نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرا رصد من خلاله تنامي عنف حركة هندوتفا في بريطانيا، وهي العقيدة السائدة للقومية الهندوسية في الهند.
وتناول المقال تصاعد التوتر وأعمال العنف التي أقدم عليها معتنقو عقيدة هندوتفا في بريطانيا، وصولا إلى أحدث الوقائع في مدينة ليستر، حيث اعتدى الهندوس، السبت الماضي، على المسلمين حين اقتحم حوالي 200 رجل هندوسي، معظمهم مقنعون وملثمون، منطقة ذات أغلبية مسلمة في شرق المدينة.
وأرجع التقرير تنامي التوتر والعنف لدى الهندوس في بريطانيا إلى تصاعد خطاب الكراهية ضد المسلمين في الهند منذ تولي رئيس الوزراء اليميني ناريندرا مودي الحكم.
وذكر الموقع أن معظم التقارير الصحفية توجه اللوم بالتساوي إلى الطرفين، مستدركا بالقول إن الأحداث البغيضة التي حصلت هذا الصيف لا يمكن تفسيرها دون الأخذ بالحسبان صعود حركة الهندوتفا داخل بريطانيا.
وأشار التقرير إلى ما اعتبره صمتا استراتيجيا من الحكومة البريطانية إزاء صعود حركة الهندوتفا داخل المملكة المتحدة، داعيا حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا إلى التوقف عن ممالأة مودي، خاتما بالقول: "عليه (حزب المحافظين) أن يصحو من سباته ويدرك ارتباطاته باليمين المتطرف، ليس في الهند فحسب بل وكذلك داخل بريطانيا".
في ما يأتي التقرير كاملا كما ترجمته "عربي21":
الهندوس في جانب، والمسلمون في الجانب الآخر. ويحجز بين الجانبين رجال شرطة يشهرون الهراوات في أياديهم.
وفي الجوار سيارات تعرض زجاجها للتحطيم. إحدى السيارات قلبت على ظهرها وتعرض سائقها للضرب المبرح. انحبس السكان المحليون داخل بيوتهم، يخافون مغادرتها إلى الخارج. ويجوب الطرقات رجال مقنعون وملثمون.
لم يكن ذلك مشهداً من الهند، البلد الذي تعود على أحداث العنف المجتمعي الوحشي. وإنما حدث ذلك ليلة السبت الماضي في مدينة ليستر البريطانية. بالنسبة للمواطنين المحليين، بدا ذلك كما لو كان ساحة حرب أهلية.
لم تشهد أكثر مدن بريطانيا تعددية ثقافية شيئاً كهذا من قبل. إلا أن شيئاً تغير خلال الشهور الأخيرة، ألا وهو وصول القومية الهندوسية إلى بريطانيا.
وتشهد الهند نمواً في الكراهية ضد الأقليات الدينية، وخاصة ضد المسلمين الذين يشكلون ما يقرب من 200 مليون نسمة. يسعر هذه الكراهية ما يعرف بالهندوتفا، وهو مصطلح شائع يعبر عن القومية الهندوسية التي تروج لها وتنشرها منظمة شبه عسكرية هندية اسمها راشتريا سوايامسيفاك سانغ (آر إس إس). وكان رئيس وزراء الهند الحالي نارندرا مودي قد تلقى تعليمه داخل منظمة آر إس إس، وتأسس الحزب الحاكم الـ بي جيه بيه في عام 1951 ليكون جناحاً سياسياً لها.
بينما تعتبر الهندوسية تقليداً دينياً عظيماً وعتيقاً فإن الـ آر إس إس كيان حديث جداً، تمت صياغته في القرن العشرين على نمط الفاشية الأوروبية. ومعروف عن واحد من أهم منظريه وأكثرهم نفوذاً، واسمه مذاف ساداشفراو غولواكار، إعجابه بالنازيين وتشبيهه مسلمي الهند بيهود ألمانيا.
توتر متنام
باتت رؤية الهندوتفا اليوم، أي تحويل الهند إلى دولة هندوسية بدلاً من أن تكون وطناً للعديد من الثقافات والأديان، قريبة من التحقق.
يعني ذلك في الهند الموت والإرهاب والدمار، وجله يتم عبر هجمات تشن على المسلمين. إلا أن نفوذ الـ آر إس إس لم يعد مقتصراً على الهند، بل صارت المنظمة نشطة داخل بريطانيا، وفي ليستر ما لبثت التوترات تتصاعد بسبب سلسلة من الهجمات المعادية للمسلمين.
