قاطع. فعلاً «لن تُسبى زينب مرتين».
تشي المقارنة هذه بطبيعة «حزب الله» كطرف مُعد للقتال الأهلي– الطائفي الذي تتقاطع نتائجه مع مصالح أنظمة بعينها، فيما إعداده لقتال إسرائيل استطرادٌ على هذه الوظيفة. صحيح أن الاستطراد سبق الأساس زمنياً، إلا أنه كان يهجس به منذ اليوم الأول، ففي سياق قتاله إسرائيل فتك حلفاء الحزب بالمقاومة «السنية» الفلسطينية وبالمقاومات غير الشيعية اللبنانية. وعلى الدوام تواصلت العلاقات الطيبة بين الحزب «المناهض لأميركا وإسرائيل» وقيادات شيعية في العراق أوصلتها الولايات المتحدة إلى حيث حلت وحكمت. وما لبث أن تبين، لا سيما بعد 2006، أن بيروت هي الوجهة وهي القصد، على ما انكشف بعد عامين.
بمعنى آخر، حين كان الحزب يقاتل إسرائيل، نزولاً عند إملاء إيراني– سوري، كان يهجس بتعزيز الشوكة الطائفية في لبنان، وبخدمة نظامي طهران ودمشق في إحكام القبضة على المشرق. لقد كان ذلك القتال التمهيدَ الضروري لهذا القتال، إذ مع اختلاف الأحوال، ومع تصديع النظام السوري على يد ثورته، فرضت الأخيرة على الحزب أن يكشف حقيقته المخبأة في قتال إسرائيل.
لكن السوريين الذين انهزموا في القصير ويبرود، يجدون في اللبنانيين، بمن فيهم المنتصر «حزب الله»، شركاء في هزيمتهم، وهذا في أغلب الظن ما سوف يظهر في المدى المتوسط.
ليس المقصود هنا الإرهاب المجرم الذي قد يتعرض لازدهار نمَّتْ عنه العملية الأخيرة في النبي عثمان، ولا الرواية الشائعة عن انتقال مقاتلي «النصرة» إلى لبنان بعدما قالت رواية «حزب الله» إن الذهاب إلى سورية يراد به منع قدومهم إلى لبنان، وليس المقصود أيضاً ما يجري حول عرسال، المتهمة بإيواء الإرهابيين، وما يجري في طرابلس من حروب أهلية سنية– شيعية صغرى يؤججها الانخراط العسكري في سورية.
المقصود، فوق ذلك، وإلى ذلك، ما بشرَنا به البيان الوزاري الأخير من التحول غابةً يحق فيها لـ»المواطنين» أن يقاوموا. وهكذا تتحول الدولة والقانون والأمن عبثاً محضاً تحت وطأة تعميم «حزب الله» انتصاراته التي لا تكون واضحة جداً وصريحة جداً إلا على طائفة أخرى.
(الحياة اللندنية)