الكتابة عن
فلسطين في السياق العربي اليوم صارت صعبة جدا لا بسبب
غموض القضية أو تعقّد مستويات التحليل فيها بل لأنها صارت منذ سنوات أصلا تجاريا
لكثير من السماسرة والمرابين. القضية تمزقها تحالفات الخارج والداخل وتقاطع مصالح
شبكات دولية وإقليمية من أجل الإبقاء على الحالة الفلسطينية كما هي بسبب ما يحققه
لهم بقاء الوضع على حاله من مصالح وثروات طائلة.
هذه القوى الداخلية والخارجية تعمل جاهدة وبكل قواها من أجل أن لا
تجد قضية شعب فلسطين حلا بل إن منهم من صار يجاهر اليوم علنا بضرورة طرد
الفلسطينيين والتحالف مع اليهود والمستوطنين. هذا في الخارج أما في الداخل فقد
أحكمت القوى المتمثلة في
سلطة رام الله قبضتها على نصيب كبير من حراك الشعب
الفلسطيني وتحولت منذ نشأتها مع حركة فتح إلى ذراع داخلية لمشاريع الاستيطان.
السلطة وكيلا عربيا
في كل الدول العربية تقريبا كان نظام الحكم فيها منصّبا من قبل
المحتل السابق خلال ما سمّي بفترة الاستقلال أي أن النظام الرسمي العربي ليس إلا
وكيلا إقليميا للقوى الخارجية. ليس القذافي في ليبيا وصدام في العراق وعبر الناصر
في مصر وبورقيبة في تونس وبومدين في الجزائر إلا دمى متحركة قرر النظام العالمي الجديد
حينها تمكينها من السلطة عبر الانقلابات العسكرية أو المدنية بشكل مباشر أو غير
مباشر.
قامت أذرع المستعمر الإعلامية قبل ذلك وبعده بصناعة صورة البطل
المقاوم لكل وكيل محلي حتى يسهل فرض صورته على الجماهير باعتباره منقذا ومخلصا
ومجاهدا ثائرا بعد تصفية الأنظمة الملكية ووضع أسس التبعية التي لا تزال سارية إلى
اليوم. هذا الوكيل الإقليمي هو الذي سيتكفل بتصفية القوى الحية وتدمير القوى
الوطنية المقاومة تحت ذرائع مختلفة مثل الخيانة والتآمر مع الخارج أو بتهمة
الرجعية والظلامية أو حتى بتهمة الإرهاب وتهديد الأمن القومي. وهو الأمر الذي يفسر
كل المجازر التي ارتكبت بعد أكذوبة الاستقلال في حق رفاق الثورة ورفاق السلاح فقد
كانت مرحلة ضرورية لسحق كل الأصوات المعارضة التي قادت حركة المقاومة ضد المحتل
لكن بأيدي إخوانهم هذه المرة.
أما الأخطر من ذلك فهو أن تتحول السلطة الفلسطينية اليوم إلى ذراع
أمنية لخدمة المحتل وهي نفس الأذرع الأمنية التي صنعتها بريطانيا وفرنسا والولايات
المتحدة الأمريكية في الدول العربية التي غزتها واحتلتها.
فلسطين اليوم حق أريد به باطل وقناع شفاف يخفي قبح النظام الرسمي العربي الذي صار اليوم أخلص حراس تل أبيب وأهم حليف لها في المنطقة فلا وجود لها بدونه ولا حياة له من غير دعمها. إن تصفية الثورات الأخيرة وحمام الدم الذي لا يزال جاريا في سوريا هي أنصع الأدلة على تحالف المحتل والوكيل في سبيل منع سقوط أحدهما ولو كلفهم ذلك فلسطين وشعب فلسطين وكل الشعوب العربية.
إن سلطة التنسيق الأمني ليست في الحقيقة سوى امتدادا طبيعيا لصحوات
العراق وحركى الجزائر وصبايحية تونس... إنهم نفس المكوّن المكلّف بتصفية حركة
المقاومة من الداخل. إنهم يسموْن في فرنسا خلال
الاحتلال النازي : المتعاونون.
هؤلاء هم أخطر مكونات الاحتلال لأنهم يقومون بتصفية الجسد من الداخل بسبب قدرتهم
على الوصول إلى كل العناصر داخله بحكم اللغة والثقافة والانتماء والجوار.
حين تقوم قوات رام الله بالقبض على المقاومين الفلسطينيين وتسليمهم
لجيش الاحتلال فإن ذلك هو استنساخ حرفي لما كانت تقوم به أجسام مشابهة في تونس
والجزائر وليبيا ومصر والعراق وسوريا خلال مرحلة الاحتلال وحتى بعدها.
الشعارات الكاذبة
لا يقتصر الاتهام هنا على الأنظمة العربية والإقليمية التي جعلت من
خيمة فلسطين ملجأ لها كلما اشتد نقد الداخل والخارج. فدول الخليج كلها مع فلسطين
في حين تكتفي قطر بمساعدة قطاع غزة ومنع انهياره. أما في إيران فقد جعل نظام
الملالي من فلسطين شماعة جرائمه في حق العرب والمسلمين السنة بل إن فيلق القدس قد
ارتكب من المجازر في العراق وسوريا ما لم يرتكبه جيش الاحتلال نفسه في حق
الفلسطينيين.
أما الدول العربية الأخرى وخاصة دول الطوق مثل الأردن ومصر وسوريا
ولبنان فقد حققت عبر تحالفها العلني أو السري مع جيش الاحتلال هدف المحافظة على
نظامها السياسي الحاكم. بالأمس القريب تبجحت الجزائر الرسمية بدعم فلسطين بثلاثين
مليون دولار وهو مبلغ تافه بالنسبة لدولة بحجم الجزائر ؟ أليس نظام العسكر هناك هو
الذي دعم جرائم بشار الأسد ضد السوريين والفلسطينيين؟
نصرة فلسطين هي أعظم أكاذيب النظام الرسمي العربي الذي نجح في اختراق
الشعب الفلسطيني وتحويل جزء كبير من قياداته السياسية إلى مرتزقة تدافع عن مصالح
مادية وامتيازات ووظائف وأموال مقابل بيع فلسطين وشعب فلسطين. بل إن سرعة التطبيع
مع المحتل التي تعصف بالساحة الخليجية تحديدا تؤكد أن هذا النظام قد حسم قضية
القدس واللاجئين وحق العودة نهائيا وأن حفاظه على كرسي الحكم هو ثمن الصفقة.
فلسطين اليوم حق أريد به باطل وقناع شفاف يخفي قبح النظام الرسمي
العربي الذي صار اليوم أخلص حراس تل أبيب وأهم حليف لها في المنطقة فلا وجود لها
بدونه ولا حياة له من غير دعمها. إن تصفية الثورات الأخيرة وحمام الدم الذي لا
يزال جاريا في سوريا هي أنصع الأدلة على تحالف المحتل والوكيل في سبيل منع سقوط
أحدهما ولو كلفهم ذلك فلسطين وشعب فلسطين وكل الشعوب العربية.