أعلن رئيس مجلس إدارة
البورصة المصرية أحمد
الشيخ، الاثنين، عن سعي إدارته لإطلاق مؤشر متوافق مع
الشريعة الإسلامية خلال النصف
الأول من 2024، وذلك في محاولة لجذب مستثمرين جدد لسوق المال، ما يثير التساؤلات
حول أهمية تلك الخطوة، وتأثيراتها، وحجم الإقبال عليها، ومدى قدرتها على
إنقاذ
اقتصاد متهالك.
الشيخ وفي حديثه لموقع "الشرق
بلومبيرغ" الاقتصادي، أوضح أن "المؤشر
سيتضمن أسهم الشركات التي تتلاءم أنشطتها وأوضاعها المالية والمحاسبية مع أحكام
الشريعة الإسلامية"، مبينا أنه "سيتم اختيارها من قبل لجنة الرقابة
الشرعية في الهيئة العامة للرقابة المالية".
وكانت البورصة المصرية قد اتفقت في آب/ أغسطس
الماضي، مع وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني لإطلاق المؤشر الإسلامي،
حيث تعمل المؤسسة على وضع المنهجية الخاصة بالمؤشر، والتي تقوم على الشركات الأقل ربوية،
والمتوافقة أعمالها مع قواعد الشريعة الإسلامية.
وأوضح حينها رئيس البورصة السابق رامي الدكاني،
أن الأسهم المبدئية التى تتوافق مع المؤشر الإسلامي يتراوح عددها ما بين 20 و25 سهما،
موضحا أنه لم يتم تحديد الأسهم النهائية للمؤشر بعد، متوقعا أن يجذب المؤشر الجديد
مستثمرين جددا، ويرفع أحجام الاستثمارات فى سوق الأوراق المالية، ويوفر مصادر دخل للعملة
الأجنبية.
وتتعدى قيمة الأصول المالية الإسلامية مبلغ 3 مليارات
دولار في نهاية 2020، بعد أن سجلت 2.964 مليار دولار في 2019، وحوالي 2.2 مليار دولار
في 2015، وذلك وفق تقرير حول تطوير التمويل الإسلامي، لشركة "Refinitiv" المتخصصة بهذا المجال.
وعن احتمالات جذب المتعاملين وفقا للشريعة
الإسلامية للتعامل وفقا للمؤشر الإسلامي، أكد رئيس الجمعية المصرية للتمويل الإسلامي،
محمد البلتاجي، لموقع "البورصة"
المحلي، وجود "نحو 90 شركة مقيدة بالبورصة أداؤها متوافق
مع ضوابط الشريعة الإسلامية، ومن المتوقع ضمها للمؤشر الجديد"، متوقعا أن
يجذب المؤشر الجديد اهتمام المستثمرين العرب.
"إعلان سابق وتأجيل مثير"
المثير هنا، أن الإعلان عن إطلاق المؤشر المتوافق
مع الشريعة الإسلامية بالبورصة المصرية، جرى مسبقا عدة مرات، وبتوقيتات مختلفة دون
تنفيذ القرار، حيث جرى تأجيل موعد تنفيذه على لسان رؤساء البورصة عدة مرات.
وفي كانون الثاني/ يناير الماضي أعلن الرئيس
السابق لمجلس إدارة البورصة رامي الدكاني، عن استحداث مؤشرات جديدة، مثل المؤشر المتوافق
مع الشريعة الإسلامية، أسوة بأسواق أخرى أطلقت المؤشر، دون أن يحدد موعدا لذلك.
ولكنه وفي 20 حزيران/ يونيو الماضي، أعرب
الدكاني، ثانية عن عزم بورصة مصر إطلاق مؤشر متوافق مع الشريعة الإسلامية خلال الربع
الثالث من العام الحالي، وهو الأمر الذي لم يجر تنفيذه.
وكانت البورصة المصرية قد اتفقت في آب/ أغسطس
الماضي، مع وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني لإطلاق المؤشر الإسلامي،
في تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري.
لكن أحمد الشيخ، الذي جرى تعيينه رئيسا لمجلس إدارة
البورصة المصرية خلفا للدكاني، في آب/ أغسطس الماضي، أعلن في 22 تشرين الأول/
أكتوبر الماضي، عن إطلاق المؤشر في كانون الثاني/ يناير المقبل، فيما أعلن
الاثنين، لموقع "الشرق بلومبيرغ"، أن التنفيذ سيكون في النصف الأول
من العام، دون موعد محدد.
