سياسة عربية

مرشح رئاسي جزائري: لست مع الدولة المدنية أو العسكرية.. وفرص نجاحي كبيرة

بلقاسم ساحلي قال إن "هناك مؤشرات على انفتاح المجال العام بالجزائر منذ عدة أسابيع"- عربي21
قال مرشح الانتخابات الرئاسية الجزائرية، ومساعد وزير الخارجية السابق، الدكتور بلقاسم ساحلي، إنه "ليس مع الدولة المدنية، ولا الدولة العسكرية؛ فالدولة التي ترشحنا من أجلها هي الدولة الدستورية والمؤسسية"، مؤكدا أن "فرص نجاحه في الانتخابات الرئاسية كبيرة"، وفق قوله.

ودعا، في مقابلة مصورة مع "عربي21"، إلى "تعزيز دور المؤسسة العسكرية الجزائرية في مسار (صناعة) القرار الوطني وليس في (اتخاذ) القرار الحزبي أو السياسي".

وأكد ساحلي، وهو رئيس حزب التحالف الجمهوري الجزائري، أن "الطبقة السياسية كانت غائبة أو مُغيبة لسنوات، وهذا ما جعل إعلان ترشحنا باسم (تكتل أحزاب الاستقرار والإصلاح) يلقى صدى إيجابيا لدى الأوساط الإعلامية والسياسية والشعبية".


ورفض قول البعض بأن الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة دليل على وجود صراعات داخل الدولة العميقة وأجنحة العسكر، قائلا: "علينا ألا ندخل في سيناريوهات وهمية عن صراعات مفتعلة بين أجنحة السلطة كما يُقال؛ فهذا الكلام يروج له عشية كل انتخابات، ثم تمر الانتخابات بشكل عادي ومقبول".

وذكر ساحلي أن "هناك مؤشرات على انفتاح المجال العام لاحظناها قبل عدة أسابيع، مثل الانفتاح الإعلامي والسياسي"، مُشدّدا على أن "الأصوات التي تطالب الرئيس عبد المجيد تبون بعدم الترشح لولاية ثانية لا تؤمن بالديمقراطية؛ فلا ينبغي أن أسمح لنفسي بالترشح وأمنع الآخرين من هذا الحق".

وفي 20 نيسان/ أبريل الماضي، أعلنت سبعة أحزاب سياسية جزائرية عن تأسيس تكتل سياسي جديد تحت مسمى "الاستقرار والإصلاح"، لخوض الانتخابات الرئاسية المبكرة المقررة في السابع من أيلول/ سبتمبر المقبل.

وقرر التكتل الجديد اختيار ساحلي كـ "مرشح توافقي"، لافتا إلى أنه يسعى إلى تحقيق "جملة من الأهداف" من بينها "ترقية الحوار الوطني وتهيئة المناخ المناسب لإنجاح الاستحقاق الرئاسي القادم، وبلورة رؤية مشتركة حول مختلف المستجدات الوطنية والدولية".

وفيما يلي نص المقابلة المصورة مع "عربي21":

كيف تنظر لردود الفعل التي أعقبت الإعلان عن ترشحكم لانتخابات الرئاسة المقبلة في الجزائر؟

بدون مبالغة هي ردود إيجابية جدا، وربما مفاجئة لي على المستوى الشخصي؛ والسبب هو أن الساحة السياسية عموما، والمواطنون على وجه الخصوص، كانوا في انتظار تحرك الطبقة السياسية؛ فالطبقة السياسية -كما تعلم- كانت غائبة أو مُغيبة لسنوات، وهذا ما جعل إعلان ترشحنا باسم "تكتل أحزاب الاستقرار والإصلاح" يلقى صدى إيجابيا لدى الأوساط الإعلامية والسياسية والشعبية.

