مستشفى 57357 لسرطان
الأطفال في
مصر مهدد بالغلق أو البيع: أزمات مالية تمويلية طاحنة تواجه
جميع
مستشفيات الجمعيات الخيرية والتي تعتمد أساسا على
التبرعات، وبلغت ذروتها
باحتمالية
توقف مستشفى 57357 لسرطان الأطفال عن تقديم خدمات الرعاية الصحية، والذي
بدأ بالفعل في تقليص مستويات الخدمة وقصرها في المتابعة حتى عمر 22 سنة فقط، بدلا
من عمر 25 سنة كما كانت من قبل، إضافة إلى واقعة غلق مستشفى 57357 فرع طنطا في وسط
الدلتا فعليا منذ عدة أشهر بسبب قلة الموارد الموالية.
ومستشفى سرطان الأطفال 57357 الرئيسي في القاهرة،
يعد أكبر مستشفى في الشرق الأوسط وأفريقيا لعلاج سرطان الأطفال، وقد بدأ استقبال
المرضى منذ عام 2007، ويتبع "جمعية أصدقاء المبادرة القومية ضد
السرطان"
(جمعية أصدقاء معهد الأورام سابقاً)، التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي.
في مصر فإنه لا توجد أرقام واضحة لعدد الأطفال المصابين بالسرطان، كما لا توجد نسب واضحة لعدد الأطفال الذين يتم شفاؤهم من المرض لعموم الجمهورية، وإن كان مستشفى 57357 لسرطان الأطفال قد أعلن أن نسبة الشفاء بين مرضاه قد بلغت 72 في المئة في عام 2020
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية عام 2021،
فإنه يصاب بالسرطان كل عام نحو 400 ألف طفل ومراهق تتراوح أعمارهم بين 0 سنة و19
سنة. وتشمل أكثر أنواع السرطان شيوعاً بين الأطفال سرطان الدم (اللوكيميا) وسرطان
الدماغ والأورام اللمفاوية والأورام الصلبة، مثل أورام الأرومة العصبية وأورام
ويلمز بالكلى. ولكن في مصر فإنه لا توجد أرقام واضحة لعدد الأطفال المصابين بالسرطان،
كما لا توجد نسب واضحة لعدد الأطفال الذين يتم شفاؤهم من المرض لعموم الجمهورية، وإن
كان مستشفى 57357 لسرطان الأطفال قد أعلن أن نسبة الشفاء بين مرضاه قد بلغت 72 في المئة
في عام 2020.
ومن عوامل الخطر المرتبطة بالسرطان: ارتفاع نسبة التلوث البيئي
في مصر ويشمل الهواء والماء والتربة، والوجبات السريعة، والتعرض للإشعاع خاصة في
فترة الحمل، والتعرض لدخان التبغ، والتعرض للمبيدات الزراعية، وعدم غسل الخضروات
والفواكه قبل تناولها، في ظل غياب التشريعات الخاصة بسلامة الغذاء التي تضرّ المواطنين
وانتشار الأغذية الفاسدة، والأدوية المغشوشة والمهرّبة، كلّها أدّت إلى زيادة حدّة
مرض السرطان وغيرها من الأمراض الخطيرة الأخرى بين المصريين.
إذا كان مصدر التمويل الأساسي لمستشفى سرطان الأطفال 57357 وغيره من مستشفيات الجمعيات الخيرية هو التبرعات والمساهمات المجتمعية من الأفراد ورجال الأعمال والمؤسسات الخاصة، فإن جميع المستشفيات الحكومية بوزارة الصحة أو في الجامعات تلجأ إلى التبرعات
علاج مرضى السرطان في مصر
يعتمد بدرجة كبيرة على التبرعات:
إذا كان مصدر التمويل الأساسي
لمستشفى سرطان الأطفال 57357 وغيره من مستشفيات الجمعيات الخيرية هو التبرعات
والمساهمات المجتمعية من الأفراد ورجال الأعمال والمؤسسات الخاصة، فإن جميع
المستشفيات الحكومية بوزارة الصحة أو في الجامعات تلجأ إلى التبرعات كمصدر مهم
لتعويض الفجوة التمويلية والقصور في موازنة الدولة، وجميعها ضمن الشبكة القومية
للأورام والتي تنتشر على مستوي الجمهورية لتضم 40 فرعا موزعة على جميع المحافظات، وتشمل
ثمانية مراكز أورام بالإضافة إلى المعهد القومي للأورام في القاهرة، و15 مستشفى من
كبرى المستشفيات التي فيها أقسام لعلاج الأورام. وكان من أوسعها انتشارا الحملة
القومية لجمع التبرعات والتي أطلقتها وزارة التعليم العالي البحث العلمي عام 2020،
ونادت خلالها بتوجيه المواطنين لتخصيص الزكاة لصالح المستشفيات الجامعية بهدف
تعزيز الخدمات التي تقدمها المستشفيات للمواطنين، وأوضحت خلالها وجود 113 مستشفى جامعيا على مستوى الجمهورية تقدم
العلاج لمرضى الأورام ضمن خدماتها العلاجية.
