كشفت وثائق من أرشيف
الاحتلال الإسرائيلي بعد رفع السرية عنها لأول مرة فشل استخباراته قبيل
حرب أكتوبر عام 1973 في توقع هجوم
سوريا ومصر ضدها رغم الإشارات الكثيرة التي دلت على استعداد الجيشين العربيين.
ونشر أرشيف الاحتلال مجموعة من آلاف الوثائق والتسجيلات والمقاطع المصورة أشارت إلى الطريقة التي تعامل بها مع الحرب والفشل الاستخباراتي الكبير الذي سبقها، لاسيما تخبط صناع القرار حينها حول توجيه ضربات استباقية على غرار نكسة عام 1967.
وتوثق المواد المنشورة "الأحداث السياسية والعسكرية التي تزامنت مع حرب أكتوبر، كما توفر سجلات للمداولات التي جرت بين رئيسة وزراء الاحتلال آنذاك غولدا مائير وقادة الأمن في الأيام والساعات التي سبقت هجوم سوريا ومصر، بينما كان الاحتلال يحيي ما يعرف لديه بـ " يوم الغفران".
ووفقا للوثائق المفرج عنها، لم يتوقع الاحتلال تنفيذ الهجوم ضده على الرغم من العلامات الصريحة التي أشارت إلى أن الجيشين يستعدان للهجوم، حيث اعتقدت حكومته آنذاك أن "
مصر لن تهاجم بعد هزيمة عام 1967 إلا إذا اكتسبت أولا القدرة على شل سلاح الجو الإسرائيلي".
وجاء في تقييم رئيس المخابرات العسكرية إيلي زعيرا لرئيسة وزراء الاحتلال غولدا مائير، قبل يوم من اندلاع الحرب، أن الاعتقاد السائد هو أن "جاهزية إسرائيل تنبع بشكل أساسي من الخوف منها، كما قال لمائير في إحاطته حينها: أعتقد أنهم ليسوا على وشك الهجوم، ليس لدينا دليل. من الناحية التقنية، هم قادرون على التحرك، لكنني أفترض أنهم إذا كانوا على وشك القيام بذلك، فسنحصل على مؤشرات أفضل".
وفي تقييم آخر بعد ساعات، كرر زعيرا ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي دافيد إليعيزر موقفهما القائل بأن "سوريا ومصر تخططان على الأرجح لعدوان محدود أو حتى مجرد نشر قوات دفاعية".
وأضاف إليعيزر: "لا بد لي من القول، لا يوجد عندنا دليل كاف على أنهم لا ينوون الهجوم، وليس لدينا مؤشرات قاطعة على أنهم لا يريدون الهجوم، لكن بناء على المعلومات لا أستطيع أن أقول إنهم لا يستعدون".
وفي صباح يوم 6 تشرين أول/ أكتوبر، وقبل بدء الحرب بنحو 6 ساعات ونصف، قرأ السكرتير العسكري على مائير برقية ليلية وصلت من رئيس "الموساد" تسفي زمير، يشير فيها إلى أن الحرب كانت مسألة ساعات.
وتركز النقاش حينها بين قادة الاحتلال حول إذا كان ممكنا توجيه ضربة وقائية ضد المصريين والسوريين، لكن وزير الحرب موشيه ديان قال: "لا يمكننا أن نسمح لأنفسنا بتوجيه ضربة استباقية هذه المرة، من منظور دبلوماسي. في الوضع الحالي، حتى قبل خمس دقائق أمر مستحيل".
وأيدت مائير رأي ديان لحماية صورة الاحتلال أمام باقي دول العالم، إذ اعتبرت أن "توجيه ضربة استباقية هو أمر مغر للغاية، ولكن نحن لسنا في عام 1968. هذه المرة سنكون مكشوفين أمام العالم، ويعتبرون سلوكنا رجسا ومقتا شديدا وعملا بغيضا، لن يصدقونا".
كما ناقش قادة الاحتلال حينها جدوى تسريب أن "إسرائيل كانت على دراية بالهجوم الوشيك في محاولة لمنع أي احتمال لحدوثه" حيث اعتقد الوزير يسرائيل غاليلي أن تسريب مثل هذا النبأ كفيل بمنع وقوع الهجوم.
لكن مائير خالفته الرأي، مشيرة إلى تسريب المعلومات فقط للدبلوماسيين الأجانب، وانتهى بها الأمر بإطلاع السفير الأمريكي كينيث كيتنغ على المعلومات بعد أن قال ديان: "ينبغي علينا السير بحذر، حتى لا تكون هناك حالة من الذعر".
وبعد يوم من وقوع الهجوم، وهو ما فاجأ إسرائيل لأنه حدث في وقت أبكر مما كان متوقعا، اعترف ديان لمائير بأن تقييماته كانت خاطئة. وقال: "كان تقييمنا يستند إلى الحرب السابقة (عام 1967)، وكان خاطئا".
ووفقا لوسائل إعلام عبرية، جميع تلك الاعترافات التي نشر أجزاء منها في أوقات سابقة، دونت بخط اليد لمدير مكتب رئيسة الحكومة حينها، إيلي مزراحي.
مع العلم أن مزراحي الذي توفي عام 2001 احتفظ بآلاف الوثائق السرية، وهدد بنشر كتاب فيها، ما أدى بالاحتلال لدفع مبالغ ضخمة مقابل صمته. وحتى الآن، لم يتم نشر المذكرات الكاملة التي كتبها أثناء الحرب، بحسب أرشيف إسرائيل.