لكن كيف تردون على الانتقادات التي وُجّهت لك شخصيا ولتكتل "الاستقرار والإصلاح" الذي أعلن قرار ترشحك للانتخابات؟

نحن في ممارسة ديمقراطية، وبالتأكيد نقبل الرأي والرأي الآخر، ونرى أن مَن لا يعمل هو فقط مَن لا يتلقى الانتقادات، وبالنسبة لنا إن كانت هناك انتقادات جادة وموضوعية ومؤسسة فسنجيب عليها، أما إن كانت انتقادات فارغة، مثل التي تملأ مواقع التواصل الاجتماعي، ولا تقدم ولا تؤخر فلا نعيره اهتماما.

خطنا السياسي واضح، وثابت، ومواقفنا معلنة، وما نقوله في الجلسات المغلقة نقوله في العلن، ولا ننافق سياسيا مثل بعض الأحزاب أو بعض التيارات، ولهذا نتلقى انتقادات من هنا وهناك، ولكن هذه الانتقادات لا تعيقنا عن طرح تصوراتنا بقوة وبجرأة وباحترام الجميع.

لو تحدثنا عن علاقتكم بالسلطة الحاكمة والجيش والتيار الإسلامي؟

العلاقة عادية؛ فهي علاقة رجل سياسي ومسؤول سابق في الدولة، ورئيس حزب.. علاقة مبنية على أساس القانون، والاحترام المتبادل سواء مع مؤسسات الدولة السياسية أو غير السياسية، وكذلك العلاقات مع شركائنا من الأحزاب السياسية سواء من الأغلبية الرئاسية أو ما تسمى "أحزاب الموالاة" أو المعارضة البرلمانية، أو الأحزاب التي كانت تنتمي إلى ما يسمى بـ "قطب البديل الديمقراطي" وهو ذلك القطب الذي كان ينشد مرحلة انتقالية، ومجلسا تأسيسيا، وهو ائتلاف كان مضادا لرؤيتنا لتجاوز الأحداث الاستثنائية التي عاشتها بلادنا في عام 2019؛ فقد كانت رؤيتنا آنذاك هي الإبقاء على خيار الحل الدستوري الانتخابي.

نحن نتشاور مع جميع مؤسسات الجمهورية، كما نتشاور مع جميع الأحزاب السياسية دون استثناء؛ فمنذ عقد المؤتمر السادس للحزب (قبل أكثر من عام تقريبا) أطلقنا مبادرة، ونداء للحوار الوطني، ومن خلاله التقينا بأكثر من 25 حزبا سياسيا، منها الأحزاب المشكِّلة للحكومة، وأحزاب المعارضة البرلمانية وعلى رأسها حزب إسلامي معروف، وكذلك بعض الأحزاب غير الممثلة في البرلمان، وبعض الأحزاب التي لم تشارك في المسار الانتخابي، كل هذه الأحزاب جمعتنا بها لقاءات.

ويمكن تلخيص تلك اللقاءات في ملاحظتين أساسيتين: الأولى، أن هناك حالة من الاستياء والغضب وعدم القبول نتيجة لما تتعرض له الطبقة السياسية من تضييق خلال السنوات الماضية.

الملاحظة الثانية: هناك نوع من الاستعداد التام لدى جميع الشركاء السياسيين سواء كانوا في أحزاب الموالاة أو المعارضة للالتقاء في حوار وطني، ومد أيديهم للسلطة من أجل إعادة الاعتبار للعمل السياسي، من خلال إعادة الاعتبار للشركاء السياسيين، والأحزاب السياسية، وكذلك من أجل المساهمة في إنجاح الاستحقاقات السياسية، والانتخابية المقبلين عليها، وخاصة الانتخابات الرئاسية المقبلة إن شاء الله.

كيف ترى حظوظك في معركة الانتخابات الرئاسية المقبلة؟

البعض يعتبرنا أحزابا ناشئة، أو أحزابا متوسطة، والبعض يُطلق علينا وصف "الأحزاب المجهرية"، ولكن القليل مَن يدرس حقيقة النتائج الانتخابية، بغض النظر عن العيوب والنقائص التي سبق وأشرنا لها في عمليات انتخابية سابقة، خاصة فيما يتعلق بقانون الانتخابات.

