منذ بدء العدوان على
غزة، اعتمد الاحتلال سياسة ترويج الاتهامات، وإغراق وسائل الإعلام بكمية أخبار وتقارير مزيفة، فندت بعد وقت قصير، وحتى من مروجيها أنفسهم، بدءا من قطع رؤس الأطفال والاغتصاب وليس انتهاءً بمزاعم إخفاء
الأسرى أو وجود مقار للمقاومة تحت مستشفيات غزة.
مضت مزاعم الاحتلال ككل اتهام لا يستند لأدلة، لكن ما نتج عنها بقي شاخصا حتى اليوم، فها هي مستشفيات غزة خرجت معظمها عن الخدمة وظلت شواهد على همجية الاحتلال وزيف مزاعمه.
واستنسخ جيش الاحتلال ما فعله في مستشفى
الرنتيسي في مجمع
الشفاء غرب مدينة غزة، والآن يعيد فصوله في
مجمع ناصر بخانيونس جنوب القطاع.
مجمع ناصر
منذ أسابيع يحاصر الاحتلال مجمع ناصر الطبي أكبر مشافي مدينة خانيونس، فأمطره بوابل من القذائف والقصف، ثم استهدف محيطه بغارات عنيفة كان الهدف منها معنويا أكثر منه ماديا.
وأخيرا اقتحم الاحتلال الخميس الماضي، مجمع ناصر، الأكبر والأهم في جنوب قطاع غزة، بعد أن أجبرت آلاف النازحين على الخروج منه، وفق شهود عيان ومصادر رسمية فلسطينية.
وقال المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة أشرف القدرة، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي أخرج مستشفى ناصر، من الخدمة وحوّله إلى ثكنة عسكرية، واعتقل فيه مرضى وطواقم طبية واعتدى عليهم وتسبب في استشهاد سبعة مرضى.
ولاحقا أعلنت مصادر طبية، عن استشهاد مريض ثامن في مجمع ناصر الطبي نتيجة توقف المولد الكهربائي وتوقف الأكسجين.
وعقب فشله في إثبات مزاعمه، خرج المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي دانيال هاغاري، ليؤكد أن الجيش لم يجد شيئا يتعلق بالأسرى في مستشفى ناصر.
وزعم هاغاري، أنه تم إطلاق قذائف هاون على قواتنا من داخل مستشفى ناصر في خانيونس.
وسبق أن حذرت وزارة الصحة في غزة، من أن المجمع يشهد وضعا كارثيا، نتيجة تحويله إلى ثكنة عسكرية بعد اقتحامه من قوات الاحتلال.
والأربعاء، أجبر جيش الاحتلال الإسرائيلي آلاف النازحين الفلسطينيين على الخروج قسرا من مجمع ناصر، وسط إطلاق نار في ساحته ومحيط المناطق التي يتواجد فيها النازحون، وفق شهود عيان لمراسل الأناضول.
وحذرت من "توقف المولدات الكهربائية نتيجة نفاد الوقود خلال الـ24 ساعة القادمة، ما يعرض حياة المرضى للخطر، منهم ستة مرضى تحت أجهزة التنفس الصناعي في العناية المركزة، وثلاثة أطفال في الحضانة".
وأضافت الوزارة في بيانها، أن "قوات الاحتلال أجبرت إدارة مجمع ناصر الطبي على وضع 95 كادرا صحيا، و11 من أفراد عائلاتهم، و191 مريضا و165 من المرافقين والنازحين، في مبنى ناصر القديم في ظروف قاسية ومخيفة".
وخلال الأيام الماضية، ارتكب الاحتلال مجازر بحق الفلسطينيين في المستشفى، وقام قناصته باستهداف كل من يتحرك في المكان، ما أسفر عن سقوط العديد من الشهداء.
مجمع الشفاء
وعلى غرار مجمع ناصر، فإنه حصل ذات الأمر في الشفاء أكبر المجمعات الطبية في غزة المدينة، حيث اقتحمه الاحتلال في منتصف تشرين الأول/ نوفمبر الماضي، ووفق ذات المزاعم (وجود أسرى، أنفاق، مراكز قيادة للمقاومة).
