مقابلات

ولد في قرطبة.. "عربي21" في حوار شخصي مع متحدث الاتحاد الأوروبي

بوينو: كنت أذهب مرة أو مرتين أسبوعيا مع جدي إلى مسجد قرطبة الكبير
في العادة، حينما نلتقي في صحيفة "عربي21" بأي متحدث غربي سواء كان أمريكيا أو أوروبيا، يكون محور اللقاء سياسيا وعن قضايا منطقة الشرق الأوسط، لكن هذه المرة سيكون لقاؤنا بالمتحدث الرسمي باسم الاتحاد الأوروبي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لويس ميغيل بوينو، مختلفا.

"عربي21" التقت بوينو، وتناول الحوار الجوانب الشخصية بعيدا عن السياسة، حيث تحدث  عن حياته الشخصية وعن السبب الذي دفعه لتعلم اللغة العربية، وكيف ساهمت نشأته في مدينة قرطبة التي تحتوي معالم تاريخية عربية وإسلامية في دفعه للتعرف أكثر على الثقافة العربية.

وأكد بوينو أن هناك عادات وتقاليد مشتركة بين وطنه الأم إسبانيا والعالم العربي، كذلك هناك كلمات عربية دخلت اللغة الإسبانية.



وتاليا نص الحوار:

في البداية لو تعرفنا على نفسك من الجانب الشخصي، وتحدثنا عن مكان مولدك ونشأتك؟

بداية، شكرا على الاستضافة وهذه الفكرة الجميلة لتعريف القارئ العربي بي بشكل شخصي بعيدا عن السياسة.

أنا من إسبانيا وتحديدا من منطقة جنوبية اسمها "أندولسيا"، وهي تتكون من سبع مدن، وعاصمتها قرطبة التي أنحدر منها، وهي كما هو معلوم مدينة لها تراث وتاريخ عربي وإسلامي، عشت فيها منذ الطفولة حتى إنهائي المرحلة الجامعية.

وبالطبع خلال مراحل حياتي، زرت عددا من الأماكن التاريخية في قرطبة والمرتبطة بالتاريخ الإسلامي، وخاصة المسجد الأموي الكبير، ومنذ زمن طويل كنت أريد تعلم اللغة العربية والتعرف أكثر على المزيد من الثقافة العربية والتقاليد والعادات، فقلت لنفسي منذ سنوات عديدة في يوم من الأيام سأتمكن من ذلك، ولا أزال حتى الآن أتعلم هذه اللغة وأكتشف الكثير من الأشياء من هذه الثقافة الجديدة والتاريخية.

وبالطبع أنا الآن مقيم في بيروت، ومررت بمراحل كثيرة منذ سنوات حياتي الأولى في قرطبة، وأما دراستي فقد درست القانون، وبعد ذلك درست اللغة الفرنسية في باريس، ومن ثم اللغة الإنجليزية لفترة قصيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، وبعدها تخرجت من المدرسة الدبلوماسية الإسبانية، وعملت مباشرة في السلك الدبلوماسي الإسباني.

وخلال عملي الدبلوماسي تنقلت في أكثر من بلد عربي، حيث كنت في الأردن والسودان، كذلك عملت في بلدان غير عربية مثل البوسنة، وبعدها انطلقت للخدمة الخارجية والدبلوماسية الأوروبية، وحاليا كما تعلم، أنا متحدث رسمي باسم الاتحاد الأوروبي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

إذن، يمكن القول بأن نشأتك في قرطبة وزيارتك ومشاهدتك للتراث العربي والإسلامي فيها، ساهم في دفعك لتعلم اللغة العربية، كيف كان شعورك حينما كنت ترى هذه المعالم الإسلامية والعربية التاريخية؟

بالتأكيد، فأنا أتذكر جيدا حينما كنت في مرحلة الطفولة، كنت أعيش في حي ليس بعيدا عن المسجد الأموي الكبير والحي القديم في قرطبة، وكنت أذهب تقريبا مرة أو مرتين أسبوعيا مع جدي إلى المسجد، وأول شيء لفت انتباهي الآيات القرآنية الموجودة على المحراب، والمكتوبة بالذهب وهذه الألوان الجميلة، وكنت نوعا ما مصدوما من جمال هذه الآيات وهذا المكان بشكل عام.

ومنذ ذلك الوقت، كنت أقول لنفسي في يوم من الأيام سأتعلم هذه اللغة والتحدث بها، وأعتقد أن الصدفة التي جعلتني أولد في هذه المدينة، كذلك تجربتي بزيارة هذه الأماكن، ليس فقط في قرطبة بل أيضا في غرناطة، دفعني إلى تعلم اللغة العربية.

