ملفات وتقارير

يغزو الأحياء الفقيرة ويرعب الملايين.. "عربي21" ترصد كوارث تفشي "البوفا" في المغرب

تفشي "البوفا" في المغرب يقلق الكثير من الأسر المغربية ويهدد بآثار اجتماعية وخيمة- جيتي
"في الإدمان دائما ما تبحث عن الجديد، ممّا جعلنا نشترك في 100 دولار ونحصل على ما يكفينا من المخدرات، غير أن الرجل الذي كان يأتينا بها، عرّفنا على الكوكايين، وهنا انطلقت معاناتنا الكارثية".. تروي ياسمينة التي تغيّرت حياتها وانقلبت رأسا على عقب، قائلة: "صديقتي انتحرت بسبب المخدر، وصديقان آخران جنّوا، أما أنا فباع والداي المنزل لكي أتعالج من الإدمان". 

وتابعت ياسمينة: "كنت أسرق المال من والديّ للحصول على جرعتي من المخدر، وحين أصبحت الجرعات لا تكفيني، كنت بحاجة إلى 500 دولار يوميا، فكنت أبيع ذهب أمي".

ياسمينة، واحدة من شباب كُثر في المغرب، ذاقوا مرارة إدمان مخدر الكوكايين، وخاضت رحلة علاجية طويلة. خرجت لتنصح الشباب بالابتعاد عن كل ما يروج بين الشباب المغربي اليوم، مؤكدة في حديثها لـ"عربي21": "كُنا نتعاطى الكوكايين وأصبحت حياتنا عذابا وكارثة، فما بالك بمن يتعاطى اليوم بقايا ما كنا نتعاطاه، وهو وسخ الوسخ؟".

مخدر "البوفا" يرعب المغاربة
أينما ولّيت سمعك استشعرت حجم الخطر المتنامي بخصوص ما بات يسمى بمخدر الفقراء، أشخاص باعوا ما يملكون، وآخرون اضطرّوا للسرقة، وهناك من بات يعيش "عبدا" لدى الآخرين فقط من أجل الحصول على جرعات بقايا المخدرات؛ وبالتزامن مع كميّة القلق بين الأسر المغربية، من إدمان أبنائهم، فقد بات مخدر "البوفا" أكثر انتشارا خاصة في الأحياء الشعبية أو أمام المؤسسات التعليمية.


وقال الخبير والطبيب الباحث في السياسات والنظم الصحية ورئيس النقابة الوطنية لأطباء القطاع الخاص بالمغرب، الطيب حمضي، إن "مخدر "البوفا" أو "الكراك" أو "كوكايين الفقراء" كما يطلق عليه البعض، عبارة عن بقايا "مخدر الكوكايين" التي يتم خلطها مع مواد كيميائية من بينها "الأمونياك" حتى تتحول إلى مادة شبيهة ببلورات الكريستال، يتم استهلاكه عن طريق الاستنشاق أو التدخين".

وأضاف رئيس النقابة الوطنية لأطباء القطاع الخاص بالمغرب، في حديثه لـ"عربي21": "انتشر هذا المخدر الخطير في أمريكا في الثمانينيات، وانتشر في التسعينيات في عدد من الدول الأوروبية"، مشيرا إلى أنه "مخدر خطير ينتشر بسرعة لكونه رخيصا، ويتسبّب في  خطورة جسيمة على القدرات العقلية والجسدية لمن يتعاطاه، وكذا نوبات قلق مصحوبة بهلوسات، ما قد يدفع إلى إيذاء النفس أو الآخرين".

وتابع: "يتسبب في الكثير من الأزمات القلبية، من بينها الجلطة، وهلوسات عقلية عنيفة، كما أنه يترك آثارا نفسية خطيرة، قد تدفع متعاطيه لفقدان القدرة التامة على النوم، والقيام بعدد من الجرائم في حق نفسه وفي حق الآخرين".


"البوفا" يصل إلى البرلمان المغربي
وصل نقاش تداعيات تفشي مخدر "البوفا" بسرعة إلى قبة البرلمان المغربي، فيما تصُب كافة الأسئلة البرلمانية التي حصلت "عربي21" على نسخ منها، في مسار تنبيه الحكومة المغربية لمخاطر الترويج؛ حيث وجه عدد من البرلمانيين استفسارات إلى وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، عن إجراءات وجهود محاربة هذا "المخدر".



وقال النائب عن الفريق الحركي بمجلس النواب، عبد النبي عيدودي: "دق ناقوس الخطر من العديد من الخبراء وجمعيات المجتمع المدني، بعد تسجيل ارتفاع في انتشار مخدر ما يسمى "البوفا" أو "الكراك"، المسمى أيضا "كوكايين الفقراء".

وأثارت النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة التامني،  موضوع مخاطر هذا المخدر قائلة: "بات يخرب البيوت ويلقي بالشباب إلى التهلكة ويدفع مستهلكيه إلى الانتحار، وإن الأمر ينذر بمشاكل اجتماعية خطيرة داخل المجتمع".

وأضافت: "تصريحات عدد من الأشخاص المدمنين على هذا المخدر، تفيد بكونهم يواجهون صعوبات في التحكم في أنفسهم، وأيضا في محاولة التخلص من الإدمان بالنسبة لبعض المدمنين، وهو الأمر الذي يُنذر بمشاكل اجتماعية خطيرة داخل المجتمع، سواء في علاقة الشباب بمحيطهم أو ما يشكله من خطورة على صحتهم وتوازنهم بل وعلى حياتهم، وكذلك في ما يتعلق بالنساء الأمهات لأطفال، من حيث فقدانهن لتوازنهن النفسي، الأمر الذي يُهدّد حياة هؤلاء الأطفال". 