لكن دعنا نقيس على نتائج الانتخابات الأخيرة –سواء الانتخابات البرلمانية أو المحلية– فأحزاب التكتل الذي شرفني بتقديمي كمرشح للرئاسة قد جمعت في الانتخابات الأخيرة أكثر من مليون صوت، ولكي ندرك حجم المليون صوت في الجزائر، فإن أحزاب الأغلبية الرئاسية المُمثلة حاليا في البرلمان قد حصدت مقاعدها بأقل من مليون صوت.

إذن التكتل الذي نمثله حاليا غير مُمثل بقوة في المجلس الشعبي الوطني (البرلمان الجزائري)، ولكنه مُمثل بتمثيل متواضع على مستوى المجالس البلدية، ويضم العديد من الكوادر التي كانت نوابا في البرلمان، أو أعضاء في الحكومة كوزراء أو كتاب دولة، ومن ثم لدينا فرص نجاح كبيرة.

والهدف الأساسي من مشاركتنا هو إعادة الاعتبار للعمل السياسي، ثم إعادة الاعتبار للتيار الذي نمثله، وهو التيار الجمهوري الذي سجّل -مع الأسف الشديد- في السنوات الماضية نوعا من الغياب التنظيمي، وشهد كذلك نوعا من التغييب السياسي، ونعتقد بأن هذا التغييب والغياب أدى إلى اختلال موازين العمل السياسي في بلادنا لصالح تيارات أخرى وهو ظاهرة غير صحية، لهذا من الضروري أن تتكتل الأحزاب لإعادة الاعتبار لهذا المشهد.

ولدينا ثقة كاملة في السيادة الشعبية، ومَن سيأتي به الصندوق "النزيه والشفاف" سنسير خلفه، وإذا أعطانا الشعب رئاسة الجمهورية سنبذل قصارى جهدنا لتلبية مطالب المواطنين المشروعة، وإذا أعطانا مراتب أقل من المرتبة الأولى سنشارك مع السلطة القائمة في إطار رؤية توافقية إصلاحية، وفي إطار تسيير جماعي للحكم، وهذا ما ندعو له منذ سنوات، وهو توسيع القاعدة السياسية والشعبية للحكم من خلال حكومة وحدة وطنية، وإذا لم نتوافق مع السلطة سنكون في المعارضة، وهذا دورنا الطبيعي.

لماذا قرر الرئيس تبون إجراء انتخابات رئاسية مبكرة برأيكم، وهل يقضي بذلك على مخاطر ربما تهدد الدولة الجزائرية؟

الأسباب المعلنة من طرف السلطة القائمة حول التعجيل بالانتخابات هي أسباب تقنية محضة، ونحن نتوقف عند هذا التفسير؛ فليس لدينا أدوات للتفسير؛ ولسنا في السلطة، واعتبرنا هذا القرار قرارا دستوريا لا غبار عليه، وإن كنا نتمنى استشارة الأحزاب السياسية قبل الشروع في القرار، وأن يخرج رئيس الجمهورية بخطاب للأمة يوضح فيه الخلفيات الحقيقية لهذا القرار.

على أي حال نحن تجاوزنا هذه النقطة، لذا قمنا بتسريع التحضيرات للانتخابات الرئاسية؛ فكنا أول أو ثاني تكتل سياسي يعلن عن اسم مرشحه بشكل رسمي، ونتمنى من الطبقة السياسية -سواء موالاة أو معارضة- أن تنخرط معنا في النقاش السياسي؛ لأننا نعتقد أن الانتخابات الرئاسية -خاصة في ظل حجم الصلاحيات الكبير لمنصب رئيس الجمهورية– تحتاج إلى تحضيرات كبيرة، وليس مشاركة في الربع ساعة الأخيرة قبل انطلاقها.