وأعتقد أن العربية ليست مجرد لغة، وإنما وسيلة لتجربة المزيد من الأمور الثقافية، كذلك هي باب يمكن للإنسان الدخول عبره لهذه الثقافة ومعرفتها أكثر.

نسمع أن هناك عددا لا بأس به من الكلمات العربية موجودة حاليا في اللغة الإسبانية، هل تذكر لنا بعضها، وكيف ترى أن هذا الأمر أثر عليك خلال تعلمك اللغة العربية؟

كثير من الناس لا يعرفون أن هناك ألفي كلمة أصلها عربي نستخدمها في اللغة الإسبانية، مثل "ARROZ" الأرز أو "CALIFATO" خلافة، وغيرها من الكلمات، ومثلا من أهم الكلمات المشهورة في اللغة الإسبانية هي "أوليه" وهذه الكلمة تأتي من كلمة الله باللغة العربية، وهذه الكلمات دخلت الإسبانية منذ قرون، ويستخدمها الناس سواء في الطعام أو غيرها من تفاصيل الحياة اليومية.

إضافة للكلمات، هاك عادات وتقاليد عربية دخلت حياتنا، فنحن الإسبان وتحديدا في المنطقة الجنوبية التي أنحدر منها، نخرج كثيرا في زيارات اجتماعية خارج البيت، ونحب هذا التواصل مع الناس بشكل عام، وهي مشابهة للعادات والتقاليد العربية، فمثلا حينما تلتقي بشخص في منطقتي تتحدث معه وتسأله عن نفسه وعائلته وأموره.

وهذه العادات عززت الجانب الاجتماعي في حياتنا اليومية، ولذلك أيضا العائلة لدينا مهمة جدا، وخاصة احترام الوالدين وتحديدا الأم، واحترام كبار السن مهم جدا لدينا، وحاليا خلال إقامتي في لبنان وقبلها في دول عربية أخرى، أتشارك مع مواطنيها هذه العادات والتقاليد الجميلة.

هل لمست فرقا خلال تعاملك مع متحدثين عرب بين الوقت الذي كنت لا تعرف فيه العربية وبعده؟ وكيف كان هذا الفرق؟

نعم، على سبيل المثال جلست يوم أمس مع السفير الأردني في لبنان فهو صديق لي، لذا زرته في السفارة الأردنية في بيروت، وكنت أتحدث معه باللغة العربية، وهو رجل مثقف جدا، لذا تحدثنا عن الأدب العربي والثقافة بشكل عام، بالطبع هناك فرق كبير جدا، وكما قلت: العربية ليست مجرد لغة، إنما هي مفتاح لمعرفة المزيد عن الثقافة العربية.

أتحدث العربية بوضوح ولكن بشكل متواضع، لأنني أدرك أن لدي الكثير من الطموح، فأنا رجل أريد المزيد من اللغة العربية وأدرك أنها صعبة جدا، ولكن في الوقت نفسه، هناك فرق كبير بين الحديث كأجنبي مع أي مواطن عربي بالعربية، مقارنة بالحديث بلغة أخرى كالفرنسية والإنجليزية مثلا، فهناك حتى تعبيرات مختلفة بالوجه، وبشكل عام أشجع الأجانب على تعلم العربية.

إذن يمكن القول بأنك تجد قبولا أكبر من قبل المتحدثين العرب حينما تحدثهم بالعربية؟

بالتأكيد، ليس فقط ذلك، أعتقد أيضا أنني كأجنبي وغيري من الأجانب الذين يزورون هذه المنطقة ويتحدثون مع الناطقين العرب، نجد أن هناك فوائد كثيرة لتعلم اللغة العربية.

بالطبع أنا هنا أتحدث الفصحى، وبطبيعة الحال هناك لهجات عربية عديدة في هذه المنطقة، ولكن أنا منذ بداية هذه المغامرة اللغوية، قررت تعلم الفصحى لأنني أعتقد أنها اللغة الأساسية، ويمكن استخدامها من المغرب إلى العراق، وسيكون الكلام مفهوما للجميع.

أتيت الآن على ذكر اختلاف اللهجات العربية، هل حدث لك مواقف طريفة أو سوء فهم نتيجة لهذا الاختلاف، خاصة أن هناك كلمات قد يختلف معناها في المشرق العربي عن معناها في المغرب العربي؟

فعلا هذا الموضوع مثير للاهتمام، فمثلا زرت الجزائر قبل شهر تقريبا، وخلال هذه الزيارة تعلمت بعض الكلمات والمصطلحات في اللهجة الجزائرية، مثلا حينما ترى شخصا جديدا وتريد التعرف عليه تقول له بالجزائري "وجرك"، لكن قد تكون هذه الكلمة غريبة على المتحدثين العرب في المشرق العربي، أو حتى في الخليج.

