اتسعت صراعات وخلافات مجلس القيادة
اليمنية بسبب غطرسة
المجلس الانتقالي الجنوبي الباسط والمتحكم بشؤون مدينة عدن، بعد قيام أبو ظبي بكل
نفوذها وإمكانياتها بتمهيد الطريق أمام تحركاتها المشبوهة بإزاحة المسؤولين
الحكوميين وقيادات المقاومة والرموز الاجتماعية والدينية؛ الذين شعرت أنهم سيقفون
حجر عثرة في طريقها للسيطرة الكاملة على عدن وباقي المحافظات الجنوبية والشرقية.
وتعددت صور استهداف الشخصيات الوطنية من خلال إزاحتهم
من مناصبهم كما حدث مع نايف البكري محافظ عدن إبان الحرب وقائد المقاومة ضد
الحوثيين، أو بالقتل والاغتيالات في حوادث شابها الكثير من الغموض لكنها تكشفت
فيما بعد عن بصمات
الإمارات وأدواتها، وطالت الاغتيالات نحو ثلاثين من أئمة وخطباء
مساجد عدن وقيادات المقاومة والشخصيات الاجتماعية والرموز الدينية. كما استخدمت
الإمارات السجون السرية والاختطافات وعمليات الإخفاء القسري في مواجهة المناوئين
لتوجهاتها، وتعرض للاعتقال مئات الشباب معظمهم ممن كانوا مشاركين في الحرب ضد
الحوثي. وأمام هذه الأوضاع اضطر قطاع واسع من الشخصيات العسكرية والمدنية
والمستقلين لمغادرة عدن بعدما بدا أنها صارت حكراً على الإمارات وأتباعها.
وتزداد الأوضاع العامة في عدن تدهوراً في ظل سيطرة
قوات المجلس الانتقالي وقياداته التي تتقاسم المدينة ومواردها المالية وتنهب
ثرواتها وتصادر حقوق أبنائها. ومع أن الانتقالي وقع على اتفاق الرياض وأصبح شريكاً
في الحكومة، إلا أنه وبإيعاز واضح من دولة الإمارات يتجه مرة أخرى لتفجير الوضع
ومواجهة مجلس القيادة اليمنية وإنهاء أي وجود لاتفاق الرياض، حتى لو كان مجرد وجود
اسمي في ظل تنصل الانتقالي نفسه عن كافة التزاماته في هذا الاتفاق.
تعددت صور استهداف الشخصيات الوطنية من خلال إزاحتهم من مناصبهم كما حدث مع نايف البكري محافظ عدن إبان الحرب وقائد المقاومة ضد الحوثيين، أو بالقتل والاغتيالات في حوادث شابها الكثير من الغموض لكنها تكشفت فيما بعد عن بصمات الإمارات وأدواتها
وفي السطور الآتية نجمل مظاهر التدهور في كافة
المجالات، ناهيك عن مظاهر العبث في المجال السياسي التي تجلت بوضوح من خلال قيام
الأمير خالد بن سلمان بعقد مصالحة وتوافق داخلي بين أعضاء المجلس؛ انتهت مؤخرا
بمنع رئيس المجلس الانتقالي من العودة إلى عدن لأن بديهيات الإدارة تقول إن الحياة
السياسية لا تستقيم مع وجود ازدواجية في الجهات المخولة بالقرار، ولا يمكن لأي
حكومة أن تدير الوضع مع وجود جهة ثانية وموازية تنازعها في صلاحيتها.
لربما هذه الفكرة تلخص الأزمة السياسية والإدارية التي
تعيشها عدن، في ظل سيطرة مليشيا الانتقالي على الوضع. إذ لا معنى لأي حضور حكومي
يفتقد لأدوات السيطرة وغير قادر على الإمساك بالواقع، بل يغدو حضورها مشرعنا لسلوك
الانتقالي، أي أنه يتحمل المساوئ الناتجة رغم عدم امتلاكه لصلاحية الفعل. وهذا هو
ما نقصده حين نتحدث عن حالة العبث الإماراتي في عدن، وأبرز تجلياتها التصعيد
المعلن من قبل الانتقالي بإصدار قرارات تعيين لقيادة وحدات مكافحة الإرهاب، وتشكيل
وحدات عسكرية وأمنية خارج سيطرة الدولة، ومخالفة لاتفاق الرياض الذي نص على تبعية
مكافحة الإرهاب لأجهزة الدولة وتبعية الوحدات العسكرية لوزارة الدفاع والوحدات
الأمنية لوزارة الداخلية.