كما طالبنا كذلك في هذا الإطار السلطة القائمة بأن تهيئ المناخ المناسب للانتخابات، وذكرنا أن الرئاسيات في بلادنا ليست مجرد ورقة انتخاب أو صندوق انتخاب يحضر عشية إجراء الانتخابات، بل هي مجموعة من العوامل السياسية، منها: ضرورة تحقيق الانفتاح السياسي، والانفتاح الإعلامي، كما يجب أن تواكب هذا المسار إجراءات تهدئة؛ فالأزمة والظروف الاستثنائية التي مرت بها بلادنا منذ 2019 تركت أثرا على مستوى النسيج الاجتماعي، كما تركت شرخا في تماسك الأمة.

هناك العشرات من الشباب الآن يقبعون في السجون، ونحن لا نسميهم "سجناء سياسيين" ولا "سجناء رأي"، ولكن نطالب بإجراء مصالحة، وإصدار قرارات عفو دستورية وقانونية لصالح هؤلاء حتى نطوي هذه الصفحة، ونتوجه جميعا إلى الانتخابات الرئاسية في كنف الهدوء والطمأنينة. انتخابات توفر لها الظروف التي تستقطب مشاركة جماهيرية كبيرة لأن الانتخابات الناجحة هي الانتخابات التي تكون مع الشعب وبالشعب وللشعب.

هل تعتقد أن ما تنادي به سيحدث على أرض الواقع؟

هناك مؤشرات أولى للانفتاح لاحظناها قبل عدة أسابيع، مثل الانفتاح الإعلامي؛ فعندما أعلنا قبل أيام في حفل تأسيس تكتل "الاستقرار والإصلاح" عن نيتنا للترشح كان هناك حضور قوي لوسائل الإعلام سواء الوطنية أو الدولية، وهذا بداية الانفتاح، وقد لا يكون كافيا، لكن سننتظر لنرى.

وإلى جانب الانفتاح السياسي والإعلامي طالبنا السلطة الوطنية المستقلة المشرفة على الانتخابات أن توفر مناخا من التبسيط لتسهيل الإجراءات، وخاصة في عملية جمع التوقيعات؛ فكما هو معروف يحتاج المرشح إلى تأييد قانوني من أكثر من 50 ألف مواطن، أو 600 منتخب محلي في المجالس المحلية البلدية والولائية، أو من البرلمان، وهذه العملية ستبدأ يوم 8 حزيران/ يونيو وتمتد لفترة 40 يوما، لكنها ستتزامن -مع الأسف الشديد- مع فترة امتحانات نهاية العام، كما تتزامن مع عطلة عيد الأضحى المبارك، وهذا ربما يعيق الحملة نوعا ما، لهذا طالبنا السلطة الوطنية أن تتخذ إجراءات تبسيطية، كما طالبناها أيضا برقمنة هذه العملية تفاديا لكل تعطيل أو تزوير قد يحدث من هذا المرشح أو ذاك.

هل الرئيس عبد المجيد تبون سيترشح لولاية ثانية، ولماذا لم يعلن موقفه رسميا حتى الآن؟

هذا السؤال يوجه إلى الرئيس تبون، ونحن في تكتل "الاستقرار والإصلاح" لا نهتم كثيرا بترشح الرئيس من عدمه؛ فإذا ترشح الرئيس فسيكون منافسا لنا، ونكون منافسين له، ولن نكون خصوما؛ فلسنا خصوما لأي شخص في الطبقة السياسية، والحكم والفيصل بيننا هو الصندوق الشفاف والإرادة الشعبية.

أما عن سبب عدم إعلان رئيس الجمهورية.. فلا يقلقنا هذا، بل على العكس: هناك بعض الأصوات التي تطالب الرئيس تبون بعدم الترشح، ونحن نقول: هذا الأمر غير ديمقراطي، والديمقراطية لا تمارس بهذا الشكل، فلا ينبغي أن أسمح لنفسي بالترشح وأمنعك من هذا الحق.

