قضايا وآراء

"المهاجرون".. ودروب التيه

1300x600
بعد أن تخطيت حدود المحروسة التفت ورائي وأطلت النظر، وتواترت على ذهني ذكريات كثيرة يزاحم بعضها بعضا.. ذكريات الأهل والأصدقاء، ومراتع الشباب، وأماكن الصبا.. عشرات الذكريات دفعة واحدة. فمن العسير أن ينسلخ الإنسان من موطنه ومسقط رأسه ويجد نفسه مضطرا مجبورا على الخروج مهاجرا في أرض الله دون وجهة محددة؛ ولسان حاله يقول: ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت. ثم نظرت إلى السماء وقلت: بحول الله وقوته لنا عودة إليك يا مصر سالمين غانمين أعزّة منتصرين. ووليت وجهي شطر الطريق مهاجرا إلى الله، وأنا لا أعرف في أي بلاد الله ستحط رحالنا.

وبين عدة خيارات حطت طائرتنا في العاصمة السياحية للدولة التركية "إسطنبول"، وهنا بدأت مرحلة جديدة في حياتنا، سواء على مستوى الصراع السياسي بيننا وبين النظام الانقلابي في مصر أو على المستوى الشخصي، حيث تنمية الخبرات والمهارات نتيجة الاحتكاك المباشر بالعديد من الرموز المتميزة في شتى نواحي المعرفة.

وسرعان ما انخرطت في العمل السياسي الذي كان في أوج قوته ضد العصابة الانقلابية؛ من خلال أكبر تجمع لأحزاب المعارضة المصرية والمسمى بالتحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب، والذي كان ينادي بعودة السلطات الشرعية المنتخبة من الشعب ورفض الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح.
استمر العمل على هذه الوتيرة القوية لسنوات إلى أن دخلنا في مرحلة التيه بحدوث الصراع الإخواني- الإخواني داخل أكبر جماعة إسلامية تمثل المعارضة المصرية

وفي مكتب التحالف بمدينة "باشاك شاهير" كان العمل يسير على قدم وساق حيث الاجتماعات المكثفة لرؤساء وممثلي أحزاب المعارضة المصرية، والتي كانت ممتلئة بالحماسة ومفعمة بالأمل والاستبشار.

وقد نظمنا عشرات المؤتمرات الصحفية المنددة بالانقلاب وفضح جرائمه في حق الشعب المصري وعشرات الوقفات الاحتجاجية، سواء أمام القنصلية المصرية في إسطنبول أو السفارة المصرية في أنقرة.

واستمر العمل على هذه الوتيرة القوية لسنوات إلى أن دخلنا في مرحلة التيه بحدوث الصراع الإخواني- الإخواني داخل أكبر جماعة إسلامية تمثل المعارضة المصرية، والذي بدأ بحركة إصلاحية من مجموعة كبيرة من الرموز الفكرية والسياسية داخل الجماعة، وقوبل بالرفض والتشكيك من قِبل القيادات التقليدية المهيمنة على شؤون الجماعة. وبلغ هذا الصراع ذروته بقرارات الفصل الشهيرة، والتي طالت رموزا كبيرة وقيادات أفنت أعمارها داخل الجماعة؛ منهم وزراء ونواب بارزون في حكومة الثورة.
الضعف الذي حدث للمعارضة في الخارج حدث مثله وأضعافه للنظام الانقلابي في الداخل، حيث بات يتقلب من فشل إلى فشل ومن كارثة إلى أخرى على المستوى السياسي والاقتصادي والأخلاقي، وبات سقوطه مسألة حتمية

وانعكس هذا الصراع على كل مكونات العمل السياسي المعارض للانقلاب سواءً الإسلامية منها أو الليبرالية، وانحاز كل مكون لهذا الفصيل أو ذاك.

وبالانشغال بالصراع الداخلي والمعارك البينية دخلت القضية المصرية مرحلة التيه والأنفاق المظلمة، إلا أن صوت الثلة المخلصة التي ما برحت تنادي بالتركيز على العدو الأكبر المشترك والذي يتمثل في الانقلاب وأذنابه، ظل قويا مسموعا وإن خفت في بعض الأزمان.

ومن المفارقات العجيبة والجميلة في نفس الوقت أن الضعف الذي حدث للمعارضة في الخارج حدث مثله وأضعافه للنظام الانقلابي في الداخل، حيث بات يتقلب من فشل إلى فشل ومن كارثة إلى أخرى على المستوى السياسي والاقتصادي والأخلاقي، وبات سقوطه مسألة حتمية لا تحتاج سوى رفع أجهزة التنفس الصناعي من القوى الإقليمية الداعمة ليهوي بعدها النظام الانقلابي بكل رموزه إلى مزابل التاريخ.