أخبار ثقافية

كتاب "على الهامش": حكايات من الصعيد الجواني

الكتاب يروي قصص ويوميات خاصة عن حياة النساء في الصعيد- جيتي

"أنام لأهرب وإن كان هروباً من ذاتي" مها السيد راوية قصة "سايكو". في مشروعها القصصي تقوم المحررة والقاصة زهرة عبد اللاه بتدوين مجموعة قصصية بأسلوب مختلف عن المعتاد، مجموعة من الداخل تروي حواديتها صاحباتها الشَاهدات، بعنوان "على الهامش: حكايات من الصعيد الجواني". الصادر عن دار المرايا للنشر والتوزيع، القاهرة 2022. إذ قدمت زهرة ومجموعة من النساء والفتيات في الصعيد كتابَهن وحكاياتهن بعد ورشات "حكي" قامت بتسييرها زهرة في بلدة سوهاج ضمن مشروع "صوتي مسموع".


أن تروي القصة صاحبتها، أن يكتب عن الصعيد أهله وأن تكتب النساء وتحكي عن نفسها وتجاربها، هذا ما يميز "قصص على الهامش"، طالما كتب وصور عن الصعيد سواء في مجال الأدب أو السينما، بل وغالباً كان ما يُدون ويصور بصوت خارجي يحمل انطباعاً إكليشيّا دون الدخول لليوميات الحقيقية وخصوصاً لدى النساء والفتيات اللواتي شاركن قصَصهن وحواديتهن سواء العادية منها أي ما هو يومي وروتيني في حياتهن، أوما يتحدونه أو الغير تقليدي كمواجهة انتهاك مثل الختان أو صعوبات أن تكوني امرأة في مجتمع له خصوصيته.


تتدرج القصص وتتنوع بين يوميات وتفاصيل خاصة عن حياة النساء في صعيد، عن النظرة العامة عن الصعوبات، أن تكوني امرأة يعني أن تعيشي في الظل أن تكوني منتهكة ومراقبة من كل الجهات في منزلك في الشارع في المدرسة والعمل، تكاد لا تخلو قصة من فعل المراقبة والترقب. الفتاة الصعيديّة دوماً موضع مستباح للتدخل بحياتها فَالخصوصية بعيدة كل البعد عن حياة الفتيات تلك الخصوصية التي اكتسبتها البنات والستات ضمن ورشة الحكي، ليقدموا رواياتهن وتجاربهنّ لخلق ثغرة وتحدي ضمن تركيبة مجتمع ينظر للمرأة كعنصر هامشي مسلوب الحقوق.

 


 

"كل شخص في سوهاج لديه الحق في معرفة كل شيء عن الفتيات، حتى وإن لم يعجبنا هذا" تقولها هاجر أحمد ضمن قصتها "رحلة جوع"، كي تعبر هذه الجملة عن واقع قد لا تعيشه فتاة في مكان آخر.

 

قلق العودة المتأخرة، الحق في الدراسة، الزواج والزواج المبكر، قضية "العنوسة"، الوحدة، التنمر لكونك مختلفة، عمل النساء، العلاقات الاسرية، المحبة، الطلاق، الشارع، ركوب الدراجة، الجسد، فقدان الحنان، نظرات الناس، السفر، الحرية، الحق بالميراث، الختان وغيرها من الهواجس التي تلاحق فتيات ونساء سوهاج تقف بوجه حياتهم أشبه بشبح يرافقهن طيلة الوقت مانعاً إياهن من الحركة كما مثبط لوجودهن، ليعيشنّ حياة أشبه بظلال تتنقل بخفة على قواعد محددة إن تجاوزتها تدخل دائرة النور وتصبح مكشوفة للعيون المراقبة التي تنهشها دون رحمة.


الكثير من السيدات علقن خلال مقابلات تلفزيونية عن أهمية ورشات الحكي التي اقتحمت عوالمهن الخاصة، والتي وحدت أصواتهن لأول مرة، حيث أصبح ما هو يومي وعادي قضية وليس "عادي" أصبح الحديث عنه ضرورة لأنه تحدي ولأنه إشكالية. أتاحت هذه الورشات ونتاجها المطبوع ضمن الكتاب الفرصة أمام هذه الأصوات المهمشة والهشة أن تتوحد وتحكي وتروي أن تدون أصواتها لتصبح أشبه بشهادة ووثِيقة حية عن الحياة في الصعيد.


لم تحمل القصص أسلوب سردي موحد، فهي تنوعت بين استخدام اللغة الدارجة أحياناً والعربية الفصحى بقصص أخرى، بالإضافة لتفاوت أشكال السرد بين حكاية وأخرى، لتأت قصص أدبية ذاتية أشبه بخواطر تحتوي درجة من الشعرية كحكاية "وهم المنتصف" لأسماء عبد الناصر التي دونت بعض الجمل باللغة الانكليزية، وقصة "فرحة دمية" لزهرة عبد اللاه التي تتحدث فيها عن الختان ومشاعرها حول جسدها كأنثى بعد انتهاك مثل تلك العملية.


"تتبدل روحك بغربة غيت فيك جزئياً لا كليا…
بمواقف ظننت أن أبد الدهر لن تتعرض لمثلها..
بأناس يصدمك جفاء الواقع بمر أحدهم..

ويراضيك القدر بحسن عشرة آخرى


تدون أسماء انطباعاتها ومشاعرها الذاتية المختلطة، تدون عن وحدتها والقيم التي تؤمن بها، شعورها تجاه المجتمع دون التطرق لحادث مباشر. اللافت أنه ومن خلال، التنوع في التحرير اكتسبت السيدات مساحة من الحرية للتدوين بالشكل الذي يعبرون فيه دون التقيد بأسلوب وقواعد موحدة، مما نتج عنه مجموعة متنوعة يستطيع قارئها فهم الحوادث التي تتعرض لها النساء وفهم مشاعر النساء ضمن قصص أخرى.


"لم تعطني الحياة يوماً ما أستحق، لم أحصل على حب يكفيني لمواجهة الحياة، لذلك كنت أسقط في كل مرة بمجرد تعرضي لبعض الرياح، وكنت أقع في حب كل عابر يربت على كتفي بحنان" تنقلنا سارة المحمود في قصتها "ثقيلة الظل" لقضية حساسة من تجربتها الخاصة، فقدان الحب الأبوي ومعايير الجمال ومعايير حب الأهل لفتياتهن، توصل مشاعرها عبر رواية جربتها عن فقدانها لأهم عنصر في نشأتها وهو الحب والحنان لكونها فتاة.


تمثل القصص كمجموعة واحدة، رحلة مع ذاكرة منطقة بلسان أهلها دون توصيف وتنميق ودراسة معمقة، رحلة بلسان فتيات الصعيد، تسرد مقتطفات من ذواكر جمعية بالرغم من خصوصية كل قصة إلّا أنها تستطيع أن تمثل مشاعر وانطباعات العديد من السيدات لتعبر عن أفكارهن، معاناتهن وطموحاتهن الخجولة في مكان يقف ضدهن وضد كيانهن وأجسادهن، مكان يقمع اصواتهن ويلغي تداول حدوتاتهن لتصبح مجرد مرويات تنسى مع الزمن. استطاع الكتاب توثيق هذه الحواديت ليقول ما لا يقال ويعطي أهمية لكل تفصيلة صغيرة وشعور تشعر به نساء هذا المكان، نساء استطعن الكلام والتدوين ومشاركة وجودهن في هذا العالم.