ودائما كنت أقول: الرئيس لا يحتاج إلى إعلان ترشحه من عدمه قبل الانتخابات بفترة طويلة، لسبب بسيط: البرنامج الانتخابي الخاص به معروف لدى المواطنين، ويعمل على تنفيذه منذ أربع سنوات، والمواطن الراضي عن هذا البرنامج معروف، والمواطن الساخط عليه معروف، إذن مَن يحتاج لإعلان ترشحه قبل الانتخابات بفترة طويلة هم أحزاب المعارضة، ولو ساعدتنا الظروف لكنا أعلنا ترشحنا قبل سنة أو سنتين؛ حتى نتدارك ذلك الفراغ والغياب على الجماهير.

ونرفض تماما الدعوات التي تدعو إلى مطالبة الرئيس بعدم الترشح، ونقول دائما بأنه لا أحد يملك الحق ضد ترشح الرئيس، ولكن لدينا الحق بأن نكون ضد المترشحين؛ فعندما يترشح الرئيس من حق أي جزائري أن يكون ضد المرشح تبون، أو ضد المرشح بلقاسم ساحلي، أو ضد ما سنعرضه من برنامج، كما من حق أي جزائري أن يكون مع المرشح عبد المجيد تبون إذا ترشح مُجددا.

البعض يُرجع دعوة الرئيس لانتخابات مبكرة إلى وجود صراعات داخل الدولة العميقة وأجنحة العسكر.. فكيف ترون هذا الأمر؟

علينا ألا ندخل في سيناريوهات وهمية عن صراعات مفتعلة بين أجنحة السلطة كما يُقال؛ فهذا الكلام يروج له عشية كل انتخابات، ثم تمر الانتخابات بشكل عادي ومقبول.

في بلادنا توازنات يجب أن تُحترم، وقد أوضحت في خطاب الترشح الأسبوع الماضي بأن نجاح الانتخابات القادمة يتطلب احترام أربع كلمات تبدأ بحرف التاء: "التوازنات، والتوافقات، والتفاهمات، والتصالحات" سأشرحها في عجالة.

التوازنات: لا يمكن في بلادنا، وفي كل دول العالم التي تأمل أن ترسخ نظاما ديمقراطيا حقيقيا، أن ننجح في انتخابات في أهمية الانتخابات الرئاسية إن لم يكن هناك توازنات بين مؤسسات الدولة مثل الرئاسة، والجيش، والدبلوماسية، ومراكز البحث، والمجتمع المدني، والمجتمع السياسي.

ثم التوازنات الفئوية؛ فلا يمكن للانتخابات أن تنجح إذا كان البرنامج الانتخابي للمرشح يهتم بفئة اجتماعية على حساب فئة اجتماعية أخرى، كأن يهتم مثلا بالعمال على حساب المستثمرين، أو العكس.

وكذلك التوازنات الجهوية؛ فلا يمكن أن تنجح الانتخابات إذا لم نهتم بوضع رؤية وبرنامج تنموي واقتصادي لكل فئات الوطن، بل أكثر من هذا، هناك بعض المناطق في وطننا تحتاج إلى ما يسمى بسياسة "التمييز الإيجابي" في التنمية؛ فبعض المناطق التي تخلفت نوعا ما عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية مثل مناطق الهضاب العليا، ومناطق الجنوب، والجنوب الكبير تحتاج إلى دعم اقتصادي وتنموي أكثر.

وهناك توازنات خارجية؛ فلا يمكن أن تنجح الانتخابات إذا لم نراعِ التوازنات مع شركائنا الأجانب الذين نتأثر بهم ونؤثر فيهم، وأقصد بذلك محيطنا المباشر دول المغرب العربي، وعمقنا الإفريقي، ثم الدول الأوروبية التي تتواجد فيها جالية جزائرية كبيرة، ثم الدول العربية الأخرى، والدول الإسلامية، وبعض الدول العظمى التي تؤثر في المشهد العالمي.

البعض يرى أن الجيش الجزائري كان وسيظل هو "صانع الرؤساء" وأنه يدير المشهد من خلف ستار.. ما مدى صحة ذلك؟

اختزال مشهد صناعة القرار في البلاد في مؤسسة الجيش وحدها، طرح سطحي جدا؛ فمؤسسة الجيش الوطني الشعبي في كل الأنظمة الجمهورية العربية مثل العراق، وسوريا، وليبيا، وغيرها من الدول الجمهورية، هي مؤسسة حساسة وتعتبر عصب الجمهورية، وهذا أمر له تفسيرات تاريخية.