وبالنسبة لي من أصعب التجارب اللغوية هو الاختلاف في اللهجات، فعلى سبيل المثال كنت منذ سنوات في السودان وزرت صديقي في بيته، فقال لي في أثناء الحديث: "داير حاجة تانية"، فقلت له: لم أفهم جيدا، ولكنه في النهاية قال لي؛ إنه يعني هل تريد شيئا آخر.

ومن ثم، هذا الأمر من ضمن التحديات اللغوية أمامي، فهناك لهجة في المغرب ولهجة في العراق وغيرها، ولكن في الوقت نفسه، هذا دليل على التنوع الجميل في هذه المنطقة، وإذا تعلمت أكثر من لهجة إضافة للفصحى ما شاء الله عليك.

بالتأكيد خلال زياراتك للعالم العربي سواء في مشرقه أو مغربه جربت الطعام العربي، فما هي أكلتك العربية المفضلة لك؟

عموما النظام الغذائي العربي قريب جدا من النظام الغذائي الإسباني ومنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط؛ لأنه يتكون من المكونات نفسها تقريبا، فمثلا "الطواجن" التي نستخدمها في المطبخ الأندلسي قريبة جدا من مطبخ المغرب العربي، ولذا جربت الطاجن وهو من ألذ وأجمل الأطباق في المنطقة.

كذلك هناك أطباق عربية أخرى مثل المقلوبة الفلسطينية والمنسف الأردني والكسكس الجزائري، وبالتأكيد علينا ألا ننسى الكشري المصري، ونعم هناك تنوع كبير جدا في المنطقة على صعيد الأكل.

والجميل في هذه، أشعر أنني قريب نوعا ما من العرب على الصعيد الثقافي فيما يخص الطعام، وأيضا أكتشف أطباقا جديدة ومختلفة في كل مكان أزوره. ودليل على الاختلاف والتنوع الكبير في المطبخ العربي، لا زلت لا أعرف شيئا عن الأطباق الخليجية التي سأجربها في يوم من الأيام إن شاء الله.

طبعا أنا أحب الحلويات بشكل عام وخاصة في شهر رمضان، حيث مر علي هذا الشهر في عدة سنوات كنت خلالها موجودا في دول عربية مثل السودان والأردن أو لبنان، ودائما كانت الحلويات جميلة ولذيذة جدا، خصوصا في هذا الشهر الفضيل، أيضا المعمول مفضل لي، وجربت كذلك القطايف والكنافة في الأردن.

ذكرت خلال حديثك التراث العربي والمعالم الإسلامية الموجودة في مدينتك  قرطبة، ما رأيك به، وما الذي شد انتباهك أكثر؟

أعتقد أنني كشخص إسباني وأيضا كمواطن أوروبي، علينا ألا ننسى بأن التاريخ والثقافة العربية وحتى اللغة العربية، جزء لا يتجزأ من الهوية والتاريخ الأوروبي، فنحن نتحدث عن أكثر من 8 قرون من الوجود العربي في القارة الأوروبية وليس فقط إسبانيا، بل أيضا بمناطق أخرى مثل إيطاليا والبرتغال وغيرها.

وم ثم من البديهي التحدث عن تأثير كبير جدا للتراث العربي، بالإضافة إلى العلاقات بين أوروبا والوطن العربي منذ قرون، وأعتقد أن هناك أيضا مساهمات واضحة جدا من قبل الثقافة العربية والتاريخ العربي والإسلامي في التاريخ الأوروبي، بدءا من ابن خلدون وتاريخنا في الأندلس، فمثلا أعرف ابن رشد والفلسفة العربية الإسلامية ومساهمات العلم الإسلامي في التاريخ الأوروبي والعالمي أيضا.

ومن هنا، ننطلق إلى النهضة العربية مثلا في الأدب، وهناك كثير من الأشياء على جميع المستويات، ولكن أعتقد أنه يجب علينا نحن الأوروبيين وكذلك العرب، بذل المزيد من الجهود لإقامة هذه الجسور الثقافية بيننا، وخصوصا في هذه الظروف الصعبة التي نمر بها الآن. لأن هذا الأمر في غاية الأهمية، فنحن دائما ما نتحدث عن السياسة والاقتصاد، ولكن الثقافة وإقامة الجسور بين الشعوب من أهم الأشياء في حياتنا، وأنا شخصيا أؤمن بهذه الجهود وأبذل المزيد منها بشكل متواضع.

