بعد أن أمضى شهرا من الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة يروي
الطبيب البريطاني عبد الحماد أياما من المعاناة التي يعيشها سكان القطاع مشبها
الفترة التي قضاها بفيلم رعب من "أفلام الحرب العالمية الثانية".
وفي حديث لوكالة الأناضول يقول الطبيب الجراح عبد الحماد: "إنه
مكث في غزة نحو شهر حتى تم إجلاؤه إلى بريطانيا ضمن حملة الجوازات الأجنبية
الذين تم إجلاؤهم من معبر رفح الحدودي مع مصر".
وذكر الحماد، الذي يترأس مركز زراعة الأعضاء في مستشفى جامعة ليفربول
الملكي، أنه يجري عمليات زراعة الكلى كأول طبيب يجري عمليات زراعة الكلى في غزة،
وأنه وصل إلى القطاع قبل يوم واحد من بدء الحرب حيث كان يعتزم إجراء عملية زراعة
كلى في 7 من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وقال الطبيب: "استيقظت صباح السابع من أكتوبر عند الساعة السادسة
والنصف على صوت الانفجارات، واتصلت مباشرة بمستشفى الشفاء حيث سيتم إجراء العملية
فيها لمعرفة ما يحدث في المدينة".
وأضاف أنه قيل له بأن كل شيء يبدو طبيعيا، لكن في الاتصال الثاني بعد
نصف ساعة تم إخباره بأن المستشفى دخل في حالة الطوارئ.
وذكر أنه أمضى ذلك اليوم في أحد مباني
الأمم المتحدة حيث تم نقله بعربة
مدرعة خصصتها الأمم المتحدة.
حالة غير معتادة تعيشها غزة
أمضى الحماد نحو 10 أيام في مبنى الأمم المتحدة وسط غزة، ووصفها بأنها
"الفترة الأكثر شعورا بالخطر على حياته".
وذكر الطبيب أن المباني التابعة لجامعة غزة الإسلامية التي كانت أمام
مبنى الأمم المتحدة تعرضت لأضرار كبيرة، وأن المبنى الذي يمكث به كان يهتز
والنوافذ تتحطم والشظايا تتطاير من جراء الانفجارات حوله.
ولفت إلى وجود 25 شخصا أجنبيا في المبنى الأممي، وأن أكثر من 100 شخص
لجأوا إليه مع تزايد القصف.
وأوضح الطبيب البريطاني أنه شاهد حجم الدمار الذي يحيط في المبنى خلال
خروجه لجلب الأدوية اللازمة للأشخاص اللاجئين في المبنى، واصفا غزة بأنها
"مدينة أصبحت غير معروفة بالنسبة له رغم زياراته المتكررة إليها منذ 10 سنوات".
وأضاف: "أعرف غزة جيدا، كنت قد تجولت فيها كثيرا خلال السنوات
العشر ولكن اليوم باتت مدينة لا يمكن التعرف عليها، بسبب الأضرار والحفر والدمار
الذي لحق بها".
وتابع "لم يتم تدمير مبنى واحد أو مبنيين، بل تم تدمير الحي
بأكمله، واعتقدت أن الأمر يبدو وكأنه مشهد من فيلم بالأبيض والأسود عن الحرب
العالمية الثانية".
يعرضون حياتهم للخطر من أجل جلب الطعام لنا
وبعد عشرة أيام من مكوثهم في المبنى الأممي جنوبا، غادر الحماد
والأجانب الذين كانوا معه نتيجة القصف الإسرائيلي المكثف، حيث تم نقلهم إلى مبنى
آخر للأمم المتحدة بالقرب من بوابة رفح الحدودية.
ويشرح الحماد أن المبنى لم يكن مخصصا للإقامة فهو عبارة عن مبنى إداري
ومستودعات، وأن حوالي 12 ألف شخص قدموا إلى المكان هربا من القصف الإسرائيلي.
وأضاف أن "المكان لم يحتو على مرافق للنظافة والمياه والطعام،
واصفا الوضع بالكارثي وغير المناسب للعيش".
وذكر أنهم تناولوا الأطعمة مثل البسكويت لعدة أيام، مشيدا بالكرم الذي
أظهره الناس في بيئة الحرب، "حيث كانوا يخاطرون بحياتهم ويخرجون لإحضار
الطعام لنا".
أشعر بالذنب لكوني آمناً
ذكر الحماد أنه عبر مع الأجانب المدرجين على قائمة الأمم المتحدة بوابة
رفح الحدودية وأصبحوا في موضع مفاوضات بين إسرائيل ومصر.
وأوضح أنهم تمكنوا من الخروج من غزة إلى المنطقة العازلة حيث بقوا
يومين قبل العبور إلى مصر، معربا عن شعوره بالخجل لأنه أصبح آمنا في الوقت الذي بقي
فيه الناس في وضع سيء في غزة.
وفيما يتعلق بالهجمات الإسرائيلية على المؤسسات الصحية، قال الطبيب إن
العديد من الأشخاص الذين من المفترض إنقاذهم سيموتون، وهذا ما يثير غضبه كطبيب.
وشدد الحماد على أن الدعوة إلى وقف إطلاق النار واجب إنساني، وأنه في
حال لم يتم معالجة جذور المشكلة فإن الأحداث ستتكرر مرة أخرى في المستقبل.
وكان الطبيب الحماد قال لدى وصوله إلى مطار القاهرة الدولي بعد خروجه
من غزة: "لم أستوعب أنني غادرت بعد. أفكر في رائحة الموت عندما تسير وسط
الدمار في غزة، بإمكانك شم رائحة الجثث العديدة العالقة تحت الأنقاض. سأحتاج إلى
دهر لنسيان ذلك" وفق ما ذكرته صحيفة
The Times البريطانية، الأحد 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.
وذكرت الصحيفة أن الحماد كان يعمل نيابة عن منظمة الصحة العالمية، التي وجّهته إلى بر الأمان، خلال فترة وجوده في قطاع غزة، بعدما أعلنت إسرائيل حصاراً كاملاً على الغذاء والماء والكهرباء في القطاع. وهو واحد من حوالي 500 مواطن مزدوج الجنسية سُمِح لهم بمغادرة غزة، ومن بينهم ما يُقدَّر بنحو 100 مواطن بريطاني.
يقول الحماد إنه "محظوظ على عكس غيره من البريطانيين الذين تقطّعت بهم السبل في غزة"، وقال أيضاً إنه كان يُطعَم حصصاً مقسمة من الطعام، التي تُنقَل في مركبة مدرعة تابعة للأمم المتحدة إلى جنوب غزة، كما طُلِب منه البقاء في مبانٍ محددة في المناطق الآمنة التي نسقتها منظمة الصحة العالمية لعمالها.
والطبيب البريطاني عبد الحماد ولد في العراق وعاش في ليفربول
البريطانية مدة 35 عاما، ووصل إلى غزة قبل يوم واحد من بدء الحرب.