في شهر مايو / أيار، هاجم ثلاثون رجلاً فتى مسلماً وانهالوا عليه بالهراوات في الطريق العام بعد أن سألوه عن ما إذا كان مسلماً. كسرت إحدى ذراعيه وأدخل إلى المستشفى لتلقي العلاج. كان ذلك اعتداءً لأسباب دينية بحتة، بلا مبرر. لعله بات روتينياً في الهند في عهد مودي، ولكنه حتى الآن شيء غير مألوف على الإطلاق في بريطانيا.
ثم في الثامن والعشرين من أغسطس/ آب، تصاعد العنف، وذلك بعد أن هزمت الهند باكستان في مباراة للكريكيت، فتعالت صيحات عصابة من الرعاع وهم يجوبون شوارع ليستر ويهتفون "الموت لباكستان". اعتدى أفراد تلك العصابة على شخص من طائفة السيخ كان يمر بالمكان وعلى واحد من ضباط الشرطة.
وفي حادث مروع بعد ذلك ببضعة ليال، اقتحم عدد من الرجال منطقة تسكنها أغلبية هندوسية وراحوا يعتدون على الناس وعلى ممتلكاتهم. تم تصوير أحد الرجال وهو ممسك بسكين في يده بينما كان رجل آخر يسحب راية دينية من أحد المنازل الهندوسية.
في نفس ذلك الوقت، اعترضت مجموعة من الرجال رجلاً مسلماً في العشرين من عمره في وقت متأخر من الليل، وسألوه عن ما إذا كان مسلماً، فلما أجابهم بـ نعم انهالوا عليه بالضرب.
لم تكن تلك هي الأحداث الوحيدة، بل أيضا ما أفاد به مراقب المرور المسلم محمد شكيل عبد الله، أن رجلين اعتديا عليه باللكمات في التاسع من سبتمبر وهدداه بسكين بينما كان على رأس عمله. وكانا قبل الهجوم عليه قد سألاه إن كان مسلماً.
ثم تصاعد التهديد ثانية يوم السبت الماضي، حين اقتحم حوالي 200 رجل هندوسي، معظمهم مقنعون وملثمون، منطقة ذات أغلبية مسلمة في شرق ليستر. وبينما كانوا يجولون في طرقاتها راحوا يهتفون بصوت مرتفع "جاي شري رام". لقد غدت هذه العبارة الدينية الهندوسية، والتي تعني "المجد للرب رام"، مرادفة لأعمال عنف الهندوتفا في الهند.
في مختلف أرجاء شبه القارة الهندية، أجبرت عصابات تمارس القتل ضد المسلمين على الترديد من خلفهم "جاي شري رام". وهو الشعار الذي هتفت به عصابات الرعاع الذين هدموا لبنة لبنة مسجد أيوديا الذي يعود إلى القرن السادس عشر. بعض متظاهري الهندوتفا في ليستر راحوا يهتفون بشعار "جاي شري رام" وهم يعتدون على المسلمين المارة، فما كان من الرجال المسلمين إلا أن وقفوا لهم بالمرصاد، فتدخلت الشرطة للفصل بين الجانبين.
وبالتدريج وصل المزيد من المسلمين، ومع مغيب الشمس سجد العشرات منهم وهم يؤدون الصلاة جماعة في وسط شارع أبينغهام.
ظاهرة خطيرة
ومع إسدال الليل ستائره اندلع العنف من الجانبين. هاجم المسلمون أحد متظاهري الهندوتفا داخل سيارته ودفعوا بها جانباً.
وتسلق رجل ملثم إلى داخل معبد هندوسي وأنزل الراية من فوقه. وفي شارع ميلتون رود، وبينما اصطفت عناصر الشرطة في خطين للفصل بين متظاهري الهندوتفا والمتظاهرين المسلمين، ألقى بعض عناصر عصابة الهندوتفا الزجاجات على المسلمين. قال أحد الشهود في تصريح لموقع ميدل إيست آي: "شاهدت الشارع بأسره مسدوداً. كان لدى الشرطة كلاب وهراوات، ولم يسمحوا لأحد بالمرور. شاهدت ضباط الشرطة ينتشرون في الشوارع المحيطة".
وأخيراً تمكنت الشرطة من تفريق الجموع، ولكن اندلع مزيد من العنف في الليلة التالية. قام الهندوس برش الطلاء على الجدران الخارجية لأحد المساجد، بينما أزال المسلمون راية معبد هندوسي وأضرموا بها النيران. جال رجال ملثمون من الطرفين الطرقات قبل أن تتدخل الشرطة وتفرقهم.
معظم التقارير الصحفية حتى الآن توجه اللوم بالتساوي إلى الطرفين، كما لاحظ فيصل حنيف في موقع ميدل إيست آي. لا بد من التأكيد على أن الصورة مرتبكة، وأن بعض المسلمين قاموا باعتداءات مريعة على الهندوس.. إلا أن الأحداث البغيضة التي حصلت هذا الصيف لا يمكن تفسيرها دون الأخذ بالحسبان صعود حركة الهندوتفا داخل بريطانيا.