وإذا تحدثنا أكثر مثلا عن التراث العربي، أول أمر يخطر ببالي هي الاستضافة، فأينما كنت في الوطن العربي كشخص أجنبي بالتأكيد، ستجد شخصا أو عائلة عربية تستضيفك، وسيعطيك أقصى ما لديه من الضيافة والكرم والكرامة.

وهذه من الأمور التي ممكن أن نتعلم منها نحن الأوروبيين ونستخلص دروسا من هذه التجربة عندما نزور الوطن العربي، مثل الاستضافة الجميلة وهذا الشغف في استقبال  الضيف في بيتك، ولدينا أيضا احترام الآخر وكرامة الإنسان، بمعنى هذا الجانب الاجتماعي الذي كنا نتحدث عنه، وهذه الأشياء ربما بسيطة جدا، ولكنها في الوقت نفسه في غاية الأهمية.

خلال تعلمك اللغة العربية هل حفظت شيئا من الشعر العربي؟

لا أعتقد أن لغتي العربية وصلت إلى هذا المستوى، ولكني أقرأ الآن قصائد من شعر الشاعر اليمني عبد العزيز المقالح، الذي توفي رحمه الله العام الماضي، وهو كاتب مشهور وعظيم من اليمن، وحاليا أقرأ من كتابه قصيدة تقريبا كل يوم، وبالطبع أستخدم أحيانا القاموس؛ لأن هناك كلمات ومصطلحات أدبية لا أعرفها.

أيضا أقرأ للشاعر محمود درويش ولدي أكثر من كتاب له، وخاصة كتابه عن الأندلس والحنين بعد ترك العرب للأندلس، وهو كتاب جميل جدا، كذلك قرأت أكثر من مرة من شعر نزار قباني، وكنت سابقا أقرأ هذه الأمور بالفرنسية، لكن الآن أحاول قراءتها باللغة العربية لأول مرة بحياتي، وبالتأكيد هذا مفيد أكثر، ولكن أكثر تعقيدا.

لكن، هل لمست فرقا حينما قرأت الشعر باللغة العربية بدلا من قراءته بلغة أخرى؟

بالتأكيد، فمثلا الشاعر اليمني عبد العزيز المقالح له كتاب باللغة العربية ونسخة باللغة الإنجليزية، وبالطبع هناك فرق كبير بين النسختين؛ فمثلا عندما تقرأ القصيدة بالعربية بصوت عال تسمع موسيقى وراء هذه القصيدة، وتشعر بجمالها باللغة العربية غير الموجود في اللغات الأخرى.

لو تصف لنا تجربتك في الدول العربية، وتعامل المواطنين العرب معك؟

بكل صراحة نحن للأسف نركز دائما على السلبيات والأزمات، نعم هناك حروب وأزمات في المنطقة وغيرها، ولكن في تقديري علينا التركيز على الإيجابيات، مثلا من خلال تجربتي التقيت كثيرا بشباب عرب وهم "شاطرين" جدا، فهم يتحدثون لغات عدة، وأعتقد أنهم هم مستقبل هذه المنطقة، ولذلك علينا التركيز على هذه الفئة العمرية ونحاول قدر الإمكان أن نفتح قنوات للتواصل بيننا وبينهم.

وهذه من ضمن الأشياء المهمة في هذه المنطقة، التي يجب أن تدخل ضمن تركيزنا، وتجربتي كانت جميلة جدا، حيث التعامل مع الناس دائما باحترام.

وختاما سأسرد لك حادثة حصلت معي، كنت في إحدى السنوات في مكان، لنقل إنه صعب مع شخص في بلد عربي ما، وكان هو غاضبا "زعلان" مني، فقلت لنفسي لأتحدث مع هذا الشخص باحترام، فابتدأت حديثي معه بعبارة يا أستاذي الفاضل، وبعدها مباشرة تغيرت الأمور تماما، وأصبح التعامل والتبادل بيننا مختلفا تماما. لماذا؟ لأنني استخدمت هذه العبارة التي تعبر عن الاحترام.

أعتقد أن هناك إمكانيات كبيرة في المنطقة، وهناك تاريخ وثقافة غنية، ومرة أخرى أشير إلى ضرورة إقامة الجسور بين أوروبا والمنطقة العربية على الصعيد الثقافي، هذا الأمر مهم جدا.