"أزمات.. وحلول"
ذلك التوجه يأتي فى إطار السعى لجذب مستثمرين جدد،
وزيادة أحجام الاستثمارات فى سوق الأوراق المالية، وتوفير مصادر دخل للعملة الأجنبية،
في وقت يعاني فيه اقتصاد مصر من أزمات هيكلية واختلالات خطيرة، وسط حاجة البلاد
إلى التمويل، بالتزامن مع ضغط أزمة الديون وحلول آجال الكثير من فوائدها وأقساطها.
ويرى مراقبون أن الخطوة تأتي في ظل سعي الحكومة
المصرية لجذب شريحة معينة من المستثمرين التي ترغب في الاستثمار في أدوات مالية متوافقة
مع الشريعة الإسلامية.
ومن آن إلى آخر يجري الحديث الحكومي عن التوجه
إلى الصكوك الإسلامية، كإحدى طرق التمويل، ليصل الأمر إلى فكرة طرح المؤشر الجديد
المتوافق مع الشريعة الإسلامية، أيضا.
وفي شباط/ فبراير الماضي، أصدرت الحكومة المصرية،
للمرة الأول في تاريخها، صكوكا إسلامية سيادية بنحو 1.5 مليار دولار بعائد 11
بالمئة لتمويل مشروعاتها، وفي محاولة لتعويض الفجوة في الطلب على العملات
الأجنبية.
ويأتي التوجه نحو إطلاق مؤشر متوافق مع الشريعة
الإسلامية ضمن استحداث البورصة المصرية العديد من القرارات، والتي كان بينها اعتزام
البورصة إدراج عقود آجلة على المؤشر الرئيسي "EGX30" بشكل مبدئي عند بدء العمل بسوق العقود الآجلة.
وأيضا، موافقة الهيئة العامة للرقابة المالية في
أيلول/ سبتمبر الماضي، على تدشين أول صندوق استثمار في الذهب، لشركتي "إيفولف
القابضة" و"أزيموت مصر"، فيما جمع صندوق "غولد-az" نحو 153 مليون جنيه من شريحة الاكتتاب الأولى بوثائقه، مستقطبا
نحو 7 آلاف مستثمر، أغلبهم مصريون.
لكن، خبراء قللوا في حديثهم
لـ"عربي21"، من حجم إيجابية فكرة إدراج المؤشر الإسلامي في البورصة
المصرية، وفائدتها للاقتصاد "المتهالك" وللبورصة التي تعاني الهبوط، مؤكدين أنها
فكرة غير جديدة ومطبقة في العديد من الدول، ولن تحل أزمة الاقتصاد المصري الذي
يحتاج لحل أزمته مع الديون أولا.
"ترقيع لن ينقذ الاقتصاد"
وقال رئيس
الأكاديمية الأوروبية للتمويل والاقتصاد الإسلامي الدكتور أشرف دوابه، إن
"موضوع المؤشر الإسلامي ليس حديثا، وموجود ببورصات كثيرة لدول العالم حتى
الغربية منها"، مبينا أنه "يطلق على هذا المؤشر اسم الأسهم المختلطة، ليكون الأصل في تعامل الشركات المدرجة بالمؤشر حلالا وفقا للشريعة
الإسلامية".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: لكنها
تتعامل بالحرام أحيانا"، ضاربا المثل "بشركة تتعامل في المقاولات وفقا
للشريعة الإسلامية ثم تضع أموالها في بنك تقليدي أو بنك ربوي"، لافتا إلى أنه
"من خلال هذا المؤشر يتم رصد نسبة الحرام بتعامل تلك الشركات الذي في الغالب
لا يزيد عن الثلث، كما يتم التخلص من نسبة الحرام".
الأكاديمي
المصري ورئيس التمويل والاقتصاد بجامعة اسطنبول، أكد أنه "وبناء على هذا
يختار المستثمر في البورصة الشركة المتوافقة مع الشريعة الإسلامية"، لافتا
إلى وجود "نوع آخر من الشركات وهي النقدية ومعروف أن كل تعاملها يكون حلالا،
وذلك بجانب النوع الثالث مثل البنوك الربوية والتقليدية".