أسباب ظاهرة نقص التبرعات للجمعيات الأهلية:
أولا: تعامل النظام الحاكم مع المجتمع
المدني، حيث أن قانون "الجمعيات الأهلية" الذي أقره البرلمان المصري في
24 أيار/ مايو 2017، أثار جدلاً واسعاً في الداخل والخارج، وذلك كونه يفرض قيوداً
هائلة على تأسيس المنظمات غير الحكومية والجمعيات الأهلية، ويهدد عملها ويجفف
منابعها، ويعاقب من يخالف القانون بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات، وبغرامة تصل إلى
مليون جنيه، حيث تم التضييق على عمل نحو 47 ألف جمعية محلية، خصوصاً منها ذات
الطابع الإسلامي، بالإضافة إلى 100 جمعية أجنبية، وغيرها من الجمعيات التي كانت
تقدم خدمات تطوعية للمواطنين الفقراء، وقد سبقه حكم المحكمة الصادر بحظر أية جمعية
تتلقى تبرعات إذا كان بين أعضائها أحد المنتمين إلى الإخوان المسلمين، وتبعه قرار
تجميد أموال الجمعيات الخيرية كوسيلة لتجفيف منابع التمويل، حسب تفسير الحكم.
تعامل النظام الحاكم مع المجتمع المدني، حيث أن قانون "الجمعيات الأهلية" الذي أقره البرلمان المصري في 24 أيار/ مايو 2017، أثار جدلاً واسعاً في الداخل والخارج، وذلك كونه يفرض قيوداً هائلة على تأسيس المنظمات غير الحكومية والجمعيات الأهلية، ويهدد عملها ويجفف منابعها
ثانيا: الضغوط الاقتصادية المعيشية اليومية
على المواطنين بسبب الزيادات المتتالية في أسعار السلع الأساسية مثل الطعام
والدواء، وبالتالي فقد نقصت التبرعات بسبب تقلص الطبقة المتوسطة والتي كانت تعد هي
الشريحة المجتمعية الأكثر أهمية في التبرع الخيري خاصة للمؤسسات الصحية. وقد تلاحظ
ذلك من خلال رصد قيمة التبرعات التكرارية ذات القيمة القليلة، والتي تبدأ مع توقيت
صرف الرواتب والمعاشات الشهرية، وتزيد في مواسم معينة مثل شهر رمضان المبارك
سنويا.
ثالثا: سبب آخر أثر على حجم التبرعات التي
تصل للمستشفيات الحكومية تمثل في المبادرة الرئاسية حول إعلان تكوين "التحالف
الوطني للعمل الأهلي التنموي"، والذي ضم كل المستشفيات وصندوق تحيا مصر
ومبادرة حياة كريمة. وهذا التحالف أدى إلى عزوف الكثير من المصريين عن تقديم
التبرعات، لأنهم يرفضون التبرع لإنشاء طرق وكباري أو توصيل مياه، ويفضلون التبرعات
للمستشفيات ودعم الرعاية الصحية للمرضى بصورة خاصة ومحددة.
رابعا: توجد خصوصية إضافية في حالة مستشفى
سرطان الأطفال 57357، وذلك في وجود قدر كبير من الشك والريبة مجتمعيا في مصير
التبرعات، خاصة بعد نشر جوانب من قضية الفساد المالي والإداري في مستشفى 57357
تحديدا منذ عدة سنوات، وما تبعها من زخم مجتمعي كبير، ثم جاء قرار حظر النشر من
النيابة العامة ليزيد الطين بله، ويؤثر سلبيا وبقوة على الدافعية والرغبة في
التبرع عند المصريين، خاصة وأنه تناول عددا من مظاهر إهدار أموال التبرعات في
الدعاية والإعلان بأموال طائلة، إضافة إلى انتهاك حقوق المرضى ومخالفة قانون الطفل،
وعددا من الشكاوى الأخرى حول اختيار نوعية المرضى وطرق وأساليب العلاج والذي يخضع
لتأثير العديد من شركات الدواء العالمية، وشبهة وجود حالة من إجراء التجارب
السريرية لبعض العقارات الحديثة، وهذا ما ينفيه مدير المستشفى دون تقديم دليل مادي
على ذلك.