وزعم جيش الاحتلال الإسرائيلي، بعد فشله في العثور على مواقع عسكرية، في مستشفى الشفاء في غزة، أن حركة حماس "أخفت الأدلة".
وإمعانا في الفشل، زعمت إذاعة جيش الاحتلال، أن المقاومة "منذ اللحظة التي تم فيها الكشف عن المستشفيات قبل بضعة أسابيع عملت على إخفاء بناها التحتية وإخفاء الأدلة".
وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي: "تواصل القوات عملياتها في منطقة مستشفى الشفاء الذي، يتكون من عدة مبان وهو أكبر مستشفى في قطاع غزة".
وبعد الاقتحام بأيام، فقد فند
تحقيق لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، مزاعم الاحتلال عن وجود أنفاق في مجمع الشفاء الطبي وسط مدينة غزة.
وقالت الصحيفة، إن "أدلة إسرائيل لا ترقى إلى مستوى إظهار أن حركة حماس الفلسطينية استخدمت مستشفى الشفاء في غزة مركزا للقيادة والسيطرة".
وأوضح تحقيق الصحيفة، أنه "ليس أي من المباني الخمسة بمستشفى الشفاء التي حددها الجيش الإسرائيلي مرتبطا بشبكة الأنفاق”.
وأكد عدم وجود أدلة على القدرة على دخول الأنفاق من داخل أروقة مجمع الشفاء الطبي.
وكشف التحقيق، أنه استنادا إلى صور متاحة وصور الأقمار الصناعية وكل المواد التي نشرها جيش الاحتلال، فإن الأدلة التي قدمتها حكومة الاحتلال لا تثبت أن حركة حماس كانت تستخدم المستشفى كمركز للقيادة والتحكم.
وبحسب التحقيق فإنه قبل ساعات من دخول قوات جيش الاحتلال إلى مجمع الشفاء، قامت إدارة بايدن بتصنيف تقييمات المخابرات الأمريكية التي قالت إنها تعزز مطالب "تل أبيب"، وعقب الهجوم، ظل المسؤولون "الإسرائيليون" والأمريكيون يقفون خلف تصريحاتهم الأولية.
حتى الولايات المتحدة أكبر داعمي الاحتلال تبرأت من الفعلة، حيث أعلن متحدث باسم البيت الأبيض، أن الولايات المتحدة "لم توافق على عمليات الجيش الإسرائيلي حول مستشفى الشفاء" في قطاع غزة، وفقا لوكالة رويترز.
وأضاف، أن واشنطن تنتهج السلوك نفسه بالنسبة إلى القرارات العسكرية الأخرى التي تتخذها دولة الاحتلال.
وأوضح جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي: "كنا دائما واضحين جدا مع شركائنا الإسرائيليين حول أهمية الإقلال من الخسائر المدنية. كنا أيضا واضحين جدا معهم لجهة وجوب التحلي بانتباه خاص حين نتحدث عن المستشفيات".
مستشفى الرنتيسي
كان المشفى الواقع في شمال غزة، أول المستشفيات التي اقتحمها الاحتلال في تشرين الثاني/ نوفمبر وقد فُندت مزاعمه.
وأظهرت لقطات بثها الناطق باسم قوات الاحتلال دانيال هاغاري، خلال وجوده بمستشفى عبد العزيز الرنتيسي في غزة، والتي زعم خلالها العثور على أدلة لاستخدامه لأغراض عسكرية، فضيحة له بسبب جهله باللغة العربية.
وزعم الناطق باسم الاحتلال، عثوره على قائمة بأسماء حراس في داخل قبو المستشفى، وأن هؤلاء الحراس أسماؤهم مكتوبة على القائمة، من أجل حراسة أسرى إسرائيليين كانوا في المكان.
وقال الناطق باسم الاحتلال، إن كل حارس مكلف بنوبة حراسة، واسمه مكتوب، وإن القائمة تقول "إننا في عملية ضد إسرائيل".
وتكشف الصورة التي نشرها هاغاري، أن القائمة، عبارة عن تقويم يومي، منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
ويظهر بشكل واضح في الصورة، أن ما تحتويه مجرد أيام الأسبوع، والتاريخ فقط، ولا يظهر فيها أسماء.