ويرى دوابه، أنه "لو أرادت الحكومة جذب
أموال للبورصة فإن هذا لن يقيم اقتصاد البلاد، ولن يجذب المال المطلوب، والفكرة لن
تقدم لها نقلة نوعية في الاقتصاد، وخاصة أنها مرتبطة بالبورصة وليس بالسوق الأولي والسوق الأساسي للاستثمار في أي بلد".
وأضاف: "إذا كانت الحكومة تفكر أنها بهذا ستجذب
أموال المستثمرين، فأعتقد أن هذا الأمر سيكون متواضعا، ولن يحقق المطلوب، فهذه كلها
عمليات ترقيع لن تنقذ اقتصاد مصر".
وختم بالقول: "من يريد إنقاذ الاقتصاد
لابد له من حل مشكلة الديون بحل جذري، فالمنطلق بالنسبة لوضع الاقتصاد المصري
والنقطة المهمة والفاصلة فيه هي حل مشكلة الديون وخلاف ذلك ترقيع للوضع".
هل هناك تجارب ناجحة؟
ويأتي إدخال مصر المؤشر الإسلامي في بورصتها
المحلية بعد 16 شهرا من تجربة سعودية ناجحة منذ تموز/ يوليو 2022، وإثر نحو 4
سنوات من تجربة إماراتية في تطبيق المؤشر الإسلامي في تشرين الأول/ أكتوبر
2019.
ومنتصف العام الماضي، أطلقت البورصة السعودية "مؤشر
تاسي الإسلامي" المتوافق مع أحكام الشريعة، بهدف إعطاء المزيد من الجاذبية لسوق
الأسهم، وزيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي لبورصتها.
ذلك المؤشر يتتبع أداء الشركات المتوافقة مع الشريعة
والمدرجة بسوق الأسهم الرئيسية، ويفرض 5 ضوابط شرعية، بينها أن يكون أصل نشاط الشركة
مباحا، وألا يتجاوز المبلغ المقترض بالربا نسبة 33 بالمئة، وألا يتجاوز الاستثمار المحرم
15 بالمئة، والإيراد المحرم 5 بالمئة، مع التخلص من الإيراد المحرم كاملا.
وفي الربع الثالث من 2019، أعلن سوق دبي المالي
إطلاق المؤشر الإسلامي لسوق دبي المالي، موفرا للمتعاملين أداة معيارية ترصد أداء أسهم
الشركات المتوافقة مع الشريعة بما يسهل عليهم اتخاذ قرارات التداول فيها، الأمر الذي
يعزز جهود جذب المزيد من الاستثمارات المالية الإسلامية إلى السوق.
وأكد رئيس قسم البحوث بشركة "أسطول لتداول
الأوراق المالية"، محمد عبدالحكيم، وفي تموز/ يوليو الماضي، لموقع "البورصة":
"هناك تجارب ناجحة لمؤشرات إسلامية بالبورصات الأجنبية مثل بورصات طوكيو ولندن،
ومن أبرز المؤشرات الإسلامية العالمية مؤشر داو جونز للسوق الإسلامي، ومؤشر MSCI العالمي الإسلامي".
لكن يظل التخوف قائما حول نوعية الشركات التي
سيتم ضمها لهذا المؤشر بالبورصة المصرية، ومدى تلاءم أنشطتها وأوضاعها المالية والمحاسبية
مع أحكام الشريعة، وكيفية مراقبة البورصة لأنشطتها، وهو الأمر الذي يخضع في
البورصة الإماراتية والسعودية لقواعد وجهات رقابية.
"تحايل واضح"
وفي رؤيته، قال الباحث والمحلل الاقتصادي الدكتور
أحمد البهائي: "نحن مع نشاط البورصة وليس ضدها، ولكن نعرف أن تعاملاتها بكل الدول
تقوم على أسعار الفائدة بتلك الدول، والمرتبط تحديد قيمتها أساسا بمعدل الفائدة الأمريكية".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح أن "تلك
الفائدة يدخل في تحديد معدلاتها جميع الشركات الأمريكية دون استثناء، حيث أن جزءا كبيرا
منها قائم في أساسه على الربا".