كما أن قيادة الانتقالي تواصل التصعيد بالتحريض
المستمر ضد الحكومة وبعض أعضاء المجلس الرئاسي مجلس واتفاق الرياض، واقتحام مؤسسات
الدولة بدعوى صدور توجيهات من قيادة الانتقالي، وصدور بيانات ومقابلات وتصريحات
قيادات الانتقالي الموجودين في دبي وأبو ظبي بشكل عدائي ومستفز ضد الحكومة
الشرعية
وقيادة التحالف العربي وكافة القوى السياسية اليمنية، بما فيها القوى والمكونات
الجنوبية التي لا تتبع الإمارات، واعتبار الجميع أعداء وخصوما أو عملاء وخونة، وإطلاق
التهديد والوعيد واستخدام لغة الحرب، والتشديد على أن الانتقالي هو المسيطر على
الأرض وسيقوم بطرد خصومه وفرض أمر واقع بقوة السلاح.
لا معنى لأي حضور حكومي يفتقد لأدوات السيطرة وغير قادر على الإمساك بالواقع، بل يغدو حضورها مشرعنا لسلوك الانتقالي، أي أنه يتحمل المساوئ الناتجة رغم عدم امتلاكه لصلاحية الفعل. وهذا هو ما نقصده حين نتحدث عن حالة العبث الإماراتي في عدن
وشكل ذلك رسالة رفض واضحة لاتفاق الرياض، مع العلم أن
الاتفاق شرعن للانتقالي ومنحه امتيازات وصلاحيات كثيرة على حساب الحكومة الشرعية
وأغلقت قيادات الانتقالي بتوجيه إماراتي؛ كل قنوات الحوار والتفاهم مع الحكومة
وبقية القوى السياسية والاجتماعية، وأصرت على تقديم نفسها صاحبة الأمر والنهي وأن لها
الحق الحصري في العبث بالاتفاقات المبرمة واستعداء الجميع، مما أدى إلى تدهور
الأوضاع بشكل أكبر وأسرع.
الواضح اليوم أن حالة السيطرة الأحادية على السلاح من
قبل الانتقالي أضعفت الحكومة والتحالف العربي والقوى والمكونات السياسية، وجعلتها
عاجزة عن اتخاذ أي قرار أو تنفيذ أي إجراء. وهي لا تزال رهينة بيد المجموعات
المسلحة التابعة للانتقالي؛ التي صادرت كل قيم ومفاهيم الدولة والاستقرار وصولاً إلى
قمع الفعاليات المدنية وملاحقة النشطاء والتضييق على حرية الرأي والتعبير، مما
أفقد عدن حيويتها وتنوعها ونشاطها بسبب القمع والمنع والملاحقة واستهداف أي صوت
مغاير للصوت الواحد الذي يعبر عن مصالح الإمارات وأتباعها.
وخلال الأسابيع والشهور الماضية تعرضت الفعاليات
السلمية للقمع والملاحقة واستهداف المشاركين فيها، ورغم ما يمارسه الانتقالي من
أعمال عدائية وما يملك من دعم مادي وقوة مسلحة، فقد فشل في تسويق نفسه كممثل شرعي
ووحيد للقضية الجنوبية وللجنوب اليمني في الداخل والخارج، وكان يسعى للسيطرة على
المحافظات الجنوبية وفتح صراعات جديدة تؤدي إلى مزيد من الدمار والضحايا.
انتهج الانتقالي كل السلوكيات المنهكة للاقتصاد وإعاقة النشاطات المطلوبة لتعافي الدورة النقدية في البلاد. وبجوار كل صنائعها الكارثية، تخرج علينا كل مرة لتبشرنا بتدهور الأوضاع وتتباكى على واقع الناس معلنة التصعيد تحت مبرر النتائج ذاتها التي صنعتها بنفسها
أما في مجال الاقتصاد والخدمات فحدث ولا حرج، فقد
انتهج الانتقالي كل السلوكيات المنهكة للاقتصاد وإعاقة النشاطات المطلوبة لتعافي
الدورة النقدية في البلاد. وبجوار كل صنائعها الكارثية، تخرج علينا كل مرة لتبشرنا
بتدهور الأوضاع وتتباكى على واقع الناس معلنة التصعيد تحت مبرر النتائج ذاتها التي
صنعتها بنفسها وبعبثها بالواقع المعيشي والاقتصاد المتهاوي، إنهم يخلقون مبررات
تمردهم.