يجب أن نتذكر أن استعادة سيادة واستقلال الدولة بنيت على مؤسسة الجيش الوطني الشعبي الذي كان سبيلا لجيش التحرير؛ فلم يكن هناك إمكانية التفريق حتى أثناء ثورة التحرير المباركة بين المناضل السياسي والمناضل العسكري، وأغلب المناضلين السياسيين كانوا يحملون السلاح في إطار جيش التحرير الوطني، وهذه القضية طُرحت للنقاش منذ سنوات؛ فهي جدلية قديمة في بلادنا.

وقد تحدثت في خطاب الترشح عن اقتراحاتنا المتعلقة بسياسة الأمن والدفاع الوطني، وذكرت هذه الجدلية، ووصفتها بالجدلية "القديمة المتجددة"، كما طُرح في ثورة التحرير بمناسبة مؤتمر الصومال أولوية السياسي على العسكري، وأولوية الداخل على الخارج.

هذه القضية تُطرح كلما مرت بلادنا بأزمة؛ فقد طُرحت في التسعينات عندما ضرب الإرهاب الهمجي الجمهورية، وطُرحت في الظروف الاستثنائية في 2019 أثناء الحراك الشعبي، ولهذا نؤكد بأننا لسنا مع الدولة المدنية، ولا الدولة العسكرية؛ فالدولة التي نؤمن بها لا يبنيها المدني وحده، ولا يبنيها العسكري وحده. الدولة التي ترشحنا من أجلها هي الدولة الدستورية والمؤسسية.

دولة مؤسسية تعني الدولة التي تؤدي كل مؤسساتها (المدنية، والعسكرية، والدبلوماسية وغيرها) مهامها المحددة في الدستور دون إضافة ولا نقصان، وبهذا تبنى الدولة على أساس تكامل المؤسسات، وليس على تصارع المؤسسات. هذا ما طرحناه في إطار رؤيتنا للتحولات الستة التي يجب على بلادنا أن تباشرها، ومن بينها التحول على صعيد الأمن، وسياسة الدفاع الوطني، وحتى قضية المفاهيم الجديدة للسيادة.

دور الجيش الوطني الشعبي مثل كل المؤسسات العسكرية في العالم هو حماية الحدود، وحماية السيادة الوطنية، لكن مفهوم السيادة اختلف عما كان عليه في ستينات أو سبعينات القرن الماضي، ولم يعد منحصرا في حماية الحدود، أو جندي مقابل جندي آخر معادِ، الآن مفهوم السيادة تغير.

السيادة أخذت أبعادا كبيرة، السيادة الرقمية الآن تُقرر في خارج حدودنا، وكذلك سيادتنا الصحية واتضح هذا إبان أزمة الكوفيد حين توجهت كل أنظار العالم إلى الصين، ووقعت عملية قرصنة للسفن والطائرات من دول كبرى من أجل الحصول على الكمامة، التي لم تكن تصنع في دولنا.

وأيضا عندما نتكلم عن السيادة في مجال الطاقة؛ فاقتصادنا مرتبط بسعر المحروقات، ونعلم بأن سعر المحروقات لا يُقرر في بلادنا.

كما طرحنا رؤية جديدة لمفهوم السيادة لتمكين الجيش الوطني الشعبي من القيام بمهام قتالية خارج حدودنا إذا كانت المصالح الحيوية والاستراتيجية للدولة مُهدّدة، وهذا اقتراح قدمه حزبنا وأقره دستور 2020.