وأضاف: "وبما أن مصر تعتبر بورصتها من بورصات
تلك الدول فإن ما يقال عن مؤشر متوافق مع الشريعة الإسلامية أو أن المؤشر سيتضمن أسهم
الشركات التي تتلاءم أنشطتها وأوضاعها المالية والمحاسبية مع أحكام الشريعة الإسلامية،
فما هو إلا (تحايل) حيث أن الأمر من الصعب بل من المستحيل".
ولفت الباحث المصري، كذلك إلى ما اعتبره
"اختلاف الرأي في فهم الشريعة الإسلامية، وخاصة جانب المعاملات المالية، ما سيجعلها
تخضع لتطبيقات متنوعة وليس تطبيقا واحدا للمبادئ الإسلامية في المعاملات، ما يؤدي للتنوع
في الإطار الذي يحكمها".
وأشار إلى أنه "من المعروف أن البنوك الإسلامية
والمصارف الدينية وبيوت التمويل وشركات توظيف الأموال هي التي ستشارك بنشاط هذا المؤشر،
ولهذا نتساءل: هل سيخضع هذا المؤشر لقوانين المرابحة والمشاركة أم لقانون أسعار الفائدة
العالمية".
وقال البهائي إن "إسباغ الصفة الإسلامية
على أي مؤشر بصفة عامة هي مسألة صعبة ومعقدة للغاية بوقتنا هذا وخلال الأزمة المالية
والاقتصادية العالمية المتواصلة، وخاصة البنكية والنقدية".
"تغول الشركات"
ويعتقد أنه "بدون قوانين وضوابط رقابية وقانونية
على المصارف الإسلامية وبيوت التمويل وشركات توظيف الأموال فإن كلا من نظامي المرابحة
والمشاركة قد يضع المودع تحت رحمة الشركة أو المصرف الإسلامي ومدى أمانته في تحديد نتيجة
أعماله".
وألمح إلى أنه "يمكن أن يربح كثيرا ويزيف
نتائج أعماله، ليقول إنه لم يحقق ربحا، حتي يدفع أرباحا قليلة للمودعين، ويمكن أن يستخدم
الأموال في توظيفات عالية الخطورة ويقامر بأموال المودعين، فيقدم لهم أرباحا عالية
بعض الوقت لإغراء المزيد من المودعين بالإيداع لديه، لكنه يمكن أن ينهار ويوقع بالمودعين
خسائر هائلة تلتهم أصول ودائعهم كلية".
وأكد أن "هذا ما حدث في مصر عندما تمت المضاربة
في أسواق العملات والأسهم والمعادن النفيسة ومنيت فيها بخسائر ضخمة وانهارت وأضاعت
مليارات الجنيهات من أموال المودعين، وقدمت تجربة سلبية ونموذجا سيئا للاقتصاد الإسلامي".
وخلص إلى أن ما سبق "يدفعنا للقول إن تلك الفكرة
ليس لها أي دوافع إيجابية تعود على الاقتصاد المصري، وقد يكون احتمال نجاحها معدوما للغاية، وقد تنضم الفكرة إلى أفكار تمويل أخرى
فشلت ولم تحقق المردود منها مثل مبادرات التمويل من المصريين في الخارج".
وتساءل الباحث المصري مجددا: "هل استطاعت
إيران (كدولة إسلامية) أن تكمل أسلمة نظامها الاقتصادي بأسلمة بورصتها مع تلك الترسانة
من القوانين واللوائح والتعليمات لضبط وتنظم النشاط الإسلامي بها؟ وهل طبقت طهران
تلك القوانين والضوابط بحذافيرها دون الالتفاف عليها وخاصة في ظل العقوبات الاقتصادية
والمالية والتجارية المفروضة عليها".
أجاب البهائي: "بالطبع الإجابة لا، كذلك تركيا،
وبعض الدول العربية جزئيا"، مؤكدا أن "الحل ليس في تلك الأفكار التي لا تتفق
مع طبيعة الاقتصاد المصري، بل الحل عندما يُبنى الاقتصاد على قواعد الكفاءة والنزاهة
والشفافية والعدالة، ويكون قادرا علي تحقيق التنمية والتطور والتصنيع ورفع إنتاجية
العمل ورأس المال، من خلال العلم وإنتاج التقنيات الجديدة وتطوير الأساليب الإدارية".
ويختم بأنه "عندما يكون قادرا على تشغيل
العاطلين ومكافحة الفقر والفساد، فإنه لا يستدعي الأمر وضع لافتة دينية على نواحي الاقتصاد".