ولعل مشكلة الانتقالي الأساسية هي في تناقضه الذاتي،
فلا هو مستعد لتحمل مسؤولية تمرده والقيام بما يستتبع سيطرته، ولا هو مستعد
للتراجع عن انقلابه وتسليم الإدارة للحكومة كي تقوم بواجبها. فهو يريد استمرار
سيطرته ويحمل الحكومة والرئاسة مسؤولية تدهور الوضع الذي يسيطر عليه هو، وهذا هو
مأزق الانتقالي، ككيان يرغب بممارسة دور السلطة والمعارضة في نفس الوقت.. وإليكم
ما يعزز هذه الخلاصة على المستوى الاقتصادي، وفي ما يلي سنسرد عليكم مظاهر عبثه الاقتصادي
في عدن:
• عرقلة وصول الإيرادات المالية إلى البنك المركزي في
عدن، من خلال السيطرة على عشرات المرافق والموارد والسطو على الأموال من قبل
قيادات المجلس الانتقالي ومسؤولي الوحدات العسكرية والأمنية التابعة له. وكشف
ناشطون عن أعمال نهب وسطو تتعرض لها مؤسسات الدولة في عدن بمبالغ مالية كبيرة،
يستولي عليها قادة في ألوية الدعم والإسناد والمجلس الانتقالي بصورة يومية.
• أعمال الجباية والتقطع من قبل أتباع الانتقالي في
مختلف نقاط التفتيش التي تتواجد داخل عدن وتنتشر في الخطوط الرئيسية من جهة عدن وأبين
إلى شبوة ومن جهة لحج والضالع، حيث تأخذ النقاط مبالغ مالية كبيرة نظير السماح
بمرور شاحنات نقل البضائع. وهذا يؤدي الى رفع تكلفة النقل مما ينتج عنه ارتفاع
أسعار المواد ومنها المواد الغذائية الأساسية والمشتقات النفطية ويزيد من تدهور
الأوضاع ومعاناة المواطنين.
مشكلة الانتقالي الأساسية هي في تناقضه الذاتي، فلا هو مستعد لتحمل مسؤولية تمرده والقيام بما يستتبع سيطرته، ولا هو مستعد للتراجع عن انقلابه وتسليم الإدارة للحكومة كي تقوم بواجبها. فهو يريد استمرار سيطرته ويحمل الحكومة والرئاسة مسؤولية تدهور الوضع الذي يسيطر عليه هو
• محاربة شركات القطاع الخاص وابتزازها والتضييق على
التجار لدفع مبالغ مالية بشكل مستمر أو مغادرة عدن، وترتب على هذا توقف كثير من
المنشآت وتسريح العاملين فيها وحرمان المواطنين من خدماتها.
• استمرار الحرب على التعليم بعسكرة المدارس والمرافق
التعليمية ومهاجمة المدرسين والطلاب، لفرض أجندة الانتقالي في السعي لتعطيل
التعليم وفرض مسلحيه العصيان والإضراب بشكل كلي على مدار العام الدراسي في العامين
الماضيين؛ وهو ما نتج عنه توقف الدراسة نهائيا والاعتداء على أي مدرس يخالف أوامر
المسلحين.
• قامت قيادات المجلس الانتقالي بنهب أكثر من 300
مليون دولار في فترة الادارة الذاتية التي أعلنتها في نيسان/ أبريل 2020 واستمرت
نحو ثلاثة أشهر، وأدى نهب الموارد إلى تدهور الخدمات وتراجع أداء المؤسسات وتوقف
تسليم الرواتب.
• الحرب المستمرة على ميناء عدن لصالح ميناء "جبل
علي" الإماراتي من خلال عمليات الاقتحام التي تستهدف الميناء بين وقت وآخر،
ومهاجمة السفن والبواخر وعرقلة حركة الملاحة. وهذه الأعمال تؤدي إلى تقديم صورة
سلبية عن ميناء عدن وتؤثر على سمعته داخلياً وخارجياً، ما يجبر شركات الملاحة
العالمية على إيقاف تعاملها مع الميناء تحت مبررات عديدة؛ منها عدم توفر الأمن
وتعرض السفن للابتزاز والمضايقات المستمرة.
• قيام قيادات في القوات التابعة للانتقالي بتأسيس
شركات تجارية منها شركات خاصة بالخدمات البترولية، وهذا مرتبط بأعمال الابتزاز
التي يتعرض لها التجار وشركات القطاع الخاص، من أجل إفساح الطريق للقوى المسلحة
التي تسعى للسيطرة على كل شيء، من مؤسسات الدولة والمرافق الإيرادية وشركات
الصرافة والتحويلات المالية والممتلكات العامة والخاصة وكذلك الأراضي والمباني
وغيرها.