بالتالي هل أنت راضٍ عن الدور الذي يقوم به الجيش داخل البلاد، وهل لو أصبحت رئيسا للجزائر ستبقي على هذا الدور دون تغيير؟

سأجيب بالإجابة التي يجيب بها كل مواطن جزائري، نحن نقدر الدور الرائد الذي تقوم به مؤسسة الجيش الوطني الشعبي دون مبالغة أو تملق؛ حيث يبلغ طول حدودنا أكثر من 7 آلاف كيلومتر، وهي حدود ملتهبة، ورغم هذا نعيش في أمن وأمان واستقرار.

جيشنا الوطني الشعبي ناجح على مستوى محاربة الجريمة المنظمة، ومحاربة تهريب المخدرات، وتهريب السلع، وحتى محاربة الظاهرة الجديدة التي نعاني منها كدولة، وهي ظاهرة الهجرة غير النظامية، جيشنا كذلك ناجح في قضية التنسيق الأمني والاستخباري في مجال مكافحة الإرهاب، والجزائر رائدة في هذا المجال مع العديد من الدول العربية الشقيقة، والصديقة بعد معاناة لسنوات طويلة خلال تسعينات القرن الماضي.

وفي إطار رؤيتنا الجديدة سنطرح تعزيز دور الجيش في مسار "صناعة" القرار وليس تعزيز دوره في "اتخاذ" القرار، والفرق بينهما واضح جدا، بمعنى تعزيز دور الجيش في صناعة القرار الوطني، وليس القرار الحزبي أو السياسي.

أقول "صناعة القرار" ولا أقول "اتخاذ القرار" ومثال ذلك: الهجوم الإرهابي الذي تعرضت لها منشأة نفطية في الجزائر عام 2013 فيما عرف بـ «أزمة الرهائن بعين أميناس» في «تيغنتورين» جنوب شرقي الجزائر، حين هاجمت مجموعة إرهابية عبرت حدودنا مع ليبيا ومالي، وحاولت خطف رهائن أجانب وتفجير تلك المنشأة النفطية آنذاك.


ولو كنت أنا رئيسا للجمهوية ومنتخبا بطريقة شرعية هل تتوقع بأن القرار الذي سأتخذه سيكون قرارا سياسيا فقط، بالتأكيد لا؛ لأن تلك العملية كان بها بُعد دبلوماسي (رهائن من المهندسين الأجانب) لذا كان على رئيس الجمهورية أن يستشير وزير الخارجية، وكان بها بُعد اقتصادي، فلو تم تدمير المنشأة النفطية لتراجع إنتاج الغاز في بلادنا إلى عشر سنوات، لذا كان يجب استشارة وزير الطاقة، وكان هناك بُعد أمني وعسكري؛ لأن المجموعة الإرهابية أتت من خارج حدودنا.

فبهذا المثال أوضحت أن اتخاذ القرار في تسيير الدول الحديثة هو عمل تشاركي مع جميع المؤسسات، وليس عملا تصادميا، أو استعلاء مؤسسة على حساب مؤسسات أخرى.

لكن هل الجيش سيقبل برؤيتك تلك ويصبح مساهما في صناعة القرار أم سيُصرّ على أن يكون صانعا للقرار؟

القول بأن الجيش هو "صانع القرار" عبارة غير دقيقة؛ فالمؤسسة العسكرية لها دور، ولها حضور لاعتبارات أمنية، وجيواستراتيجية، ولكن صناعة القرار هي عمل جماعي، وكلما تم الحفاظ على التوازن في صناعة القرار مرت الجزائر بسلام، وكلما اختل هذا التوازن في صناعة القرار بين المدني، والمؤسسات العسكرية، وبين الدبلوماسي، والجهوي، والسياسي.. ظهرت الأزمة.

ستنجح الانتخابات في بلادنا طالما حافظنا على هذه التوازنات، والتفاهمات، والتوافقات، والتصالحات التي يجب أن نرسخ لها في إطار مصالحة الجزائريين مع تاريخهم، ومؤسساتهم، ومع عناصر هويتهم الوطنية.