ما زالت هذه الظاهرة ذات الأهمية البالغة متجاهلة من قبل الصحافة إلى حد كبير، ولكن ليس من قبل الهند ذاتها. ففي تدخل خطير، صورت المفوضية العليا للهند في لندن العنف الذي جرى في ليستر باعتباره حصرياً ظاهرة مسلمة.
وجاء في بيان صحفي تحريضي صدر يوم الاثنين ما يأتي: "إننا نندد بشدة بالعنف الذي مورس ضد الجالية الهندية في ليستر وبالتخريب الذي طال مرافق ورموز الديانة الهندوسية".
هذا شيء خبيث.
من هو الهندي؟
من خلال التنديد فقط بالهجمات على الهندوس، فإن المفوضية العليا للهند تغض الطرف عن ما تعرض له المسلمون من أعمال عنف، وهي بذلك تتخذ موقفاً منحازاً في صراع ديني يندلع على أرض بلد أجنبي.
بات معتاداً أن تنحاز حكومة مودي إلى جانب الهندوس متجاهلة العنف الذي يمارس ضد المسلمين داخل الهند، ما أطلق أيدي المتشددين الهندوس ليمارسوا الإرهاب ضد الأقليات وهم في مأمن من المساءلة والمحاسبة. كما أن هناك عنصراً آخر مزعجاً في البيان الصحفي الصادر عن المفوضية العليا للهند في لندن، وهو الإشارة إلى "العنف الممارس ضد المجتمع الهندي".
والحقيقة التي تعلمها جيداً المفوضية العليا للهند هي أن الاشتباكات كانت تدور بين أناس كلهم من خلفيات هندية.
فالأغلبية العظمى من المسلمين في ليستر هم من أصول هندية، وكثيرون منهم ينحدرون من غوجرات، حيث وقعت مذابح عام 2002 عندما كان مودي وزيراً أول فيها ووجهت له أصابع الاتهام صراحة بالمسؤولية عنها. ولذلك يمكن أن يفهم من البيان الصحفي للمفوضية العليا للهند أنها تعتبر الهنود الهندوس وليس الهنود المسلمين جزءاً من المجتمع الهندي.
وهذا نفسه من التجليات المرعبة لعقيدة الهندوتفا، التي ترسم صورة للهند باعتبارها بلداً هندوسياً في الأساس تعرض للعدوان من قبل غزاة مسلمين أجانب، وبذلك يكون مسلمو الهند أنفسهم اليوم خارج مكونات الأمة الهندية.
اتصل موقع ميدل إيست آي مع المفوضية العليا للهند للحصول على تعليق منها، ولكن لم يرد منها رد حتى لحظة نشر هذا المقال.
إن من المقلق جداً أن تنتهك المفوضية العليا للهند جميع الأعراف الدبلوماسية وتقدم على ترديد نفس اللغة القبيحة للمتطرفين الهندوس في الهند، علماً بأن كثيراً من الهندوس في ليستر يرفضون الموقف الذي خلصت إليه المفوضية العليا للهند.
تحدثنا مع امرأة هندوسية شابة تخشى على سلامة الحي الذي تعيش فيه. فقالت مشترطة عدم الإعلان عن هويتها: "تذهب جدتي يومياً إلى معبد ماندير، فأنا لست مرتاحة لهذا الأمر. عقلية عصابات الرعاع مرعبة".
وأضافت: "هذا من الأمور التي طالما أرعبتني في ما يتعلق بصعود الـ بي جيه بيه في الهند – وكيف سيؤثر ذلك على الشتات. من المحزن جداً أن نرى ذلك، فطوال سنين نشأتي كان الوئام سائداً باستمرار بين جميع المجتمعات. هذا شيء مريع".
ومن المخزي أن يغض السياسيون البريطانيون النظر عن صعود حركة الهندوتفا داخل بريطانيا، ولعل طموحاتهم الانتخابية هي السبب وراء ذلك.
صمت استراتيجي
في السنوات الأخيرة، دخل حزب المحافظين في تحالف انتخابي غير معلن مع حزب بي جيه بيه الحاكم في الهند.
كثيراً ما يتم التغاضي عن أن مودي كان ممنوعاً من دخول بريطانيا بعد مذبحة 2002 التي ذهب ضحيتها ما يزيد على الألف مسلم في غوجرات. ثم ما لبث مودي أن انتخب في عام 2014 رئيساً للوزراء، ومنذ ذلك الوقت والحكومة البريطانية تحتضنه بكل ما لديها من حنان ومودة.