• انهيار متسارع في الخدمات العامة من مياه وكهرباء
وتعليم وصحة وغيرها في ظل السيطرة الأحادية للانتقالي، وإجبار المسؤولين والموظفين
في كافة المرافق على تنفيذ توجيهاته. وتشهد الكهرباء والمياه في الوقت الراهن
وضعاً مأساوياً لم تشهده في أي فترة زمنية سابقة بما في ذلك فترة الحرب والحصار
الحوثي في العام 2015، حيث تزيد ساعات انقطاع التيار الكهربائي عن 15 ساعة في
اليوم، وفي بعض الأيام تستمر فترة الانقطاع 20 ساعة، ولا تزيد فترة تشغيل التيار
عن ساعتين في جميع الحالات. ومثلها المياه التي انقطعت عن أكثر أحياء عدن، بما
فيها الأحياء التي لم تكن تعرف الانقطاع في الفترة الماضية، وهذا دفع المواطنين
للبحث عن وسائل بديلة في ألواح الطاقة الشمسية والمولدات الكهربائية وشراء المياه
من سيارات البيع المتنقلة، أو مغادرة المدينة بحثاً عن ظروف أفضل للعيش.
أخطر ما يتم تكريسه في عدن وما يحدث كمحصلة للوضع العام المتردي فيها، إذا ظلت عدن في ذات الحالة التي تعيشها اليوم، هو اتخاذ اتفاق الرياض كمظلة لتمرير مخطط التشظي بالتدريج. أي أننا أمام واقع متدهور، يتم صناعته والدفع نحوه؛ وحين يبلغ سخط الناس ذروته، سيتم فرض خيارات سياسية مصيرية
• بصورة عامة يمكن القول إن أخطر ما يتم تكريسه في عدن
وما يحدث كمحصلة للوضع العام المتردي فيها، إذا ظلت عدن في ذات الحالة التي تعيشها
اليوم، هو اتخاذ اتفاق الرياض كمظلة لتمرير مخطط التشظي بالتدريج. أي أننا أمام
واقع متدهور، يتم صناعته والدفع نحوه؛ وحين يبلغ سخط الناس ذروته، سيتم فرض خيارات
سياسية مصيرية عليهم بحجة إنقاذهم.
نحن أمام كيان -المجلس الانتقالي- يفترض أنه جزء من
مؤسسة الشرعية؛ لكنه يواصل تأثيث كيانه الموازي وباستخدام المظلة القانونية ذاتها،
أي أنه يستخدم الغطاء القانوني النابع من تواجده في الحكومة لفرض خياراته عليها.
هذا ما يمكن أن نطلق عليه: القضم التدريجي للدولة من داخلها، وتقويض الكيان الوطني
بالمناورة الناعمة والمتدرجة بعد فشله في تقويضه بالقوة الخشنة..
لكن إلى جانب هذه النتيجة العامة التي تقودنا إليها كل
المؤشرات الواقعية، وإذا أردنا تفصيل احتمالات المستقبل، فنحن أمام احتمال وخلاصة
استمرار تدهور الوضع العام، مع مواصلة الانتقالي سياسة نخر الدولة من الداخل وصولا
لفرض مشروع الانفصال ولو كخطوة عملية داخليه، بعد أن يستشعر سطوته الكاملة على
الوضع ويتمكن من تحييد الشرعية كليا. وهذا هو السيناريو الجذري لدى الانتقالي
والغاية التي يطمح لها ولو على المدى المتوسط والبعيد.
وهناك احتمال إعلان فشل اتفاق الرياض وفشل دور مجلس
القيادة اليمنية بسبب غطرسة الانتقالي وانفجار مواجهة عسكرية بين الطرفين، وهو
خيار وارد، وستعود الأمور حينها لنقطة الصفر. وهذا احتمال متأرجح وفرص حدوثه
متوسطة، ونتائجه مفتوحة، ومرتبطة من جهة ما بموقف التحالف، وما إذا كان سيتدخل
لصالح طرف أو سيغض طرفه ويترك للميدان حسم الأمور. في حالة كهذه احتمالية انحياز
الإمارات عسكريا للانتقالي واردة، واحتمالية صمت السعودية أو تدخلها لإعادة ترميم
اتفاق الرياض واردة أيضا، مع استبعاد انحيازها العسكري لهذا الطرف أو ذاك. وهذا
سيناريو مكلف ويجعل الوضع يعود لنقطة البداية مجددا، والواقع المعيشي للناس في عدن
منذر بالمجهول ومرتبط بنتائج الصراع إن حدث.
twitter.com/anesmansory