وقال  رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، رشيد حموني، في سؤاله لوزير الداخلية، "إن هذا المخدر الجديد، والذي يُعتبر من أخطر المخدرات، بات يغزو عدداً من أحياء بعض مدننا، ولا سيما الأحياء الهامشية والفقيرة، وذلك بسبب سعره المنخفض وسرعة الإدمان عليه. ورغم الجهود الجبارة التي تبذلها المصالح الأمنية في محاربة ظاهرة تفشي المخدرات بكل أنواعها، فإن انتشار هذا النوع الجديد والبالغ الخطورة من المخدرات، صار يشكل خطرا أكبر على حاضر ومستقبل كل من وقع في الإدمان عليه".

سوء التعاطي الإعلامي 
على خلفية رصد "عربي21" لارتفاع المنشورات المحذّرة من مخدر "البوفا" على مواقع التواصل الاجتماعي، بالتزامن مع نسب التغطية الإعلامية المتزايدة لآثاره على المجتمع المغربي، يرى الباحث في الإعلام والتواصل، وليد اتباتو، أن لـ"وسائل الإعلام، اضطلاعا بالأدوار المنوطة بها، فهي ملزمة من باب مسؤوليتها الاجتماعية بتسليط الضوء على الظواهر الاجتماعية الجديدة ولفت الانتباه إلى المخاطر التي تهدد أمن وسلامة المجتمع، وهو ما سيدفع باقي مكونات المجتمع إلى استشعار الخطر والتحرك".



وأوضح اتباتو في حديثه لـ"عربي21"، أن "الزخم الذي عرفه تناول الموضوع إعلاميا وطرق المعالجة التي انزاحت في كثير من الأحيان عن المهنية، أسهم في الانتقال من التناول إلى الفرجة، وهو الأمر الذي قد يفضي إلى مفعول عكسي أثناء التلقي، خصوصا من قبل المراهقين". 

وأضاف: "هذا ما تذكيه نظرية التعلم الاجتماعي التي تفيد بأن اكتساب الفرد لأنماط من السلوك هو نتيجة تعرضه وتأثره بنماذج من السلوك المقدمة عن طريق التعزيز أو الرفض الصريحين أو عن طريق الملاحظة والتذكر خصوصا في حالة وجود دوافع نفسية للفرد".

وتابع: "حتى إن كان الغرض من هذا الكم الكبير من الأخبار التي تخص مخدر البوفا هو التوعية والتحسيس، فإن هذه العمليات لا تدار بهذا الشكل، بل ينبغي أن يتم التخطيط لها بشكل منهجي وفق مدخلات واضحة والاستعانة بمختصين في مجالات مختلفة نظرا لحساسية مواضيع المخدرات والإدمان وخصوصيتها".


تعليمات أمنية واعتقالات بالجُملة
أمام هذا الوضع، قال وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، إن "مكافحة الجرائم المرتبطة بالمخدرات تندرج ضمن قائمة أولويات السلطات المحلية والمصالح الأمنية بجميع مكوناتها"، مشيرا إلى أنها "تشكل تحديات أمنية ومخاطر إجرامية مرتبطة أساسا بالجريمة المنظمة؛ وبالأخص منها تهريب المخدرات والأقراص المهلوسة".

وأعطى المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، عبد اللطيف حموشي، تعليمات لمختلف المصالح الأمنية من أجل شن عدد من العمليات الأمنية المكثفة بهدف تجفيف منابع تهريب وترويج مخدر البوفا، فأسفرت العمليات في ولاية أمن الدار البيضاء الخميس الماضي، عن توقيف 15 شخصا، من ضمنهم شخصان كانا يشكلان موضوع مذكرات بحث على الصعيد الوطني صادرة عن السلطات القضائية المختصة.



وأسفرت عمليات التفتيش المنجزة، عن حجز مجموعة من جرعات مخدر "البوفا" و"الكوكايين"، وعلب من مادة "بيكاربونات الصوديوم" و"قنينات بلاستيكية" تستعمل في إعداد واستهلاك مخدر "البوفا"، وكذا حجز كمية من مخدر "الشيرا" و"أسلحة بيضاء" ومبلغ مالي يشتبه في كونه من عائدات هذا النشاط الإجرامي؛ ليتم إيداع المشتبه فيهم تحت تدبير الحراسة النظرية رهن إشارة البحث القضائي الذي يجري تحت إشراف النيابة العامة المختصة.

بدورها، تمكنت فرقة محاربة العصابة بمدينة سلا، الأحد الماضي، من توقيف شخص بمحطة القطار الرباط أكدال، وذلك للاشتباه في تورطه في قضية تتعلق بحيازة وترويج مخدر "البوفا" والمؤثرات العقلية، متلبسا بحيازة 100 غرام من مخدر "البوفا"، وعدد من القنينات التي تستخدم في استهلاكها، و1000 قرص من مخدر "الاكستازي" و780 قرصا من نوع "ريفوتريل" وميزانين صغيرين، علاوة على مبلغ مالي ومجموعة من الأسلحة البيضاء يشتبه في تسخيرها لأغراض التهديد بارتكاب اعتداءات جسدية.

وبالتزامن مع كافة العمليات الأمنية الراهنة، فلا تزال المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تّنذر بخطورة ما يتم ترويجه من المخدر، ولا يزال عدّة باعة مستمرّين في نشاطهم، ولا يزال القلق يسكن الكثير من الأسر المغربية.