نقص التبرعات لمستشفى سرطان الأطفال
57357 وتأثيره على استمرارية الخدمة:
وكانت التبرعات لمستشفى 57357 انخفضت
في الأشهر الستة الماضية بنسبة بلغت 80 في المئة مقارنة بها في الفترة نفسها
من الأعوام السابقة، وهو ما دعا المستشفى إلى اتخاذ قرار بفكّ آخر وديعة يملكها من
أجل الإنفاق على علاج 18 ألف طفل مصاب بالسرطان، وهذا التدبير لا يكفي سوى بضعة
أشهر في حال استمرار التبرعات على الوتيرة الراهنة. وزاد من حدة الأزمة أن نقص
التبرعات تزامن وأزمة ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري بصورة
كبيرة، ما زاد تكاليف العلاج نحو ثلاثة أضعاف عن ذي قبل.
لمواجهة الأزمة في مستشفى 57357 توجد
حزمة من المقترحات تتلخص في عدة إجراءات:
أولا: خروج مستشفى 57357 بصورة عاجلة من
التبعية للجمعية الخيرية تحت مظلة وزارة التضامن، ويلحق بالقطاع الحكومي سواء
الجامعي مثل المعهد القومي للأورام، أو يدخل ضمن المستشفيات التعليمية أو التخصصية
التابعة لوزارة الصحة أيهما أيسر في الإجراءات الإدارية والمالية، مع الخضوع
الكامل للرقابة المالية للأجهزة الحكومية.
ثانيا: يتم ضخ اعتمادات مالية حكومية من
موازنة الدولة بصورة عاجلة لدعم مستشفى 57357 خلال الستة أشهر القادمة وهي الفترة
الحرجة للتمويل، حسب ما صدر من بيانات عن إدارة المستشفى.
ثالثا: ضخ دعم مالي من رصيد "التحالف
الوطني للعمل الأهلي التنموي" وتفعيل المبادرة الرئاسية بطريقة إيجابية، لدعم
رعاية مرضى سرطان الأطفال في المستشفى.
رابعا: اعتماد بروتوكولات العلاج حسب المعترف
به في المعهد القومي للأورام حتى لا تتكرر المشكلة التي عانى منها المرضى عند غلق
فرع طنطا منذ عدة أشهر، وهذا يتطلب سرعة التعاون والتنسيق العلمي الطبي بين جميع
الجهات العاملة في مجال علاج الأورام بصورة عامة، وأورام الأطفال بصورة خاصة.
مرضى الأورام لهم كامل الحقوق في الرعاية الصحية الشاملة المجانية حسب جميع المواثيق الدولية، ومن واجب الدولة اعتبارهم أولوية تستدعى الإنفاق المالي الحكومي الذي يلبي احتياجاتهم، إضافة إلى تبرعات أهل الخير باعتبارها مكملة لتحسين الجودة
خامسا: البدء فورا في حملة تبرعات تستمر حتى
شهر رمضان المبارك، بحيث تشمل كبار رجال الأعمال وقيادات الأحزاب والنقابات والقادة
العسكريين ومشاهير الفنانين ولاعبي كرة القدم وغيرهم لدعم هذا المستشفى وغيره.
وخلاصة القول هي أن مرضى الأورام لهم
كامل الحقوق في الرعاية الصحية الشاملة المجانية حسب جميع المواثيق الدولية، ومن
واجب الدولة اعتبارهم أولوية تستدعى الإنفاق المالي الحكومي الذي يلبي احتياجاتهم،
إضافة إلى تبرعات أهل الخير باعتبارها مكملة لتحسين الجودة. وبالرغم من إعلان مدير
مستشفى 57357 لسرطان الأطفال، في احتفالية يوم التبرع العالمي الجمعة 23 كانون الأول/
ديسمبر 2022 الجاري، عن الجهود التي يتم بذلها لبقاء واستمرارية المستشفى، إلا أن القلق
يظل موجودا خشية تخلي الدولة عن دعم المستشفى في أزمته الراهنة، ليواجه مخاطر
الغلق أو البيع، وكلاهما يعني المزيد من المعاناة للمواطنين بصورة عامة والأطفال منهم
بصورة خاصة.