سياسة عربية

خلافات كردية حادة تهدد وحدة كردستان العراق.. هذه أسبابها

الخلفيات العسكرية والمخابراتية للقيادات الجديدة للحزبين الكرديين تسببت في تفاقم الأزمة- جيتي
تسعى أطراف غربية للتوسط من أجل إنهاء الأزمة القائمة بين الحزبين الكرديين الرئيسيين في إقليم كردستان العراق، والتي قد تهدد بتقسيم الإقليم إلى إدارتين، واحدة في أربيل يقودها الحزب الديمقراطي الكردستاني، والثانية في السليمانية يرأسها الاتحاد الوطني الكردستاني.

ويمتنع نائب رئيس حكومة إقليم كردستان، قوباد الطالباني، منذ شهرين عن حضور جلسات مجلس الوزراء في الإقليم، احتجاجا على ما أسماه "تفرّد الحزب الديمقراطي الكردستاني"، بزعامة مسعود البارزاني، بزمام السلطة في كردستان، حسبما ذكرت مصادر سياسية.

خيار التقسيم


وتعليقا على ذلك، قال جمال كوجر، القيادي في الاتحاد الإسلامي الكردستاني والنائب العراقي، لـ"عربي21" إن "المشهد معقد والقضية صعبة، ولكن لا يعني أن مشهد الاقتتال الداخلي قد يتكرر، فهذا صعب جدا، رغم أن هناك توجهات لتحول الإقليم إلى إقليمين".

وكان إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي منذ عام 1992، يشهد صدامات مسلحة بين الحزبين الكرديين الرئيسين سقط خلالها المئات من القتلى، حيث كان يحكم الحزب الديمقراطي بزعامة مسعود البارزاني محافظتي أربيل ودهوك، بينما يدير السليمانية، الاتحاد الوطني بقيادة الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني.

وأوضح كوجر أن "الإقليم قد يتشرذم إذا لم يتحرك العقلاء، وأن هناك الكثير منهم من الذين لا يقبلون بهذا التوجه، وأن العودة للاقتتال الداخلي أمر تجاوزناه، لأنه في تلك المرحلة لم يكن هناك سلاح أمريكي بيد الحزبين، ولم يكن هناك تحرك للناتو والاتحاد الأوروبي وأمريكا وبريطانيا بخصوص بناء قوة موحدة، فالكثير من الحسابات دخلت الآن، لذلك فالمشاكل معقدة".

وأضاف: "قد يكون هناك في الحزبين من يرغب في أن يحصل انشقاق وتقسيم للإقليم، وربما أطراف تسند هذا التوجه سواء في بغداد أو في دول الجوار".

وأكد كوجر وجود "وساطات لأعضاء في الناتو وكذلك من بلاسخارت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة، إضافة إلى أطراف من الحزبين ممن هم ليسوا مع هذا التصعيد. لكن هذا لا يكفي، وينبغي أن يكون هناك تحرك من قيادة الحزبين للضغط على الشخص الأول في الحزب والمتحكم بالقرار".

وأشار إلى أن "المشكلة الحالية هي أن القيادات من الجيل الجديد التي تحكم الحزبين هي مختلفة تماما عن قيادات الصف الأول الذين كانوا يحكمون في مرحلة التسعينيات وحتى عام 2015، فكانت هناك قيادات بارزة وهي على قيد الحياة الآن وكان لديهم مرونة أكثر. لكن القيادات الشابة الحالية أتت من خلفيات مخابراتية وعسكرية وهم متشبثون بمواقفهم، وهذا الذي عقد المشهد كثيرا".

ورأى كوجر أن "الاتحاد الوطني الكردستاني ليس لديه خيار آخر، أما الانفصال أو العودة إلى حكومة الإقليم، فلأنه لا يستطيع أن يتحول إلى حزب معارض مثل الأحزاب المعارضة في الإقليم، لكونه فاعلا رئيسا في حكومة السليمانية على الأقل، فهو لا يؤدي دور المعارض حاليا وإنما دور المقاطع لجلسات الحكومة".

وشدد على أن "هذه المقاطعة حتما ستكون آثارها سلبية إذا استمرت أكثر، لأن القرارات الحكومية ستعطل وكذلك توقف الرفد المالي لميزانية الإقليم من مصادر الطرفين، وأن الشرخ سيزداد، لذلك فالخيار الوحيد أمامهم هو العودة إلى طاولة الحوار، وحل المشكلات بالتراضي".

أصل الخلاف


وفي المقابل، قال عضو برلمان إقليم كردستان عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، ريبوار بابكي لـ"عربي21" إن "المشكلة بين الحزبين الكرديين لم تصل حتى الآن إلى تدخل أطراف غربية".

