لأن الجلسة الأولى من
محاكمة الرئيس
مرسي تحولت إلى مهرجان لفضح الانقلاب، ثم جرى تأجيل الجلسة التالية بحجة واهية (الأحوال الجوية) خشية التأثير على استفتاء الدستور، وفي الجلسة الجديدة (أمس الثلاثاء)، تفتق ذهب الانقلابيين عن فكرة "عبقرية" مفادها وضع المتهمين في قفص زجاجي يتواصلون من خلاله مع هيئة المحكمة عبر "الميكروفون"، وذلك حتى لا يكون بوسعهم توصيل صوتهم للناس.
وقد حدث ذلك رغم أنه لم يُسمح لأية جهة إعلامية غير
التلفزيون المصري بنصب كاميراتها في القاعة.
كان الوعد بأن يتم بث المحاكمة على الهواء، مستندين إلى تغييب مخاوف صوت الحق ممثلا في مرسي وإخوانه، لكنهم تذكروا أن الصورة قد تحمل بعض الرسائل والشعارات أيضا، كما تعكس شموخ الأحرار، فكان أن سجلوا المحاكمة، ثم بثوا منها ما يناسبهم منها فقط، ممثلا في تلاوة لائحة الاتهام البائسة.
وكما كانت عناوين التهم السابقة بائسة ومخزية (التخابر مع حماس وحزب الله مثالا)، فإن التهمة التي كانت عنوان محاكمة الأمس كانت أكثر إثارة للسخرية أيضا، وهي الهروب من سجن وادي النطرون إثر سقوط حسني مبارك.
هل ثمة ثورة في الأرض تحاكم رموزها على خروجهم من سجن الطاغية الذي ثاروا عليه. وإذا كان الرجل مجرما بهذه التهمة، فكيف تسنى له أن يرشح نفسه للرئاسة، ثم يفوز ويصبح رئيسا؟ ألا يؤكد ذلك بكل وضوح أن ما جرى في 3 يوليو كان انقلابا بكل ما في الكلمة من معنى، خلافا لمنطق الثورة الأصيلة التي لم ترَ في خروجه أو هروبه من السجن جريمة؟!
من المؤكد أن مشهد المحاكمة بالصورة المسجلة (وليس المباشرة)، وليس بالصوت والصورة يمثل فضيحة للانقلاب وأهله، في ذات الوقت الذي يؤكد أنه يخشون صوت الرجل المدوي بالحق، ويخشون صوت إخوانه.
والحال أن الأمر يتجاوز ذلك إلى الرعب مما يمكن أن يقوله مرسي ويفسد عرس الانقلاب، فالرجل لم يقدم روايته لما جرى حتى الآن، لا هو ولا حتى المقربين منه، وجميعهم معزولون عن العالم الخارجي وتمنع زيارتهم، لكن من فرَّ منهم قدم جزءا من الرواية على سبيل المثال، وأهم ما فيها أن السيسي أقنع مرسي بأن ما قدمه في خطابه الأخير من تنازلات بشأن تغيير الحكومة وتعديل الدستور، وتقديم الانتخابات البرلمانية تمهيدا لرئاسية يُعد كافيا، وبالطبع كي يتوفر المبرر للانقلاب بعد تحذير الجيش.
على أن مرسي يملك معلومات أكثر من ذلك، وهذا هو السبب الكامن خلف عزله عن العالم الخارجي، وبالتالي المخاوف من التخلص منه بطريقة أو بأخرى، إذ أن بوسعه أن يقدم رواية كاملة عن القضية من مبدأها حتى منتهاها، وكيف كانت مسيرته طوال الوقت هي استرضاء الجيش، وكيف عمل جهاز الأمن ضده طوال الوقت.
من أجل ذلك كله خشي القوم من صوت الرجل، وحشروه في صندوق زجاجي، فالعرس يكاد يقترب من الاكتمال، وها إن الزعيم يُرفع إلى رتبة مشير لكي لا يكون هناك من هو أعلى منه رتبة، ولكي يترشح بعد ذلك للرئاسة بعد استقالته من منصبه، ويفوز بشكل كاسح (إن لم يكن بالتزكية)، بل إن فريقه الرئاسي قد بات معلنا أيضا، بحسب الأهرام، حيث يتشكل من عمرو موسى للشؤون الخارجية، وعدلي منصور للشؤون القانونية، وحمدين صباحي للشؤون الداخلية، وقيل العدالة الاجتماعية، مع أن منطق السيسي منطق رأسمالي، بل نيو ليبرالي (قال إنه مقتنع بأن على مستقبل المكالمة أن يدفع، وليس المرسل فقط)!!
هكذا تكتمل الحكاية، فالرئيس هو السيسي، وبعد الانتخابات الرئاسية سيجري ترتيب انتخابات مجلس الشعب، وسيجري ترتيب مجلس عماده الفلول والمليارديرات، مع نكهة حزبية معارضة، وبعض مشايخ حزب النور، وجميع هؤلاء مجرد نكهات لن يؤثروا على مسيرة الرئيس الملهم.
بمرور الوقت سيتأكد الجميع من المسار الجديد، وعنوانه دولة بوليسية تهون معها دولة مبارك، ما سيدفع شرفاء مصر إلى التوحد من جديد في مسيرة نضالية تستعيد ثورتهم المسروقة.
لن تكون الرحلة سهلة بسبب خلل ميزان القوى لصالح السلطة التي تملك الجيش والأمن والقضاء والإعلام، وبسبب ارتباطها بأجواء عربية وإقليمية ودولية؛ تبدو إلى الآن مناسبة للانقلاب، لكن نهايتها معروفة مهما طال الزمن.