هل هناك أي تدخلات إقليمية أو دولية في الانتخابات الرئاسية المقبلة في الجزائر؟

لا أعتقد أن تكون هناك تدخلات بشكل مباشر، ولكن هذا لا يعني أننا لا يجب أن نحافظ على التوازنات، وذكرت آنفا بأن نجاح رئيس الجمهورية، ونجاح الانتخابات القادمة يتطلب الحفاظ على التوازنات بين الداخل والخارج، بين المواطنين الجزائريين المقيمين في البلاد، وبين أبناء جاليتنا الذين يعدون بالملايين؛ فهم جزء لا يتجزأ من البلاد، ولهم هموم ومطالب مشروعة، وعليهم كذلك دور في المشاركة في وضع استراتيجية التنمية الوطنية، والحفاظ على استقرار ووحدة البلاد.

ما سر هجوم الرئيس تبون على الإمارات بشكل متكرر؟

لا أعلم هل تهجم الرئيس على دولة الإمارات العربية أو لا، لكن بالنسبة لنا كسياسيين، ومن منطلق التصريحات الرسمية فلا أعلم أن لدينا مشكلة حقيقية مع دولة الإمارات وأكتفي بما صدر عن المؤسسات الرسمية، وهي المجلس الأعلى للأمن، وتصريحات رئيس الجمهورية في حواراته الإعلامية بأن هناك دولة شقيقة تمارس بعض التصرفات العدائية.

لكننا يجب أن نجد نقاط الالتقاء، ونبتعد ونتفادى نقاط الاختلاف، ويحترم بعضنا بعضا كدول عربية شقيقة أو دول ليست عربية.

إن لم تكن الإمارات هي الدولة العربية التي تحدث عنها تبون فمَن هي تلك الدولة إذن؟

لا أستطيع الإجابة؛ فأنا لست مسؤولا رسميا، ولا ناطقا باسم رئاسة الجمهورية، ولا أتهرب من الجواب ولكن أجيب من منطلق ثقافة الدولة، فهل من المعقول أن أهاجم أو أدافع عن دولة لا أعلم ما يحدث بيننا وبينها؟

الجزائر دولة مُصدّرة للاستقرار، وتحل مشاكل الدول الأخرى. الجزائر ساهمت في وقف الحرب الأهلية في لبنان، وهي التي أوقفت الحرب بين الشقيقتين العراق وإيران، وساهمت في تحرير الرهائن الأمريكان في السفارة الأمريكية في طهران، وهي مَن جمعت الفرقاء في مالي عام 2015 حول اتفاق مصالحة وطنية.

وبالتالي من واجبنا عندما يكون لدينا خلاف مع الإمارات أو غيرها أن نحله بالحوار، وبالبحث عن النقاط المشتركة، وهذا أمر يمكن فعله دون تصعيد من هذا الطرف أو ذاك.

هل يمكن القول إن الوضع العام الآن في الجزائر بات أسوأ مما كان عليه في عهد بوتفليقة؟

لا يمكن تعميم هذا الرأي؛ فهناك قطاعات حدث فيها تقدم، عندما نتكلم مثلا عن طريقة ممارسة السيادة الشعبية، وطريقة إجراء الانتخابات؛ فالكثير من الشركاء السياسيين لا يطعنون في الانتخابات الأخيرة، بمعنى تجاوزنا الشكوك حول التجاوزات أو التزوير الذي كنا نسجله في السابق، والكثير مطمئن لمساعي محاربة الفساد، ولم نعد نسمع عن قضايا فساد جديدة، الكثير مطمئن لحفاظ الدولة على الطابع الاجتماعي.

وفي الوقت ذاته هناك الكثير ممن يقلقه التدهور في القدرة الشرائية، والتدهور في أوضاع الحقوق والحريات، خاصة فيما يتعلق بالانفتاح السياسي والإعلامي.

إذن هناك مجالات تقدمنا فيها، وأخرى تأخرنا فيها، ولهذا طرحنا فكرة الاستقرار والإصلاح، في "تكتل الاستقرار والإصلاح" بمعنى أن نثمن ونضاعف ما هو موجود من إنجازات، ومكاسب الاستقرار.