وأوضح: "صحيح هناك بعض المشكلات، وأن سبب ظهورها هو الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي حاول أن يستولي على عائدات الجمارك التابعة لمدينة السليمانية وضواحيها، إضافة إلى موضوع حادثة اغتيال العقيد هاوكار الجاف وتدخل الاتحاد الوطني في عمل القضاء بخصوص هذه القضية".

وفي 7 تشرين أول/ أكتوبر الماضي، اغتيل الجاف وأصيب أربعة من أفراد أسرته بجروح، بتفجير عبوة لاصقة في سيارته وسط أربيل. وانشق الجاف، عن مؤسسة مكافحة إرهاب السليمانية، ولاذ بأربيل.

وأكد بابكي أن "تفاهمات حصلت بين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، وأن هناك إرادة من الجهتين لحل المشكلات، فهي لا تزال تبحث ضمن البيت الكردي، وليس بوساطات غربية".

ولفت إلى أن "الحزب الديمقراطي الكردستاني بدأ جولة سياسية، وربما في الأيام القليلة المقبلة ستكون هناك مباحثات بين الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستاني، وستجرى المناقشة حول هذا الموضوع".

وأكد بابكي أنه "ليس كل الفريق الوزاري التابع للاتحاد الوطني انحسب من جلسات مجلس الوزراء في إقليم كردستان، وإنما بعضهم لا يزال يداوم ويشارك في الاجتماعات".

وأردف: "قوباد الطالباني نائب رئيس الحكومة، قرر الانسحاب مؤخرا بعد موضوع اغتيال هاوكار الجاف والتحقيقات التي أجراها جهاز الأسايش في الإقليم وأثبتت أن قيادات من الاتحاد الوطني الكردستاني كانت تقف وراء الاغتيال، لذلك فإن هذا انسحاب كان سياسيا، وليس موضوع التفرد بالقرار".

وقال بابكي: "لم نسمع بشكل رسمي من الاتحاد الوطني الكردستاني بخصوص تحويل إدارة الإقليم إلى إدارتين، وهذا أمر مستحيل لأن هذه الإدارة ليست ملكا لأي حزب والدستور العراقي لا يسمح بتجزئته، وحتى الغرب والنظام القائم على النسق الإقليمي وأحزاب المعارضة داخل الإقليم، لا تسمح بذلك، فهذا الأمر خاضع للدستور ولأبناء الإقليم".

خلط الأوراق


وفي السياق ذاته، كشف موقع "كردستان 24" التابع للحزب الديمقراطي الكردستاني، الاثنين، عن ما أسماه "الأسباب التي تدفع الاتحاد الوطني الكردستاني للتصعيد ضد الحزب الديمقراطي الكردستاني وحكومة إقليم كردستان، منذ حادثة اغتيال العقيد هاوكار الجاف أحد الضباط الكبار في مؤسسة مكافحة الإرهاب، ومقرها السليمانية".

ونقل الموقع عن مصدر وصفه بـ"الرفيع" في الحزب الديمقراطي الكردستاني (لم يكشف هويته) قوله، إن مقاطعة قوباد الطالباني والفريق الوزاري التابع للاتحاد الوطني "تهدف إلى خلط الأوراق ومحاولة للتغطية والتستر على حادثة اغتيال العقيد هاوكار الجاف"، مضيفا أن "قضية اغتيال الجاف بيد القضاء، ولا علاقة للحكومة بالأمر، ومن لديه مشكلة بهذا الأمر فعليه أن يسلك السبل القانونية".

ونقل الموقع عن مصدر آخر (لم يكشف هويته) قوله إن "الاتحاد الوطني برئاسة بافل الطالباني وإعلامه يحاول أن يصور للناس والرأي العام أن التوتر مع الحزب الديمقراطي يكمن في مسائل إدارية أو سياسية، وهذا غير صحيح".

وأشار المصدر إلى أن "القضية جنائية بحتة لا سياسية ولا إدارية، وعلى الجميع التعامل مع ذلك على هذا الأساس، فليس لأي حزب الحق في التدخل بالشأن القضائي، وقد قال القضاء كلمته الفصل".

وأردف، قائلا إن "على الاتحاد الوطني التجاوب مع القضاء وتسليم المطلوبين إليه، وعدم الضغط على وزرائه ومعاملتهم باستصغار وإجبار، عندما يتعلق الأمر بالاجتماعات الحكومية"، مؤكدا أن "الأمر ببساطة سهل، عندما يجري تسليم قتلة العقيد هاوكار الجاف، وترك القضاء يأخذ مجراه، فلن تبقى حجة للمقاطعة وممارسة الضغوط".

وختم المصدر حديثه للموقع الكردي بالقول إن "الاتحاد الوطني لا يمارس ضغوطا على حكومة الإقليم ولا يشن حربا إعلامية مضللة عليها فحسب، بل إنه يمارس ضغوطا كبيرة على وزرائه من خلال منعهم بالقوة من المشاركة في الاجتماعات الحكومية".