بدورها، قالت وزارة الصحة في قطاع غزة، إن "ما عرضه الاحتلال حول مستشفى الرنتيسي للأطفال هو تمثيلية سمجة لا يوجد عليها دليل واحد يستحق الرد".
وأضافت الوزارة في بيان ردا على مزاعم الاحتلال الاسرائيلي حول ما عرضه عن مستشفى الرنتيسي للأطفال، أن "الاحتلال اعتبر وجود حفاظات أطفال (بامبرز) في مستشفى للأطفال وفيه نازحون على أنها أدلة استثنائية، فأي استخفاف هذا بعقول الناس وعقول العالم؟".
أسرى رفح
وتعدى الأمر تبرير الهجمات إلى خلق انتصارات وهمية، فقد زعم الاحتلال منتصف الشهر الجاري، تحرير أسيرين لدى المقاومة الفلسطينية في رفح بعملية عسكرية ليلية، تزامنت مع قصف عنيف على المدينة أسفر عن استشهاد العشرات بينهم أطفال، وإصابة آخرين.
وقال وزير حرب الاحتلال الإسرائيلي يوآف غالانت إن العملية تمت بمشاركة الجيش وقوات خاصة تابعة للشرطة وجهاز الأمن العام (الشاباك)، وبمتابعة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ونجحت في إعادة الأسيرين فرناندو سيمون مارمان (60 عاما) ولويس هار (70 عاما).
وسريعا انكشفت رواية الاحتلال عن العملية، وعلى لسان الأسيرين نفسيهما، إذ أكدا أنهما كانا مع عائلة فلسطينية طوال الفترة الماضية وهو ما يدحض رواية الاحتلال عن وجودهما لدى المقاومة.
واتفق حديث الأسيرين مع ما قاله محمد نزال، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، إن رواية الاحتلال التي يروج لها بشأن تحرير الأسيرين "كاذبة"، وتهدف إلى رفع المعنويات داخل الرأي العام الإسرائيلي.
وأوضح نزال أن العملية الإسرائيلية "كانت عادية كون المحتجزين الإسرائيليين كانا في شقة مدنية وتم أسرهما من قبل مدنيين فلسطينيين في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي".
"الحياة" هي الهدف
منذ اليوم الأول لعدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة الذي يسكنه أكثر من 2.3 مليون فلسطيني محاصرين منذ 17 عاما داخل قطاع غزة، فإنه عمل على تدمير المنظومة الصحية بكاملها.
وعمدت قوات الاحتلال إلى تدمير المنظومة الصحية بشكل مباشر، حيث استهدفت واستولت على العديد من المستشفيات والمراكز والمرافق الصحية التي تقدم خدماتها الطبية للمواطنين.
وأكد المكتب الإعلامي الحكومي، أن جيش الاحتلال "ارتكب عدة مجازر بحق المستشفيات والطواقم الطبية وسيارات الإسعاف"، وأن "المستشفيات والطواقم الطبية هي في بؤرة الاستهداف الإسرائيلي منذ بداية الحرب".
ويبدو أن استهداف المستشفيات والمراكز الطبية، حلقة من سلسلة انتهاكات هدفها تهجير الغزاويين وجعل مناطقهم غير قابلة للحياة.
وذكرت "هيومن رايتس ووتش"، أن هجمات جيش الاحتلال المتكررة، وغير القانونية، على المرافق، والطواقم، ووسائل النقل الطبية تمعن في تدمير نظام الرعاية الصحية في قطاع غزة ويجب التحقيق فيها باعتبارها "جرائم حرب".
وبحسب التقديرات فإن أكثر من 22 مستشفى في قطاع غزة، باتت خارج الخدمة، إضافة إلى 138 مؤسسة صحية أخرى، بفعل القصف الإسرائيلي ونقص الوقود والعاملين، في وقت تواجه فيه المستشفيات التي لا تزال مفتوحة، ضغوطا جراء استمرار الحرب المدمرة على القطاع.
وسبق أن ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، أن "إسرائيل ارتكبت أكبر جريمة دمار في هذا القرن بغزة".
وقالت، إن "الدمار في غزة تفوّق على ما حدث في النزاعات الأخيرة، بحسب الأدلة التي جمعتها الصحيفة، فقد أسقطت إسرائيل أضخم القنابل قرب المستشفيات".