ناقش باحثون ونشطاء فلسطينيون
في بريطانيا قضية مطالبة الحكومة البريطانية بالاعتذار عن وعد بلفور، وما يمكن أن
يحققه الفلسطينيون عمليا من هذا المسعى، كما أنهم ناقشوا المسارات الأخرى الممكنة
لتحقيق العدالة للفلسطينيين.
وإلى جانب حملات أطلقت خلال
الأعوام الماضية للضغط على الحكومة ومطالبتها بالاعتذار، وشارك فيها برلمانيون مع
نشطاء فلسطينيين وبريطانيين، فإنه تم التقدم بدعوى أمام القضاء البريطاني لإثبات أن وعد
بلفور أضر بالشعب الفلسطيني ضررا شديدا، في مسعى للحصول على اعتذار رسمي من
الحكومة البريطانية وهو ما رفضته حكومات سابقة.
وخلال ندوة أقامها منتدى
التفكير العربي في لندن، وحضرتها "عربي21"، فقد تناول رئيس حملة التضامن مع فلسطين
(PSC) كامل حواش، جوانب تاريخية مرتبطة بوعد بلفور الذي تعهد بإقامة دولة لليهود في
فلسطين، مشيرا إلى أن الوعد منح "حق تقرير المصير" لليهود دون الفلسطينيين.
اقرأ أيضا: ندوة بلندن تدعو بريطانيا للاعتذار عن كارثة وعد بلفور (شاهد)
ورأى أن دور بريطانيا لم ينته
عمليا بعد إقامة دولة إسرائيل، مشيرا إلى السياسات البريطانية الداعمة لإسرائيل.
ومن ذلك رفض الحكومة البريطانية تولي المحكمة الجنائية التحقيق في الانتهاكات بحق
الفلسطينيين، إضافة إلى قضية نقل السفارة إلى القدس.
وقال إن الاعتذار هو أقل شيء
يمكن فعله، و"نريد أن يستمر الضغط على الحكومة البريطانية للاعتذار، لكن
هل هناك قضايا أهم للشعب الفلسطيني ويمكن أن يخوض فيها؟". ولفت إلى ضرورة أن
تكون هناك استراتيجية للفلسطينيين أبعد من ذلك.
وقال حواش إن الفلسطينيين
بحاجة إلى قيادة جديدة، وشدد على أن "الاستراتيجية مهمة"، ومن ذلك المطالبات
بإعادة بناء منظمة التحرير.
من جهته، أشار مدير مركز
العودة الفلسطيني طارق حمود، إلى الجهود التي بُذلت حتى الآن للضغط على الحكومة
البريطانية للاعتذار. ولفت إلى أنه في عام 2013 أطلق رئيس حزب العمال السابق جيرمي
كوربين حملة للاعتذار.
وأشار إلى أن مركز العودة
تبنى الحملة في نهاية عام 2016 وأطلق عريضة برلمانية تمكنت من جمع 13 ألف توقيع، وهو
ما جعل الحكومة ملزمة قانونيا بالرد عليها. وجاء في الرد الحكومي أن الوعد كان يجب
أن يتضمن الحماية للفلسطينيين، لكن لم يتضمن الرد أي اعتذار. ورأى حمود أن "هذا
الرد مهم جدا" و"يمكن البناء عليه".
وتناول نماذج سابقة من دول حكمتها
بريطانيا في الحقبة الاستعمارية، حيث نظرت المحاكم البريطانية في دعاوى تطالب
بالاعتذار والتعويضات. ومن ذلك دعوى تقدمت بها مجموعة من الكينيين بصفاتهم الفردية
للمطالبة بتعويضات عن معاناتهم خلال فترة الانتداب البريطاني على بلادهم.
وفي النهاية شملت الدعوى نحو
خمسة آلاف شخص، وحصل كل واحد منهم على ألفي جنيه إسترليني فقط كتعويض، لكن نصت
التسوية على أن القضية قد أقفلت إلى الأبد، وبالتالي فإنه لا يمكن لأشخاص آخرين التقدم
بدعاوى جديدة، على أن التسوية لا تشير إلى مسؤولية الحكومة البريطانية عن سلوك سلطات
الانتداب في كينيا.
وشدد على أن مثل هذه القضايا
لا يصلح معها إلا المحاكم الدولية، بينما الاعتذار هو مسألة سياسية وليست قانونية.
وعبّر حمود عن الخشية من وصول
الدعاوى بخصوص قضية وعد بلفور إلى تسوية قانونية تقفل هذا الباب إلى الأبد، مثلما حصل
مع الكينيين، دون الحصول على اعتذار.
وأوضح حمود أن "حقوقنا
لا تحققها إلا تحولات تاريخية، وهذا يحتاج لبناء سياق متفاعل" لالتقاط الفرصة
أو اللحظة التاريخية عندما تكون متاحة. وشدد على الحاجة لاستراتيجية وطنية كاملة،
وليس أن يقوم كل طرف بمبادرة فردية.
وقال عاطف الشاعر، الباحث والمحاضر
في جامعة ويستمينستر، إنه لا يمكن فصل السياسي عن القانوني في وعد بلفور.
فمن الجانب السياسي والثقافي
فإن الوعد قائم على "أسس عنصرية وانحياز للحركة الصهيونية". ومن الجانب
القانوني، فإن الوعد لغته غير قانونية، لكن تم تحويله فيما بعد إلى نص ملزم ضمن صك
الانتداب، رغم أن تفسيراته فضفاضة.
ورأى أنه من الضروري التركيز
على قضية العنصرية في مواجهة السياسة والحكومة والمؤسسات البريطانية بشأن وعد
بلفور، رغم اعترافه بأنه من الصعب محاكمة الحكومة البريطانية على تصرفاتها في
فلسطين خلال عهد الانتداب.
وأشار ماجد الزير، المدير التنفيذي
للمجلس الأوروبي الفلسطيني للعلاقات السياسية، إلى أن قضية وعد بلفور هي قضية
سياسية بامتياز، ورأى أن الضغط يجدي بشأن السياسة البريطانية تجاه إسرائيل.
وعبّر عن اعتقاه بأن الدعاوى
القضائية تهز الموقف السياسي البريطاني، موضحا أن قضية الاعتذار عن الوعد هي عامل توحّدٍ
وإجماع بين الفلسطينيين.
وخلال الندوة تساءل مشاركون
عن "أقصى شيء يمكن توقعه في المحاكمة البريطانية"، وقللوا من إمكانية
إلغاء الوعد وإقامة دولة فلسطينية. وأشار آخرون إلى أن وعد بلفور تمكن مواجهته
قانونيا لأن الدولة مسؤولة عن تصرفات الحكومات المتعاقبة.
ورأى مشاركون أن الاعتذار ليس
مهما بحد ذاته، وإنما المطالبة به تعني أن الوعد ليس شيئا يدعو للافتخار. كما أن
هذه الحملات تقدم رواية جديدة فلسطينية للجيل الجديد في بريطانيا، لتثبيت الوعي،
فالمسألة هي "معركة وعي ومعركة رواية"، رغم أنها لن تعيد الأرض.
اقرأ أيضا: تلطيخ تمثال بلفور احتجاجا على وعده بإقامة وطن لليهود بفلسطين
تلطيخ تمثال بلفور احتجاجا على وعده بإقامة وطن لليهود بفلسطين
"ميدل إيست مونيتور" يعلن الفائزين بجائزته "كتاب فلسطين"
وثائق بريطانية تكشف كيف خطط الاحتلال لسرقة مياه النيل