قام رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون بزيارة إلى الهند في شهر إبريل/ نيسان، حيث أعلن عن إبرام صفقات استثمارية جديدة في قطاع التكنولوجيا، ثم وقف إلى جانب مودي لتلتقط لهما الصور التذكارية. ولم يأت من قريب أو بعيد على ذكر ما يتعرض له المسلمون بشكل متزايد من اعتداءات إجرامية في كافة أرجاء البلاد.
في عام 2022، صرح متحف ذكرى المحرقة في الولايات المتحدة بأن الهند هي ثاني أكثر البلدان المرشحة لوقوع مذابح جماعية فيها. ومع ذلك فإنها تحتفظ الحكومة البريطانية بصمت استراتيجي إزاء هذه المسألة.
في الواقع يبدو المحافظون عازمين على مجاملة حزب بي جيه بيه برئاسة مودي. ففي شهر مايو/ أيار، جرى استقبال لوفد من المعارضين السياسيين الهنود داخل البرلمان البريطاني، وتميز اللقاء بغياب نواب البرلمان عن حزب المحافظين، بحسب ما ورد في تقرير نشرته صحيفة الغارديان.
اقرأ أيضا: الهند تحظر منظمة إسلامية مناهضة لسياسات مودي
ليس سراً أن وزيرة الداخلية السابقة بريتي باتيل من المعجبين بمودي، ولكم أشادت بقيادته الديناميكية عندما كانت في الحكومة. وكانت في عام 2014 قد بذلت جهداً غير عادي تمخض عن كتابتها لخطاب تهنئة موجه لمنظمة إتش إس إس البريطانية، الجناح الخارجي لمنظمة آر إس إس، بمناسبة تنظيمهم لنشاط تحت عنوان "آر إس إس: رؤية قيد التنفيذ – فجر جديد". قالت باتيل مخاطبة أعضاء المنظمة إنه "ينبغي عليهم أن يفخروا بما أنجزوه للمجتمع الهندوسي داخل بريطانيا".
ويرى حزب المحافظين أن ثمة إمكانية لتحقيق مكاسب انتخابية من خلال التعاون مع بي جيه بيه، الحزب الحاكم في الهند، والذي يبادل المحافظين نفس الشعور. ففي الانتخابات العامة التي جرت في عام 2019، تم توقيف الأمين العام للمجلس الوطني للمعابد الهندوسية، والمرتبط بحزب بي جيه بيه، بعد الكشف عن أنه كان شخصياً يحث الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي على التصويت لحزب المحافظين.
في نفس السنة، تم تصوير رئيسة المنتدى الهندوسي في بريطانيا وهي تقول للجمهور إنها سوف تحظر على السياسيين من حزب العمال حضور النشاطات الهندوسية. في تلك الأثناء دعت مجموعة تسمي نفسها أصدقاء بي جيه بيه في الخارج – فرع بريطانيا 300 هندي لحضور لقاء مع مرشح حزب المحافظين الدكتور أنوار علي وعضو البرلمان عن حزب المحافظين بوب بلاكمان.
معروف عن بلاكمان أن لديه تاريخا من العداء للإسلام والمسلمين، واشتهر عنه إعادة تغريد بوستات معادية للمسلمين عبر السوشال ميديا كان قد غرد بها ابتداء زعيم رابطة الدفاع الإنجليزية تومي روبنسون (والذي اعتذر فيما بعد مشيراً إلى خطأ في التغريدات)، كما أنه شارك في ندوة جنباً إلى جنب مع المعلقة اليمينية المتطرفة كاتي هوبكنز. وفي عام 2018 استضاف الزعيم الهندوسي القومي تابان غوش في البرلمان. دعا غوش الأمم المتحدة إلى "التحكم بمعدل الولادة بين المسلمين حول العالم".
قد يساعد ذلك على تفسير لماذا، حتى كتابة هذا المقال، لم يصدر أي تصريح حول العنف عن وزير الداخلية سويلا برافرمان – ولم نشهد سوى القليل من التغطية الإعلامية في الصحافة البريطانية ذات التوجهات المعادية للإسلام.
حان الوقت لأن يتوقف حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا عن ممالأة مودي، وأن يصحو من سباته ويدرك ارتباطاته باليمين المتطرف، ليس في الهند فحسب بل وكذلك داخل بريطانيا.
تراس تبلغ لابيد تأييدها نقل سفارة بريطانيا للقدس المحتلة
MEE: متى سينظر إعلام بريطانيا للمسلمين على أنهم ضحايا؟
تعرف إلى أبرز التحديات التي أمام الملك تشارلز الثالث